سيتم حجب هذه الصورة تلقائيا عندما يتم الإبلاغ عنها من طرف عدة أشخاص.
قصة مجمع فوسفاطي أهلكت سمومه «الحرث والنسل» في إقليم الجديدة أمراض تجتاح أطفال المنطقة وأراض لم تعد صالحة للفلاحة و09 في المائة من الأسماك تأتي من خارج المدينة
عرف إقليمالجديدة، تراجعا غير مسبوق في الثروات السمكية والمهنيون يقولون إن الأمر واقع لا يمكن إنكاره وحددوا التراجع في 06 في المائة، وآخرون قالوا إن 09 في المائة من الأسماك التي تباع في مدينة الجديدة تأتي من الدارالبيضاء والسبب راجع إلى وجود مجمع صناعي بالجرف الأصفر، تابع للمركب الشريف للفوسفاط، يلفظ سموما بكميات كبيرة يوميا أهلكت «الحرث والنسل» في هذه المنطقة. «المساء» انتقلت إلى ميناء الجديدة وزارت منطقة الجرف الأصفر ورصدت حقائق صادمة. المكان ميناء الجديدة، والزمان الأسبوع الماضي، تبدو الحركة داخل هذا الميناء ضعيفة جدا، وحتى الأسماك المعروضة كانت قليلة. كان الاستياء واضحا على وجوه الصيادين الذين خرجوا للتو إلى اليابسة وهم لا يحملون إلا القليل من الأسماك التي جاد بها المحيط الأطلسي خلال ذلك اليوم. صيادون أكدوا ل«المساء» أن تراجع الأسماك هو واقع لا يمكن الجدل فيه أو نفيه، ومصدر مسؤول بمكتب الصيد البحري بالجديدة أكد أنه يصعب الجزم بهذا التراجع، لأن القطاع لم يكن منظما إلى درجة يمكن معها تحديد هذا التراجع، غير أنه لا يمكن نفي «العشوائية» في قطاع الصيد بالإقليم، يؤكد المصدر نفسه. ونفى مصدر مسؤول بمندوبية الصيد بالجديدة ما يروج بخصوص أن 90 في المائة من الأسماك التي تستهلك بالجديدة يتم جلبها من الدارالبيضاء، مؤكدا أن التراجع لا يقتصر على الجديدة لوحدها بل على المغرب وعلى عدة دول في العالم، وأن الأسباب هي مناخية بالدرجة الأولى. ودليل ذلك، يؤكد المسؤول نفسه، أن ساحل الجديدة يجود ب8000 كيلوغرام يوميا من الأسماك، توجه منها 10 في المائة من أجل الاستهلاك المحلي ويتم توجيه الباقي إلى أسواق أخرى داخلية وخارجية، وتصدر 80 في المائة إلى دول أوروبية، خاصة إسبانيا والبرتغال التي تعاني نقصا حادا في الأسماك. سمك الجرف الأصفر كان سكان منطقة الجرف الأصفر بإقليمالجديدة في السنوات الماضية يعتمدون بالدرجة الأولى على الصيد والفلاحة، وعندما نزعت منهم أراضيهم الفلاحية، في إطار مشروع المركب الشريف للفوسفاط، ظلوا متشبثين بصيد الأسماك وبيعها واستهلاكها، لكن كمية الأسماك تراجعت، حسب بعض المهنيين بالمنطقة، بنسبة 90 في المائة، وحتى العشرة المتبقية غير صالحة للاستهلاك. يقول حران محمد، صياد بإقليمالجديدة: «أسماك الجرف ملوثة، ونحن لا نمارس الصيد به وإذا حدث ذلك فإننا لا نستهلكها لأنها تكون غير قابلة للاستهلاك، إذ تكون فيها رائحة لامونياك والفوسفاط، وبعد ثلاث ساعات أو أقل تصبح بها رائحة نتنة وتخرج أحشاؤها ولا تكون قابلا للتخزين يوما آخر أو يومين، عكس أسماك مناطق بحرية أخرى»، فيما يقول صياد آخر: «كان السمك وفيرا بالجرف وكنا لا نقوم بجهد كبير أثناء الصيد، أما اليوم فيستحيل أن تجد أسماكا في هذه المنطقة، وإذا وجدتها فإنها تكون شبه مطهية بسبب ارتفاع حرارة المياه وبسبب السموم التي تقذف في البحر». بلح البحر أو ما يعرف ب«بوزروك» أصبح استهلاكه اليوم، يقول الصياد حران، خطرا على صحة المواطنين، خاصة إذا علمنا أن البعض يقوم بجمعه وبيعه في مناطق أخرى, لا يعلم سكانها أنه من الجرف الأصفر، وهذا يتطلب تدخلا وصرامة في المراقبة لحماية المستهلكين، وهذا لن يتأتى إلا بتنظيم القطاع. أصناف من الأسماك اختفت أصناف سمكية كثيرة اختفت وأخرى تراجعت كمياتها إلى حد كبير، الشابل، لانكوس، لوما، بوشوك، الأخطبوط، بوجنيبة، القرب، الدبدوب، زريقة، الميرو، الدرعي، الشرغو.. كلها أنواع اختفت في بعض النقط البحرية, وتراجعت كميات بعض الأنواع الأخرى بنسبة 60 في المائة على الأقل، حسب بعض المهنيين، والسبب، يقول حران، هو التلوث والممارسات «العشوائية»، ففي الوقت الذي كان الصيادون يعودون بصيد ثمين، قد تتجاوز فيه صناديق الأسماك ال2400 صندوق، تراجع، الآن، هذا العدد كثيرا، حيث إن الصيادين يكونون في غاية السعادة إذا عادوا وفي قاربهم 200 صندوق، يؤكد حران. وصرح حميز عبد الله حمادي (صياد بالجديدة) بأن الصيد الذي كان في سنوات 80 و90 ولى واختفى ولم تبق منه إلا «البركة»، وأن السبب الأساسي بالإضافة إلى التلوث، هو الصيد العشوائي، خاصة أن الكثير من الصيادين يستعملون شباك صيد من نوع «الماية» التي تكون عيونها جد صغيرة وتجذب معها حتى الأسماك الصغيرة التي تكون غير صالحة للأكل بعد، وهو ما يعد استنزافا للثروة السمكية. بعض الصيادين، الذين لا يعتبرون الصيد مهنة فقط، بل أيضا هواية، أكدوا ل«المساء» أن الأسماك التي كانت تُصطاد بالقصبة التقليدية اختفت، حيث أصبح الصيادون المحترفون والهواة، يقول حران، يقطعون مسافة طويلة جدا، إلى درجة أننا قد نصل إلى منطقة جمعة أولاد غانم أو الوليدية ومع ذلك قد نعود خاويي الوفاض، وفي هذه السنة ازداد الوضع سوءا، علما أن كمية الأسماك بدأت في التراجع منذ حلول سنة 2000، وتلك التي كانت توجد على مسافة قصيرة أصبحنا، الآن، مضطرين إلى قطع عشرات الكيلومترات لجلب القليل منها مثل السردين والتونة والبونيتو. «فرق كبير، كنا كنصيدوا 5 و6 بالقصبة من نوع فراخ بوشوك والدرعي من الحجم الكبير يوميا, الآن أصبحنا نصيد 1 في 15 يوم أو في شهر»، يضيف حران.
«سلعة بور» لم يتخل سكان دواوير الشخالبة عن عادة تربية المواشي مثلما هو حال سكان القرى عن طواعية واختيار، ولكنهم كانوا مكرهين على ذلك لأنهم بدؤوا يتكبدون خسائر وصفوها ب«الفادحة» بعد أن أصبحت المواشي والأبقار التي يعرضونها للبيع في الأسواق المجاورة أو في بعض المدن المجاورة مرفوضة بمجرد ما يتأكد التجار من أنها حيوانات الجرف الأصفر، وهو ما كان يظهر بجلاء بسبب فقدانها أسنانها كاملة أو جزءا كبيرا منها، كما أن أغلب حيوانات الجرف الأصفر تكون في وضعية هزيلة إلى حد كبير مما يجعل الجميع متخوفا منها، خاصة إذا تعلق الأمر بالأبقار الحلوب أو بالأكباش، التي تكون موجهة للذبح، لأن لحم حيوانات الجرف يكون له طعم مميز عن لحوم مواشي وأبقار المناطق الأخرى. الكثير من الحيوانات نفقت بسبب رعيها على العشب، وحاول الفلاحون تجنب رعيها على العشب واستبدلوه بالأعلاف غير أن المشكل ظل قائما بسبب مياه الشرب حيث يعتمد السكان على الآبار، وهي الآبار التي يشرب منها سكان المنطقة أيضا. يقول اسماعيل سعادي، أمين صندوق تعاونية «الرجاء في الله لجمع وتسويق الطحالب البحرية»، بدوار السراحنة: «الشارْبون ولاسيد كيطيح في الأرض وكيتسرب للآبار في موسم الشتاء ونشربه نحن وأطفالنا وهو السبب في ظهور العديد من الأمراض». وأضاف اسماعيل أن كثرة الغبار، خاصة عندما تكون الرياح قوية، تضطر النسوة إلى وقف التنظيف, خاصة الملابس, لأنها تفقد لونها تماما، حيث تتحول من الأبيض إلى الأسود بسبب الغبار والدخان الناتج عن الفحم لتوليد الطاقة، ولا يتم غسل الملابس إلا عندما يتغير اتجاه الرياح إلى الجهة المعاكسة. أمراض وبطالة كانت الطفلة فاطمة (اسم مستعار) ذات القامة القصيرة قادمة من مدرستها التي توجد بالدوار وهي تحمل محفظة أكبر من جسدها النحيل. كان الاصفرار يعلو جسدها وهي تتثاقل في مشيتها بعد أن نال منها التعب، كانت الصغيرة تحاول الاختباء تحت أي شجرة تصادفها. الحسين الستوي، واحد من سكان دوار السراحنة، قال ل«المساء» وهو يشير بأصبعه إلى هذه الطفلة، «لاحظي البنية الجسدية لهذه الطفلة، إنها تبدو نحيفة أكثر من اللازم. أغلب الأطفال هنا بنياتهم الجسدية ضعيفة وأغلبهم يعانون من أمراض الحساسية وغيرها»، و«الأدهى من ذلك، يضيف الحسين، أن الكثير من الأطفال أصبحوا يولدون وهم يحملون عاهات، وحتى الحيوانات أيضا»، وهو ما أصبح يثير الرعب في نفوس الآباء ويدعوهم للتفكير في الرحيل، الذي ما كانوا ليترددوا فيه لو توفرت لهم الظروف المادية. وأكد سعيد، أحد شباب المنطقة، أن: «ما يلاحظ هو انتشار أمراض جلدية وأمراض الحساسية بين السكان، والأخطر من ذلك أن معظم من توفوا أصيبوا بالمرض نفسه، مثل سرطان الرئة..». التلوث، الأمراض، انعدام فرص الشغل، التهميش، الفقر المدقع، صعوبة المسالك، انعدام الماء الصالح للشرب.. كلها مآس، يقول اسماعيل سعادي، يتقاسمها سكان منطقة الجرف الأصفر ويئنون بسببها منذ سنوات طويلة، لكن «العين بصيرة واليد قصيرة» لأن أغلب السكان أصبحوا من طبقة واحدة فقيرة جدا حتى إنهم يجدون صعوبة كبيرة في توفير كسرة خبز وكوب ماء غير عكر. شباب في مقتبل العمر، لم يكونوا يدبون الحركة في دواويرهم بل كانوا يرسمون عليها البؤس الذي «فرض» عليهم، عبد العاطي والحسين وسعيد وغيرهم كانوا يتبادلون أطراف حديث استهلكوه من كثرة الخوض فيه، لا عمل لديهم سوى الجلوس على جدار متهالك بالقرب من طريق يخترق دوارهم للعب الورق أو تضييع الوقت في أمور بلا قيمة لتزجية ساعات اليوم، لكن شباب هذه المنطقة لا يجلسون على قارعة الطرقات اقتناعا منهم، بل لأنهم لم يجدوا فرص عمل، خاصة لدى المصانع التابعة للمركب الشريف للفوسفاط، ولأن الأمر كذلك، فإن العديد من الشباب استسلموا للأمر الواقع في انتظار نزول «فرج من الله»، يقول الحسين. نزع ملكية تلاها فقر وجوع كنا فرحانين ملي حطْ الوْزِين تْوال الوالي سيدي الحسين قُلنا في البلاد غادين نْولو خدٌامين منْها ولينا مهجورين هازين ولادنا ورحيلنا ودايعين في الجرف الصفر حجْرة تحطات رجالْ ونْسا بْكاتْ قَاليهْ عْلى بْلادْنا اللي مْشات وخْيامْنا اللي تْرَدْماتْ وْلادْنا كيْكتْبوا في الطلبات وِيلوحوا في البوسْتاتْ إلى جاب الله شي خدماتْ واللي شات التلوث ونزع الملكيات.. بغضب واستياء، وبشكل عفوي، انسابت هذه الكلمات من فم اسماعيل سعادي، أمين صندوق تعاونية «الرجاء في الله لجمع وتسويق الطحالب البحرية، التي تم توقيفها لأسباب غير واضحة، يصرح اسماعيل ل«المساء» علما أن الجمعية كان لها دور كبير في تنظيم قطاع الطحالب البحرية. استشاط اسماعيل غضبا وهو يعدد المآسي التي يعيشها سكان دوار السراحنة التابع لجماعة مولاي عبد الله بالجديدة، وهي المعاناة التي يتقاسمها آلاف السكان في الدواوير الأخرى المجاورة مثل القراقشة، الشخالبة، أولاد سالم، دوار الشرفة، الزمازمة، أولاد الحاج قدور.. معاناة اجتماعية وصحية على وجه الخصوص ظهرت مباشرة بعد أن نزعت ملكية آلاف الأراضي من سكان منطقة الجرف الأصفر وبأثمان «شبه رمزية», والأخطر، يقول سعادي، أنه لم يكن أي نصيب لأبناء المنطقة في الشغل وهو ما يثير استياءهم. يقول عبد العاطي بيار (فاعل جمعوي ورئيس جمعية) في المرة الأولى «نزعت الأراضي ب12 ريالا للمتر والمكتب الشريف للفوسفاط نزعها بمقابل مادي بقيمة 16 ريالا للمتر، وحاليا هناك نزع الملكية ب 240 ريالا للمتر». ويضيف «أصبحنا مكبلين ولم نعد أحرارا للتصرف في ممتلكاتنا، حيث نمنع من بيع ما تبقى لدينا من الأراضي لنعيش به لأنها تدخل في إطار نزع الملكية من طرف المكتب الشريف للفوسفاط، ومن جهة أخرى هناك نزع ملكية ثانية من طرف الجماعة القروية مولاي عبد الله. الناس هنا يموتون بالجوع والتعويضات عن نزع الملكية هزيلة جدا». من أجل المنفعة العامة نزعت ملكية أراضي سكان منطقة الجرف الأصفر، وهذه المنفعة يقول عبد العاطي إنها «لا تشملنا فحتى المدرسة لا تصلح حتى لتربية الدواجن, لقد تم إقصاؤنا بصفة نهائية. نصف سكان دوار السراحنة لم تربط منازلهم بعد بالكهرباء على الرغم من أننا نوجد في منطقة بها أكبر محطة حرارية في إفريقيا و5000 فولت تمر من فوق رؤوسنا ونحن نعيش في ظلام حالك، بالإضافة إلى مشكل الماء لأننا نشرب من الآبار وهي ملوثة». وأضاف عبد العاطي أن سكان الدوار ممن ربطت منازلهم بالكهرباء يؤدون مبلغ 20 درهما عن كل مصباح كهرباء عمومي غير أن الأزقة أيضا تغرق في الظلام. تلويح برفع دعوى قضائية فعاليات جمعوية بالمنطقة أكدت ل«المساء» أن آلاف الشكايات رفعت إلى عدة مسؤولين للتدخل وحل مشاكل المنطقة، لأن هؤلاء، يقول عبد العاطي بيار «قاموا بنفينا من المجتمع بصفة نهائية بعد أن أخذوا منا أهم ما نملك». وأضاف بيار أن بقاء الأمور على هذا النحو جعل سكان المنطقة يقررون رفع دعوى قضائية ضد الجهات المسؤولة عن مأساتهم. وتابع قائلا: «أنا عمري 30 سنة ولا عمل لي وغير متزوج. أصبحنا نحس بأننا غرباء عن هذه الأرض». وكم يشعر أبناء المنطقة بالغبن عندما ينعتون ب«اللصوص» عندما تختفى بعض الأسلاك الكهربائية في تلك المنطقة. وهو الأمر الذي يرد عليه أحد الشباب بغضب كبير قائلا: «لسنا لصوصا نحن نريد أن نشتغل بعرق جبيننا، لكن لماذا عجزت السلطة عن توفير الشغل لمواطنيها؟» سؤال لم يجد له هذا الشاب جوابا.
أرض «ميتة» نباتات مصفرة يعلوها الغبار، وشجيرات قليلة شبه عارية من الأوراق إلا الباهتة منها التي قاومت طبيعة الظروف المناخية بالمنطقة، أراض «قاحلة» على مد البصر لا زرع فيها سوى الحجر ومسحوق أبيض وآخر أصفر يغطي أراضي «عاقر» لم تعد تلد زرعا ولا شجرا.. وعلى جهة اليمين أدخنة سوداء تغطي سماء المنطقة. ما يثير الانتباه هو عدم وجود حيوانات ترعى على طول الطريق، مثلما يكون عليه الوضع عادة في مناطق قروية أخرى، وهو وضع كان يبدو عاديا في ظل انعدام العشب الذي يمكن أن تقتات عليه هذه الحيوانات. كانت الساعة حوالي ال12 ظهرا، وكانت أزقة الدواوير التي زارتها «المساء» بمنازلها وجدرانها المتآكلة فارغة أيضا، حتى إنك ستشك في أن أسرا تستقر في تلك المنازل التي تبدو كأطلال ليس إلا، لولا أن رتابة وسكون الأجواء سيكسرها صراخ وضحك أطفال بملامحهم الشاحبة وهم قادمون من المدرسة قبل أن يتفرقوا بين الأزقة ليدخل كل واحد منهم منزل أسرته، فيخيم سكون «قاتل» من جديد على هذه الدروب التي بدأ الموت «يتسلل» إليها «تدريجيا» مثلما «ماتت» المئات من الحيوانات التي كانت مصدر عيش هذه الأسر قبل أن تنفق الواحدة تلو الأخرى إلى أن تخلى سكان هذه الدواير التي تتاخم المركب الشريف للفوسفاط وبعض المعامل الأخرى عن عادة تربية المواشي بشكل نهائي.