قام الكتاب الأبيض للتربية والتكوين سنة 2002 بتحديد الكفايات العامة للتكوين وحددها في خمس، وهي: الكفاية التواصلية والكفايات الاستراتيجية والكفايات المنهجية والكفايات الثقافية والكفايات التقنية. بعد سبع سنوات من التدريس والتقويم بمقاربة الكفايات، جاء البرنامج الاستعجالي شهر يوليوز 2008، وبالخصوص المشروع الثامن منه، لتثبيت هذه الكفايات العامة للتكوين المحددة سلفا داخل الكتاب الأبيض، بدون إضافات أو زيادات. ونحن نتفهم هذا بحكم أن هذه الكفايات العامة الأساسية للتكوين هي توافق سياسي والتزام سياسي من طرف الفرقاء السياسيين المتوافقين على اتخاذ هذه القرارات وليست توافقا بين التربويين، لأن السياسيين هم من يقررون في القضايا التربوية مكان التربويين، ومن يشك في هذه الحقيقة ما عليه إلا الاطلاع على التركيبة البشرية للمجلس الأعلى للتعليم ومقارنتها بتركيبة دولة أخرى، مثل مصر أو المملكة العربية السعودية، حتى لا نعطي النموذج بدولة أوربية متقدمة جدا. السياسيون قاموا بتحديد الكفايات العامة للتكوين بدون أن يحددوا المجالات المعرفية العامة للتكوين والتي ستتحقق داخلها الكفايات، وقاموا كذلك بتحديد الكفايات العامة للتكوين بدون تحديد حتى الكفايات الممتدة المرتبطة بالمهارات الذهنية. غياب هذا النوع من التحديد جعل المنهاج الوطني منهاجا قابلا لحشو كل شيء وتقويم كل شيء. كيف يمكن تقويم الكفاية التواصلية، مثلا، بدون تحديد المجال المعرفي العام الذي ستتحقق فيه هذه الكفاية وبدون تحديد الكفايات الممتدة الموظفة داخل هذه الكفاية؟ عملية التحقق من عملية إنجاز الكفايات تتم داخل مجالات محددة وبواسطة أدوات ذهنية ووضعيات محددة كذلك. لنأخذ، على سبيل المثال، دولة كندا، وبالخصوص منطقة الكيبك. هذه المنطقة حددت خمسة مجالات عامة للتكوين وهي: الصحة والكينونة الجيدة، التوجيه والثقافة المقاولاتية، الوسط والاستهلاك، وسائل الاتصال، وفي الأخير: الحياة مع الآخرين والمواطنة. بالإضافة إلى تحديد هذه المجالات العامة الخمسة، قامت كذلك منطقة الكيبك في كندا بتحديد الكفايات الممتدة العابرة للمواد، وحددتها في تسع كفايات منتظمة داخل أربعة مستويات. المستوى الأول يضم أربع كفايات فكرية، وهي: استغلال المعلومات، حل المشكلات، إصدار حكم نقدي، تحقيق الأفكار الشخصية الخلاقة. المستوى الثاني يضم كفايتين لهما طبيعة منهجية وهما: تملك مناهج العمل الفعالة واستغلال تقنيات الإعلام والتواصل. أما المستوى الثالث من تنظيم الكفايات الممتدة فهو ذو بعد شخصي واجتماعي، ويضم كفايتين: الكفاية الأولى متعلقة ببناء الهوية على مستوى التعليم الابتدائي وبتحيين الاحتياط الذاتي على مستوى التعليم الإعدادي، أما الكفاية الثانية لهذا المستوى فتتعلق بالتعاون مع الآخرين وبكيفية اختيار الطرق الملائمة للتواصل معهم. تقويم الكفاية التواصلية المدرجة ككفاية أساسية داخل المنهاج التربوي الوطني المغربي، مثلا، إذا ما افترضنا أن هذه الكفاية الأساسية واردة في المنهاج الكندي في منطقة الكيبك، فتقييمها سيتم داخل مجال الصحة والكينونة أو داخل مجال المقاولات أو داخل الحياة العامة إلى آخر المجالات الخمسة المحددة داخل المنهاج الكندي، في حين أن هذه العملية غير ممكنة وغير واضحة داخل المنهاج التربوي الوطني المغربي. فالكفاية التواصلية سيتم إنجازها داخل أي مجال معرفي؟ وباستثمار أي كفايات ممتدة؟ المحددان الأخيران، أي محدد المجالات العامة ومحدد الكفايات الممتدة، مهمان جدا لأنهما عاملان أساسيان من أجل صلاحية المنهاج وقابليته للإنجاز. أما الاقتصار فقط على كفايات عامة بدون القدرة على تحديد المجالات والمهارات الذهنية المستثمرة، فهذا غير ممكن وغير قابل للتقييم بتاتا. وأهم مبدأ في التقييم هو معرفة ما نريد تقييمه، فإذا كنا نريد تقييم الكفاية التواصلية فمن الواجب علينا تحديد المجال المعرفي الذي ستنجز فيه هذه الكفاية والأدوات الذهنية المستثمرة من أجل تحقيقها، بالإضافة إلى الوضعيات التي سنتفق عليها ضمانا لمبدأ تكافؤ الفرص بين المتمدرسين أثناء فترات التقويم الإشهادي. داخل المنهاج التربوي الكندي، الكفايات الممتدة التسع والكفايات المتعلقة بالمواد هي كفايات مترابطة. الكفايات الممتدة يتم توظيفها في وضعيات التلقين والتكوين. أما المجالات العامة للتكوين فهي مرتبطة بالمواقف والسلوكات المرتقبة لمواجهة الإشكالات الكبرى المعاصرة، في حين تبدو الكفايات الخمس المحددة داخل المنهاج التربوي الوطني المغربي محايثة للمواد المدرسة ومتداخلة معها، مما يحولها إلى سلوك مدرسي محض متجرد من أي وضعية أو إحالة اجتماعية. حتى تقديم المواد المدرسة داخل المنهاج التربوي الوطني المغربي هو تقديم عشوائي، لأنه يتم بدون مراعاة الانسجام الموجود بين هذه المواد المدرسة، في حين هذا التقديم داخل منطقة الكيبك يأخذ بعين الاعتبار هذا الانسجام. وتستدعي عملية إنجاز الكفايات داخل مجال معرفي محدد استخدام المعارف والوضعيات الملقنة داخل المواد المدرسية المنسجمة في ما بينها. منطقة الكيبك بكندا حددت منهاجها بهذه الطريقة، أما دولة فنلندا فقد اتبعت مسلكا آخر، حيث قام المكتب الوطني للتربية الفنلندي National Board of Education بتحديد سبعة مضامين محايثة للمنهاج cross-curricular themes واعتبرها ركائز أساسية للمنهاج التربوي الوطني الفنلندي central emphases. هذه المضامين السبعة هي كالتالي: النمو الشخصي، الهوية الثقافية والمؤسساتية، المهارات المتعلقة بالوسائط وبالتواصل، المواطنة ومجال المقاولات، المسؤولية تجاه المحيط وتجاه الكينونة الإنسانية المستمرة، التحلي بالسلوك الأمني اللازم حيال المحيط وفي الوضعيات المختلفة، علاقة الفرد بالتكنولوجيا. هذه المضامين المحايثة للمواد المدرسة ليست موضوعات خاصة للتدريس بل هي أشبه بالمجالات العامة للكفايات المحددة داخل المنهاج التربوي لمنطقة الكيبك في كندا، وداخلها تتحقق عملية إنجاز الكفايات المحددة. بالنسبة إلى البرنامج الاستعجالي في مشروعه الثامن، حاول تدارك هذا النقص لكنه سقط في خلط فظيع، حيث بدل تحديد المجالات المعرفية للكفايات قام بتحديد خليط من أشياء لا يمكن بتاتا تحقيق الكفاية بواسطتها، وهذا الخليط يرتبط بالغايات التبريرية لتدريس الكفايات ولا يرتبط بتاتا بالمجالات المعرفية للكفايات. هكذا، مثلا، بالنسبة إلى الكفاية التواصلية حدد لها البرنامج الاستعجالي الأشياء التالية: التمكن من اللغات، التمكن من الخطابات، التعرف على المدارس الفكرية الأدبية. هذه الأشياء التي حددها لا علاقة لها بالمجالات المعرفية. الكل يعلم بأنه لكي تتحقق الكفاية التواصلية لا بد لها من أن ترتكز مسبقا على الكفاية اللغوية. وربط الكفاية التواصلية بالكفاية اللغوية هو تحصيل حاصل ونوع من التوتولوجيا. نفس الشيء بالنسبة إلى «التمكن من الخطابات»، فالكل يعلم بأنه لتحقيق عملية تواصل لا بد من بناء خطاب أو تبني خطاب جاهز. هذه الأشياء معروفة ومتجاوزة ولا تطرح أي إشكال للتدريس بالكفايات. أما بشأن علاقة الكفاية التواصلية بالتعرف على المدارس الفكرية الأدبية، فأعتقد أن البرنامج الاستعجالي يسعى إلى تحويل المواطنين التلاميذ إلى شخصيات من «المدارس الفكرية الأدبية»!. لا بد من تحديد المجالات المعرفية التي ستتحقق داخلها الكفايات، أما هاته الأشياء التي حددها البرنامج الاستعجالي لتحقيق الكفاية التواصلية فإنها نوع من الانبهار الفكري بمصطلحات ومفاهيم تعود موضتها إلى ستينيات القرن الماضي. ما حصل ل«الكفاية التواصلية» حصل كذلك ل«الكفاية الثقافية»، حيث حدد البرنامج الاستعجالي، لتحقيق الكفاية الثقافية، الأشياء الهلامية التالية: معرفة الثقافة العامة، القدرة على الترميز. هل الكفاية الثقافية يمكن تحقيقها داخل «معرفة الثقافة العامة» أم داخل مجال «القدرة على الترميز»؟ هذا النوع من الحشو ومن عدم الوضوح المنهاجي في ما يخص عملية التدريس بالكفايات، يمكن اعتباره أحد الأسباب الرئيسية لعدم حصول وضوح معرفي لدى الفاعلين التربويين، وبالتالي حصول قناعة تربوية، لأن القناعة تترتب عن الوضوح في المعرفة أولا.