تجدّد، في الشهور الأخيرة، النقاش حول إصلاح وتعديل قانون الصحافة المغربية بعد تجميده منذ عهد وزير الاتصال السابق نبيل بنعبد الله، وانطلق -بالتزامن مع هذا النقاش- ما أطلق عليه حوار وطني من أجل إصلاح هذا القطاع. إلا أن حادثة اعتقال الصحافي رشيد نيني وحيثياتها أعادت النقاش إلى نقطة الصفر.. على الأقل في الشق المتعلق بإمكانية وجود إرادة حقيقية لإصلاح فعلي يأخذ بعين الاعتبار العديد من المحددات للعمل الصحافي وسلطته. في بدء النقاش، وجب التذكير أن وزارة الاتصال دشّنت، في الآونة الأخيرة، مفاوضات ونقاشات مستفيضة للوصول إلى صيغة توافقية حول النسخة الجديدة لقانون الصحافة، إما لجهة صياغة قانون جديد يتناغم ما يعرفه المغرب ومحيطه الإقليمي من تحولات سياسية وحقوقية لا تستثني، قطعا، الفعل الإعلامي، وإما لجهة تعديل هذا القانون على عِلاته المتعددة، لاسيما ما يرتبط منها بالعقوبات السالبة للحرية. وبناء على هذه المفاوضات، قدّمت كل من النقابة الوطنية للصحافة وفدرالية الناشرين والفيدرالية المغربية للإعلام، التي يعد الصحافي رشيد نيني أحدَ مؤسسيها ومسيِّريها، كما استقبلت الوزارة ملاحظات ومقترحات هيآت ذات الصلة، وبدا الأمر وكأنه بداية لعهد جديد للفاعل الإعلامي مع السلطة التنفيذية (الحكومة). إلا أن ما وقع في ملف الصحافي رشيد نيني طرح العديد من الأسئلة المقلقة، أولها أن اعتقال (وليس متابعة) صحافي بناء على ما كتب في عموده يرجح، بشكل قوي، فرضية عدم استعداد هذه السلطة لفهم واقع جديد تمنح فيه الأحقية والأولوية لحرية التعبير والرأي وفق ضوابط القانون.. وثاني الملاحظات أن هذا الاعتقال إما أنه يؤشر على أن القانون الجديد للصحافة لن يُسقِط العقوبات السالبة للحرية وإما أنه سيُسقطها دون أن يتم التنصيص على عدم متابعة الصحافي وفق القانون الجنائي، أي وفق قانون خارج المؤسسة الإعلامية، وهذا ينفي عنها كل إمكانية للاستقلالية، التي يُصرّ الإعلاميون على التنصيص عليها في الدستور. وبصرف النظر عن هذه النقط الخلافية حول القانون الجديد للصحافة، يجب الإقرار أن أي إصلاح مفترَض يأخذ سنده من الإرادة السياسية. وبوجود أو افتعال حالات تشنج بين الفاعل الإعلامي والفاعل السياسي، لا يمكن إلا أن يفضي الأمر إلى تقوية أجواء مشحونة من الصدام، كما حدث في حالة رشيد نيني. ثم إن اعتقال صحافي بالتزامن مع فتح النقاش الوطني حول الإعلام وقرب الإعلان عن ملامح التعديلات الدستورية، التي يتم الحديث عن إمكانية تضمُّنها استقلالية الإعلام المغربي، يرمز إلى أن هناك من «يتربص» بالإعلام (الصحافة المكتوبة) ويحاول أن يُفوّت على المغاربة الفرصة التاريخية في أن يحظوا بإعلام حر ومستقل يمنح كل الضمانات الدستورية والقانونية ليكون ذا مصداقية ويعيش جنبا إلى جنب رفقة السلطات «الكلاسيكية».. ويتم القطع فيه مع سياسة إعلام «الأمس»، الذي أكدت دراسة أنجزتها شركة فرنسية (kpmg) أنه يعرف تراجعا في حرية التعبير. وتحصيل ذلك أن القدرة على إقناع الإعلاميين بدخول الإعلام المغربي منعطفا حقيقيا يتأتى، بالضرورة، بخلق أجواء هادئة ومنح مؤشرات ثقة بين الدولة والصحافة وليس العكس (اعتقال الصحفي رشيد نيني) وإلغاء العقوبات الحبسية (السالبة للحرية) في حق الصحافي وخلق ضمانات لعدم تكييف العمل الصحافي مع قضايا جنائية، على اعتبار أن التكييف يُلغي أي قيمة لقانون الصحافة ويخلق ازدواجية في التعاطي مع الصحافي. كما أنه ينفي عن الصحافي صفة التميُّز ويسلبه سلطته المفترَضة، فضلا على أن أي إصلاح للصحافة لن يتم إلا عبر دسترة استقلاليتها وتشكيل مجلس أعلى للصحافة يقطع مع أي «وصاية» للحكومة (السلطة التنفيذية) عليه في انتظار أن يُعلَن عن خوض غمار تجربة «العهد الجديد للإعلام»، الذي تغيب فيه وزارة الإعلام والتواصل، سيرا على خطى النماذج الأوربية وتمنح السلطة الفعلية للسلطة الإعلامية في ذاتها.