«يؤسفني أن أحيطكم علما بقرار استقالتي من مهام رئاسة لجنة المتابعة، تأسيسا على ما استخلصته من خلال متابعتي لما يجري داخل المكتب الوطني، من صراعات جانبية، وانقسامات غير مبررة»، بهذه العبارات، التي تضمنتها رسالة الإعفاء من رئاسة لجنتي المتابعة واللجنة الوطنية للانتخابات الموجهة في ال 14 ماي الجاري إلى محمد الشيخ بيد الله، الأمين العام لحزب الأصالة والمعاصرة، يكشف فؤاد عالي الهمة، مؤسس الحزب وعرابه عن الجزء الظاهر من أزمة / مأزق، الذي يعيشه «الوافد الجديد». ولم يحل حرص المكتب الوطني الشديد على «التكتم» على ما طفا على السطح من صراعات، باتت تهدد مستقبل حزب أثار الكثير من الجدل وظل يصنع الحدث منذ ظهوره على المشهد السياسي ذات 7 غشت 2008، دون أن يخرج إلى العلن الصراع داخل «البام» بين «أهل الميمنة وأهل الميسرة»، على حد تعبير طاهر شاكر، عضو المكتب الوطني. وبالرغم من أن معالم الصراع بين تيارين داخل المكتب الوطني ل«البام»، التيار الذي يقوده الأمين العام للحزب، محمد الشيخ بيد الله، رفقة مجموعة من القياديين القادمين من أحزاب يمينية، وتيار «اليسار» الملتحقين بالحزب، كانت واضحة خلال عمر الحزب القصير، وانعكست في الكثير من المحطات على مواقف الحزب وتوجهاته، إلا أن تحديد تاريخ انعقاد المؤتمر الوطني للحزب كانت «القشة» التي قصمت ظهر حزب الهمة، وأظهرت بشكل جلي درجة ما بلغه صراع الأجنحة داخل الحزب، بعد أن لم تنفع الاجتماعات والنقاشات التي عرفها المكتب الوطني، في إقناع تيار «اليساريين» بالعدول عن مطلبهم باستعجال عقد المؤتمر في يوليوز المقبل، ولا التيار المكون من البرلمانيين وقياديين في الأحزاب المندمجة، الرافضين لذلك، والداعين بالمقابل إلى تصحيح الوضعية التنظيمية، وإصلاح جميع الأعطاب، قبل المرور إلى محطة المؤتمر. الصراع بين التيارين سيأخذ منحى آخر بعد أن دعا 10 أعضاء من المكتب الوطني للحزب، ممن يحسبون على يساريي «البام»، إلى انعقاد المجلس الوطني عاجلا، وذلك من أجل البت في قرار عقد مؤتمر استثنائي في أقرب أجل، يتولى قراءة وتقييم التجربة السياسية للحزب وتطوير أطروحاته الفكرية والتنظيمية والسياسية، ومعالجة أعطاب الأداء وبلورة الأجوبة بشأن الأسئلة الكبرى التي يطرحها الحراك السياسي والمجتمعي الجاري ببلادنا والاستحقاقات المؤسسة التي تقدم عليها بلادنا، بما يجعل الحزب في جاهزية تامة لمواجهة التحديات الكبرى في الشهور المقبلة. وفي خضم الصراع بين التيارين كان لافتا توجه التيار المشكل أساسا من قياديي الأحزاب المندمجة والبرلمانيين، نحو فتح النار على خصومهم وإلصاق تهمة التآمر بهم في خطوة تعكس درجة الصراع بينهما: «ما تضمنه بيان العشرة هو مؤامرة على الحزب، وصادر عن أناس أتوا إلى الحزب من مدرسة المؤامرة، ولم يعتادوا ثقافة الديمقراطية والتدبير الديمقراطي كثقافة وسلوك وممارسة لأنهم أتوا من مشارب غير ديمقراطية»، يقول طاهر شاكر، عضو المكتب الوطني قبل أن يتابع في تصريحات ل«المساء»: «هؤلاء بتصرفهم هذا يعبرون بشكل جلي عن أنهم غير ديمقراطيين، ويبغون الضغط على الحزب وفرض موقف الأقلية على الأغلبية التي ارتأت أن الظرفية غير مناسبة لعقد المؤتمر الوطني.. لو كان المؤتمر الأول ديمقراطيا لما بلغ مثل هؤلاء ما بلغوه في هياكل الحزب». من جهته، يرى سامر أبو القاسم، عضو المكتب الوطني، أن التجربة السياسية والتنظيمية للحزب والمداولات داخل المكتب الوطني خلال اجتماعاته أظهرت بروز عناصر اختلاف سياسي جوهري على مستوى الرؤية الناظمة للأداء السياسي والتنظيمي للحزب، والارتباط بمنطلقات ومرجعيات التأسيس، واستيعاب طرق وآليات أجرأة المشروع السياسي للحزب، وهو ما ظهر بشكل قوي على مستوى استشراف العمل في ظل نتائج الإصلاحات السياسية والدستورية الجارية اليوم، كما ظهر على مستوى توقع النتائج المنتظرة للأداء الحزبي في ما يمكن أن نستقبله من استحقاقات وطنية. وحسب أبي القاسم ، فإن هذا الاختلاف الجوهري انعكس بشكل كبير على قراءة كل عضو لوضع الحزب في ظل التحولات السياسية والاجتماعية، ومن هنا كان الاختلاف حول توفر شروط عقد المؤتمر، وسيتضح بالملموس أن هناك من يحول دون عقده بدعوى الإقدام على استحقاقات وفق أجندة سياسية متسارعة لا تسمح بذلك»، مضيفا في تصريحات للجريدة: «حينما نقترح عقد مؤتمر استثنائي وبشكل مستعجل فإننا نعتبر ذلك يدخل في قلب عملية تتويج المسار والتراكمات السياسية للحزب، وليس محاباة للذات أو نفخا فيها، بقدر ما يتطلب الأمر إرادة زائدة لممارسة النقد الذاتي اللازم فيما يخص الاختلالات أو النواقص أو الأخطاء». وفيما يصف أبو القاسم طلب الهمة الإعفاء من مهامه الحزبية بأنه «تفاعل مع ما يقع داخل الحزب في الوقت الراهن، حيث برز أن هناك رأيين وأن الأمر لا يقتصر على من هو مع عقد المؤتمر الوطني أو ضده وإنما ظهر جليا أن هناك عناصر اختلاف أساسية في جوهر المشروع»، يؤكد عضو المكتب الوطني المحسوب على تيار اليساريين، أن مشروع الأصالة والمعاصرة انحرف عن منطلقات تأسيسه، وأن الجدل الدائر داخله بين دعاة عقد المؤتمر ومناهضيه تجاوز المكتب الوطني بعد أن استنفدت كل الخطوات. وبرأي المتحدث ذاته، فإنه: «بعد مداولات واجتماعات ماراطونية، وحملة ترافع قوية بشأن الطرحين، والاستماع إلى بعضنا بما فيه الكفاية، آن الأوان للانفتاح على أطر الحزب الجهوية والمحلية وإشراكهم في النقاش الدائر على اعتبار أن الشأن الحزبي هو شأن عام، وهو أمر لا يدركه البعض الذين يريدون العمل بمنطق الكواليس والتحكم». وفي الوقت الذي توقع فيه قيادي في «البام» من المحسوبين على جناح البرلمانيين ومؤيديهم، أن ترتفع حرارة الصراع بين جناح اليساريين وجناح البرلمانيين في الأيام القادمة، بسبب محاولة كل طرف إنهاء الصراع لصالحه، اعتبر عبد الرحيم منار السليمي، أستاذ العلوم السياسية بجامعة محمد الخامس بالرباط، أن انفجار التناقضات داخل «البام» كان متوقعا ولكن ليس بالأمر الذي حدث حاليا حيث كان هذا الانفجار مناسبة للكشف عن مجموعة من الحقائق بخصوص الحزب. وحسب أستاذ العلوم السياسية، فإن الصراع بين رفاق الهمة كان منتظرا بالنظر إلى أن «البام» هو من المؤسسات «الرخوة» التي تتسم بعدم قيامها على توافقات إيديولوجية وإنما على وجود شخص يخفي التناقضات الداخلية، معتبرا في تصريحات ل«المساء» الأصالة والمعاصرة « حزب توافق إكراهي أفقي رخو لم يمتد إلى القواعد إلى درجة أن منتمين إليه انسحبوا منه دون أن يتملكوا فكرة «البام»». ووفقا للسليمي، فإن هناك نوعا من الاحتجاج الصامت ساد في الفترة الماضية داخل الحزب بين اليساريين ومن أسماهم أعوان الانتخابات، وهو ما لم يعد ممكنا في الوقت الراهن، لافتا إلى أن حضور فؤاد عالي الهمة، مؤسس الحزب، كان عاملا يساعد على إخفاء التناقضات بين التيارين ويدعم التوافق بينهما. وفي انتظار أن ينقشع غبار «المعركة» بين تيار اليساريين وتيار الأحزاب المندمجة والبرلمانيين، يتوقع أستاذ العلوم السياسية أن يتحول «البام»، الذي جاء حسب الواقفين وراءه لممارسة السياسة بشكل آخر، إلى ظاهرة عادية وأن يصبح مصنفا في خانة الأحزاب «ما بين المتوسطة والضعيفة»، نتيجة الصراع الدائر بين أجنحة الحزب، مشيرا إلى أنه لا يمكن للحزب الاستمرار إلا بجناح واحد، وأنه في حال ما كانت الغلبة لجناح اليساريين، فإن ذلك سيؤثر سلبا على حظوظ الحزب في الانتخابات، فيما يتوقع في حال غلبة جناح «أعوان الانتخابات» أن يبقى الحزب مشكلا لقوة انتخابية لكن دون توفر ضمانات لاكتساح صناديق الاقتراع.