باعتبارك باحثا في علوم الموسيقى، كيف ترى فن الراب عموما، وفي المغرب على وجه الخصوص؟ - لقد سلك «الراب» مسارا شبيها بالجاز في العقد الثاني من القرن العشرين، وكلاهما انتقل من الولاياتالمتحدة إلى أوربا وبعدها إلى باقي المعمور. ويمتلك الراب خصائص أسلوبية تتمركز على المضمون الشعري الذي ينقل جوانب من الواقع الحضري، مستعملا في بعض الأحيان نوعا من الخطاب الصادم في مواجهة النصوص المهذبة التي اشتهرت بها أغاني المنوعات. لكن الراب كأسلوب يتطلب كذلك مهارات صوتية وإيقاعية وقدرة على السرد السريع وحرية في صياغة النص الشعري، مما يجعله أقرب إلى معالجة المواضيع الحياتية دون تكلف أو تصنع. كيف انتشر فن الراب في المغرب بالمقارنة مع باقي الدول العربية هل ذلك راجع إلى عدم تشدد الرقابة مثلما يحدث في هذه الدول؟ - ظهر الراب في المغرب في نهاية القرن الماضي كتعبير شبابي ينتمي للثقافة الحضرية أو شبه الحضرية (الأحياء الهامشية)، متزامنا مع شيوع تقنيات التسجيل الذاتي والإعلاميات، ومع الانفتاح على نتاج العولمة بصفة عامة. وقد ساعد جو الحرية الذي يميز النظام السياسي والاجتماعي المغربي مقارنة مع باقي الدول العربية، في تنامي الظاهرة، خصوصا بعد ماي 2003 حينما ترسخ الاقتناع بأن حرية التعبير الفني هي أحسن وقاية من التطرف. هل يقوم فن الراب بدور ما من خلال طرحه للقضايا السياسية؟ - إذا كانت السياسة هي مجمل ما يهم الحياة داخل المجتمع، ففن الراب في قلب القضية السياسية مصداقا للمقولة المشهورة «السياسة هي شؤون الناس، وشؤون الناس هي السياسة»، لكن الراب لا ينسجم كثيرا مع القضايا السياسية في مفهومها الانتخابي أو الدعائي. هل يساهم بطريقة أو بأخرى في تحميس الشباب وربما قيام ثورات؟ - غالبية الشباب المغربي تتعاطف مع ظاهرة «الراب»، وتتجاوب مع رسائله بسهولة، أما قيام الثورات فيخضع لعوامل أخرى لها علاقة بمعطيات موضوعية كتنامي الفوارق الاقتصادية والاجتماعية وانحباس أفق التعبير لدى فئات الشعب. وبما أن الراب في موطنه قد التحق بالمجال التجاري وأصبح فنانوه من أثرياء صناعة الموسيقى، فقد فقد تدريجيا قدرته على الاحتجاج والرفض ليصبح أسلوبا نمطيا كباقي الفنون التي سبقته. هل ترى أن هناك نضج في تناول فناني الراب للمشاكل الاجتماعية والسياسية والقضايا الوطنية؟ - لا أريد أن أعطي أمثلة، لكن القاعدة هي أن أغلب ما استمعت إليه (و لا أدعي أنني استمعت إلى كل شيء) يتسم بالسذاجة أو بالخطاب المباشر الذي يفتقد لكل تناول فني. وأعترف أن تكويني الخاص وانتمائي لجيل السبعينات يمكن أن يؤثر في رأيي المتسم بشيء من الذاتية. هل يمكن استخدام هذا الفن في الدعايات السياسية؟ - أظن أن الفن يجب أن يسبق السياسة وأن يلهمها وليس العكس، فالفنان الحقيقي هو الذي يدرك ما لا يدركه السياسي. لذلك فإن الاستعمال الفج للفن في الدعاية السياسية هو انتقاص من قيمة الفن وإقرار بتبعيته للغة العادية التي هي في متناول الإنسان العادي. هل يمكن اعتبار فن الراب «الثوري» امتدادا لمجموعات غنائية مغربية ثورية أمثال ناس الغيوان وجيل جيلالة؟ - يمكن اعتماد هذه المقاربة، مع وجود الفارق بين «ثورية» الحركة الغيوانية و«ثورية» الراب. فالأولى تناولت مواضيع إنسانية تتجاوز المجال الضيق وشؤون الحارة، والثانية مزجت بين واقع المدينة، وهواجس ذاتية لشباب اليوم. كما أن الحركة الغيوانية انطلقت من تراث المغرب، نصوصا وأنغاما وإيقاعات، بينما في الراب، كاد التعامل مع مقومات الثقافة التقليدية أن ينحصر في استعمال الدارجة فقط.