بقامته التي تجاوزت المترين و18 سنتمترا، تبدو تفاصيل الحياة اليومية مختلفة بالنسبة إلى العملاق كما يحلو للبعض أن ينادونه. اختار الصديق بقشيش الاندماج مع الأطفال داخل المخيمات الصيفية محاولا نسيان المعاناة التي يعيشها.. لم يكن المراهق الصديق يتخيل أنه، بمجرد بلوغه سن السادسة عشرة من عمره، ستتغير حياته إلى الأبد بعد أن بدأت قامته تطول ليتجاوز أقرانه في الحي. «لم أتوقف عن النمو حتى بلغت من العمر 25 سنة، لم أكترث في البداية للأمر واعتبرته طبيعيا» يردد الصديق الذي نشأ بدرب وداد بالحي الحسني في البيضاء. بدأت المشاكل عندما أصبح غير قادر على الانحناء والتحرك بشكل طبيعي مما اضطره إلى مغادرة مقاعد الدراسة مبكرا لمساعدة إخوته في مصاريف العيش. غياب والديه في وقت مبكر من حياته جعله يواجه وضعه الصحي وحيدا: «توفيت والدتي سنة 1975 ليلحق بها والدي بعد سبع سنوات وافتقدت حينها السند المعنوي، لأقرر السفر لأول مرة في حياتي إلى الرباط لإجراء الفحوصات الطبية لكي أكتشف طبيعة مرضي». بمستشفى السويسي بالعاصمة، أجرى الصديق مجموعة من التحاليل وكشوف الأشعة، قبل أن يقرر الطبيب أن يجري له عملية جراحية في الرأس بعد أن اكتشف أن لديه إفرازات مفرطة في الغدة الدرقية. دامت العملية ثلاث ساعات، واستيقظ بقشيش تحت تأثير التخدير بأحاسيس متناقضة: «تخيلت نفسي أنني بمجرد ما أستيقظ سأجد طولي قد تقلص لأصبح مثل الآخرين، لكنني سرعان ما أحسست بخيبة الأمل بعد أن فتحت عيني وأنا أرى نفسي مقيدا وقدمي تتدليان على الطرف الآخر من السرير الذي يبلغ طوله مترين»، يتوقف لحظة ثم يتابع: «غادرت المستشفى بعد فترة النقاهة، وأحسست بالألم من النظرات المستهزئة والمستغربة للناس وأنا في القطار المتجه إلى الدارالبيضاء، لم أستطع الجلوس وبقيت محتجزا داخل الممر الضيق للمقطورة». أوصى الطبيب المعالج الصديق باستخدام عكاكيز خاصة أثناء السير، ولم يتقيد بالأمر لأنه لا يستطيع الاعتماد على نفسه في حياته اليومية: «أخي هو من يقوم بإلباسي السروال والحذاء والجوارب لأنني لا أستطيع الانحناء ومصاب بإعاقة في قدمي بسبب وزني الذي ضغط على منطقة الحوض» يقول الصديق الذي تبلغ قامته مترين و18 سنتمترا وهو ثاني أطول رجل في المغرب إلى جانب شاب آخر ينحدر من مدينة كولميم. رغم حلمه بأن يصبح ممثلا، لم ينجح الصديق في إيجاد فرصة عمل مستقرة، رغم انتقاله بين العديد من المهن، وبعد أن ظل يعمل لمدة أسبوع في فرن الحي، قرر مالكه ذات صباح الاستغناء عن مستخدمه العملاق. «لقد أخبرني بأنني بطيء في العمل، كما أنه لا يريد أن يكون فرنه أضحوكة للزبناء وهم يشاهدونني بطولي الفارع أتسلم «الوصلات» كل صباح» يردد الصديق بنبرة يائسة، ويستمر في حديثه متسائلا: «زاولت عشرات المهن ولم أنجح في الاستمرار فيها. إنني أفتقد والدي بشدة. لماذا لا يقبل بي الآخرون بهذا الحال؟». اصطدم برفض الآخر عندما بدأ يبحث عن حذاء يناسب طول قدمه، وقابله التجار بسخرية وهم يحولون نظرهم إليه من الأعلى إلى الأسفل متهامسين في ما بينهم. يتذكر بقشيش تلك التجربة قائلا: «انتهت المعاناة بمجرد أن بادر أحد المحسنين إلى اقتناء حذاء خاص لي من الخارج أحوله إلى بلغة في البيت، وهو يحرص دائما على شراء ملابس لي كلما احتجت إليها، لا أعرف كيف سيكون حالي دون هذه المساعدة الإنسانية». لم يتعود الصديق في البداية على سماع كلمات «الطويل» و»العملاق» و»الجمل» في الحي وسط أطفال الجيران، لكنه استطاع تقبل الأمر بالتدريج بعد أن تجاوز الحاجز النفسي الذي سببه له طوله ونسج علاقات صداقة مع الآخرين، حيث يفضل عالم الأطفال الذين يلتقيهم في المخيمات الصيفية ودور الشباب التي يعمل بها بشكل تطوعي. عن ارتباطه ونظرته للمستقبل يصمت الصديق للحظة قبل أن يجيب بثقة: «أحلم مثل غيري بالاستقرار، علي أن أجد العمل أولا وبعدها أبحث عن الإنسانة التي ستتقبل وضعي».