سيتم حجب هذه الصورة تلقائيا عندما يتم الإبلاغ عنها من طرف عدة أشخاص.
الثورات العربية .. «تسونامي» سياسي يعصف بالأنظمة المستبدة بالمنطقة كتاب «صدمة الثورات العربية» يسلط الضوء على حركات سياسية بدون قيادات ولا إيديولوجية لكن تملؤها إرادة التحرر
لعب عامل المفاجأة على إصدار الكتب في موضوع الثورات العربية، حيثياتها، مسلسلاتها، منشطيها ونتائجها. فباستثناء بعض الخواطر السريعة والتحقيقات ذات الطابع الصحافي السريع، التي طرحها بعض المتتبعين للشأن العربي، انتظر الباحثون أن ينقشع الدخان للقيام بجرد دقيق وتقديم تحليلات جدية في الموضوع. ومن بين عشرات الكتب، التي ظهرت مؤخرا عن ثورة الياسمين وثورة النيل، يتوفر البحث الذي أنجزه ماتيوه غيدير في عنوان «صدمة الثورات العربية»، الصادر عن منشورات أوترومان، على مقومات الجدية والرصانة العلمية. ماتيوه غيدير بروفسور بجامعة تولوز، وأستاذ كرسي علوم الإسلام والفكر العربي، عمل بجامعة جنيف، ثم أستاذا بالمدرسة العسكرية لسان سير، وأصدر ما يقرب من عشرين كتابا عن الحركات الإسلامية، وخاصة عن منظمة القاعدة. إلى وقت قريب ساد الاعتقاد بأن المجتمعات العربية محكوم عليها بالاستبداد والسكون إلى أبد الآبدين، لكن هذه القناعة ما لبثت أن انشرخت من الداخل لتفضي إلى انهيار تدريجي للصرح الصلب لنظام الاستبداد والقبضة من حديد. لذا يبقى عامل المفاجأة أحد العناصر المميزة للثورة العربية. في تونس، كان لانتحار محمد البوعزيزي فعل الشرارة، التي فضحت بمزيد من القوة نظاما قائما على المحسوبية، الرشوة، القمع المنهجي، الحيف الاجتماعي وإهانة كرامة المواطنين. وهي خاصيات مشتركة في كل البلاد العربية. بعد تونس، شمل الانهيار مصر، وهو اليوم يهدد أكثر من بلد عربي، لا يزال يتشبث حكامه، وبحد الرصاص، بالسلطة مثلما يحدث الآن في سوريا واليمن... لعب عامل المفاجأة كذلك على إصدارات الكتب في موضوع الثورات العربية، حيثياتها، مسلسلاتها، منشطيها ونتائجها. فباستثناء بعض الخواطر السريعة والتحقيقات ذات الطابع الصحافي السريع، التي طرحها بعض المتتبعين للشأن العربي، انتظر الباحثون أن ينقشع الدخان للقيام بجرد دقيق وتقديم تحليلات جدية في الموضوع. ومن بين عشرات الكتب، التي ظهرت مؤخرا عن ثورة الياسمين وثورة النيل، يتوفر البحث الذي أنجزه ماتيوه غيدير في عنوان «صدمة الثورات العربية»، الصادر عن منشورات أوترومان، على مقومات الجدية والرصانة العلمية. ماتيوه غيدير بروفسور بجامعة تولوز، وأستاذ كرسي علوم الإسلام والفكر العربي، عمل بجامعة جنيف، ثم أستاذا بالمدرسة العسكرية لسان سير، وأصدر ما يقرب من عشرين كتابا عن الحركات الإسلامية، وخاصة عن منظمة القاعدة.
2011 سنة الثورات العربية يشير الباحث إلى أنه في التاريخ الحديث، ستبقى سنة 2011 سنة الثورات العربية. لكنها ستبقى أيضا سنة المساءلة لحركة التاريخ. نعي جيدا بأننا نعيش لحظات تاريخية استثنائية، غير أنه تنتابنا مشاعر متناقضة تشوش على تصورنا للحظة الراهنة ولآفاق المستقبل. بكلمة، نجدنا اليوم تحت وقع صدمة الثورات العربية. صدمة الثورات العربية هي أولا صدمة صور، صدمة خطابات، صدمة تصورات، لكنها بالكاد ليست «صدمة للحضارات»، كما حاول البعض تمرير ذلك من خلال استدعائهم واستنادهم إلى حجج واهية. مثل بقية شعوب العالم، تطمح الشعوب العربية إلى الحرية، إلى الكرامة، كما ترغب قبل كل شيء أن تحترم حقوقها الأساسية. لا ترغب هذه الشعوب في مجابهة مع الغرب، بل إن سعيها الرئيسي هو التحرر من الديكتاتورية، فهي تتقاسم مع مجموع البشرية الرغبة في الحرية والرخاء. لكن ثمة «صداما مبطنا» تأتى عن الثورات العربية. ما مصدره؟ يكفي الاستماع إلى ردود الأفعال العفوية أو الاطلاع على التعاليق لأخذ فكرة وافية عن هذا التصور: هو أنه بعد حماسة اللحظة الثورية، تثير هذه الأحداث تخوفا عميقا، وبدرجات متفاوتة، لدى الغربيين بصفة عامة ولدى الأوروبيين بشكل خاص. لأسباب تاريخية، ثقافية ولأسباب الهجرة، فإن هذا التخوف هو على درجة كبيرة من الاستفحال في فرنسا، وإن لم تتم معالجته بشكل استعجالي سيكون تربة خصبة لنماء الفكر الإسلاموفوبي والمعادي للأجانب. تأتت الصدمة خصوصا من سرعة وفجائية هذه الأحداث، التي اعتبرها الكل استثنائية. عند هذا المنعطف من عام 2011، لم يترقب أحد وقوعها. إذ سافر المسؤولون السياسيون لقضاء أعياد نهاية السنة دون أن يفكروا لحظة واحدة بأن تسونامي الثورة سيغمر، بل سيعصف بالضفة الجنوبية للمتوسط، وبأن الوضع لن يبقى كما كان عليه من قبل، وبأن الثورات هي قيد دفن التاريخ القديم لهذه البلدان. بعد المفاجأة التي أحدثتها هذه الثورات، اكتشف العالم مناظر مروعة ومشاهد العنف في قلب الشوارع، الذي كانت من ورائه ميليشيات مسخرة لصالح الأنظمة. أشاعت هذه المليشيات الرعب في المدن، ثم تمت معاينة، على المباشر، لقطات من فرار الطاغية بنعلي ولقطات عن ثروته، ثم شاهدنا طوابير المهاجرين، الذين قصدوا أوروبا بحثا عن فرص العمل، وإرجاعهم على أعقابهم من طرف حكومات أوروبية متحرشة. وقد أظهرت هذه التصرفات، يشير ماتيوه غيدير، الطابع العفوي والارتجالي لسياسة الهجرة على المستوى الأوروبي، والتي تلخصها كلمة «طرد». كانت ليبيا، يتابع الباحث، البرهان الساطع على ضعف الأوروبيين. فجأة، اكتشفت أوروبا ديكتاتورا يسير البلد منذ أزيد من أربعين، ديكتاتورا استغرب لرغبة مواطنيه في التغيير، حاكما وصف مواطنيه ب«الجرذان»، قبل تهديدهم على المباشر بالإبادة!. وجد الأوروبيون إذن أنفسهم عاجزين أمام هذا التحول الجذري الرائع. لا زال العهد القديم قائما لكن السلطة لم تكن بيد الشباب ولم ينجحوا في التمكن منها على خلفية هذه الثورات. طردوا الطغاة، كانوا وراء سقوط وزراء، وتغيير حكومات، ضحوا بأنفسهم من أجل الحرية والكرامة، لكنهم لم يغيروا المجتمع ولا العقليات. صرخوا، تظاهروا، لكنهم لم يغيروا النظام بشكل راديكالي، فالبنيات القديمة لا تزال قائمة، وأيضا المتنفذون. لا يزال الجيش يحكم البلد. لا زالت العشيرة ملجأ ولا زالت القيم القبلية على نفوذها القديم والكلاسيكي. كما غابت الثورة الثقافية. لذا يقول ماتيوه غيدير يجب أن لا نستسلم للتحليلات البسيطة بإحداث إسقاطات مراحل ومسارات تاريخ فرنسا أو أوروبا على البلدان العربية. ما بعد الوثبة الثورية، وهي وثبة إنسانية، ما وراء مطامح الحرية، يجب علينا أن لا نخلط هذه الانتفاضات مع الثورات التي هزت أوروبا خلال القرنين الأخيرين. ذلك أننا شاهدنا العديد من المقاربات مع ربيع الشعوب لعام 1848، مع ثورة الشباب لسنة 1968، أو مع انهيار جدار برلين عام 1989 والثورات التي نتجت عن ذلك. لكن هذه المقاربات تعكس عدم فهم الغربيين لظاهرة الطفرة العربية. هذه المقارنة تترجم حالة صدمة الغرب، خوفه من المجهول والرغبة في التعلق أو التشبث بما هو معروف وبأجندة له بها ألفة. الغرب بحاجة إلى أن يجد نفسه في الآخرين. وهذا الإسقاط غالبا ما يقوم على تصور مغلوط. ثورة 2.0 والقبيلة الاحتمالية خلال هذه الطفرة الثورية، تم التشديد على الدور الرئيسي الذي لعبته الإنترنت والشبكات الاجتماعية في تسيير وتوجيه هذه الانتفاضة إلى درجة إطلاق تسمية ثورة تونس ومصر ب»ثورة 2.0 « للتأكيد على الدور الرئيسي، الذي لعبته الشبكات الاجتماعية مثل فايسبوك، تويتر، يوتوب، في تعبئة الجماهير. الملاحظ أن شبكات الاتصال هذه تتوفر على مستعملين وأعضاء يفوقون عدديا مستخدميها في البلدان الغربية. السبب في ذلك هو أن استعمالات التكنولوجيا في البلدان العربية تخضع لاعتبارات إثنية وقبلية. ذلك أن المجموعات الاحتمالية ما هي إلا مرآة للواقع الاجتماعي، وهو واقع قبلي في أساسه. معنى ذلك أن الشخص، الذي يفتح حسابا على ال»فايسبوك» لا يقوم بذلك للعثور على أصدقاء، إذ أصدقاؤه كثيرون، بل لإعادة ابتكار مجموعته الواقعية في العالم الاحتمالي. لفهم هذه الظاهرة، يجب القيام بسوسيولوجية عربية للاستعمالات التكنولوجية، تسمح بتحليل وتفكيك الدينامية الداخلية لهذه القبلية الاحتمالية. في غالبيتهم، يتعلق الأمر بمستعملين يقظين ومناضلين متمكنين من تكنولوجيات الإعلاميات. ذلك أن حجب الهوية، والدعوة إلى التحريض تتطلب حدا أدنى من المعرفة التقنية وبعض الكفاءات في المجال المعلوماتي. لقد لعب هؤلاء «المحرضون الإعلاميون» دورا هاما في تعبئة الشعب وتوجيه الانتفاضات، بتسريب صور المظاهرات وابتكار الشعارات. لكن تجب الإشارة إلى أن الأنظمة العربية رافقت الثورة التكنولوجية بوضعها أجهزة دقيقة للمراقبة بحجة محاربة الإرهاب. وقد ساعدها الغرب في هذه المهمة التكنولوجية، عبر مؤسسات متخصصة في التجسس على خطوط الهاتف والتبادل الالكتروني. لكن الحكومات العربية لم تنجح في التحكم بالكامل في مراقبة مستعملي الإنترنت. في مصر، نجد أن الإخوان المسلمين والمتعاطفين معهم كانوا من رواد مستعملي الإنترنت لأغراض تحريضية، وخاصة النساء اللائي بقين في الخلف ولم يخرجن بكثافة إلى الشارع للتظاهر. وفي الوقت الذي كان الرجال يتظاهرون في الشوارع، بقيت النساء وراء الكمبيوتر لتمرير المعلومة والخبر والدعوة إلى الانتفاضة ضد النظام. من جهة أخرى، اعتبر الإخوان المسلمون أن ال»فايسبوك» غير مضمون الاستعمال، مما دفع بخبرائهم إلى ابتكار شبكة خاصة بهم. هذه الشبكة مخصصة للأعضاء والمتعاطفين من الإخوان، الذين يبلغ عددهم20 بالمائة من مجموع السكان. الواضح أن ال«فايسبوك» وال«تويتر»، اللذين يشكلان اليوم أداة للعمل السياسي ليسا غريبين عن الممارسة «النضالية»، التي تقوم بها الحركات الإسلامية، والتي تتقدم بمسافات عن بقية الأحزاب أو المنظمات الأخرى، وستكون الانتخابات القادمة، التي تخوضها مصر، محكا لمعرفة درجات هذا التأثير. ويفسر ماتيوه غيدير غياب الإسلاميين، وخاصة منهم النساء، عن مشاهد المظاهرات بكونهم كانوا على جبهة الإنترنت. هذا لا يعني بأن الإسلاميين كانوا وراء المظاهرات، بل يدخل نشاطهم في إطار تقسيم العمل على أرضية الميدان حتى لا يتكئ النظام على ذريعة أن «الإرهابيين الإسلاميين هم من يقود المظاهرات». مكنهم «الجهاد الالكتروني» من الحفاظ على جلدهم والمساهمة في التظاهر. ويبقى السؤال هو: «هل الأبطال الاحتماليون الذين ينشطون في الخفاء اليوم هم الأبطال الحقيقيون غدا؟». يجب البحث في الهوية والغائية السياسية لهؤلاء المستثمرين في النشاط الاحتمالي. كما يجب النظر في دور واستعمالات التكنولوجيا والإنترنت أيام السلم وفي استعمالاتها أيام الحرب. وسنجد بالكاد اختلافا في كيفيات وإستراتيجيات الاستعمال.
حركات من دون أيديولوجية اكتشف العالم مندهشا حركة بلا زعيم. ما بين ضفتي المتوسط، عمت البلبلة، تغيرت الأسماء والحكومات في لمح البصر. كما عشنا تعاقب وتسلسل الأحداث دقيقة بعد دقيقة. تحولنا إلى متفرجين بلا حول ولا قوة. اكتشفت أوروبا حركة من دون أيديولوجية، بشعارات «ديكاج»، التي رفعها التونسيون بشكل صاخب في شهر يناير، قبل أن يرددها المتظاهرون في ساحة التحرير. حركات بلا أيديولوجية. رغبات للتعبير عن الحنق والسخط. لا توجد وراء هذه الحركات أفكار مسبقة ولا حسابات سياسية، بل صرخة تحرير فقط. صرخة تطالب برحيل الديكتاتوريين وبقاء الشعب. اكتشفنا أيضا حركة من دون برنامج سياسي، من دون معارضة. رفعت بالكاد بضعة شعارات وجيهة، لكن الحكم لا يمارس بواسطة الشعارات. خلفت كل هذه الأجواء انطباعا بالحيرة والخوف. في أكثر من بلد، اكتشفنا ثورات مجهولة الهوية، لا سياسية، فوضوية أحيانا. في خضم هذا الغموض، عمل المؤرخون على استجلاء بعض المسارات باستدعائهم الماضي وطرحهم أسئلة من قبيل: أين هم الوطنيون العرب؟ أين هم دعاة الاشتراكية؟ أين هم الاشتراكيون والشيوعيون؟. هل جرفهم التاريخ جملة وتفصيلا؟ كما تساءل الصحافيون: أين هم الإسلاميون و«ملتحو حركات التطرف؟». لماذا لم يخرجوا على رأس المظاهرات؟ هل نحن على أعتاب ثورة إسلامية جديدة؟ كما فوجئ المراقبون بعدم رفع المتظاهرين شعارات أو يافطات تندد بإسرائيل. أما أسامة بن لادن فلم يعبر عن مواقفه تجاه الانتفاضة العربية. وعلى الرغم من جميع التفسيرات والتأويلات يبقى الحدث مستعصيا عن الفهم. يكتشف الجميع مدى وحجم التمويه والتلاعب الذي سخرته أنظمة الاستبداد برفعها مثلا شبح القاعدة، كما فعل القذافي بتخويفه للأوروبيين من استيلاء القاعدة على ليبيا. لكن الخوف ما لبث أن انقشع، فالعقلية الثورية العربية الجديدة هي بمثابة تكذيب لأولئك الذين يتحدثون عن الاستثناء العربي وعن النسبية الثقافية، يقول ماتيوه غيدير. من الخليج إلى المحيط، عبر العالم العربي عن نفس الرغبة في اكتساب الحرية، فالشباب العرب المتمدرسون والمتمكنون من التكنولوجيات الحديثة هم أبناء القرن الجديد ويحلمون بغد لا يختلف عن الغد الأوروبي أو الأمريكي.