لقد صادف المجلس الاقتصادي والاجتماعي، أو صادفت إنشاءه، ظرفية حبلى بالأحداث إن على المستوى السياسي أو الاقتصادي أو الاجتماعي. ولكل وجهته في تعليل حيثيات وآفاق هذه الأحداث. وفي بداية اهتماماته، قرر المجلس الانكباب على إشكالية التشغيل في المغرب كسبيل من بين السبل لتجاوز أحد تحديات هذه الظرفية، وكأن الأمر يعود بنا إلى أحداث مدينة فاس التي على إثرها قامت الحكومة آنذاك بتوظيف العديد من حاملي الإجازة بالموازاة مع إنشاء مجلس الشباب والمستقبل سابقا والذي عهد إليه بالعمل على بلورة استراتيجية تمكن من تقليص حدة هذه الإشكالية. الأكيد أنه لا مجال للمقارنة بين المؤسستين ولا بين الظرفيتين. هذا مع العلم بأن الملتقى بين المجلسين هو انتماء رئيس المجلس السابق والأمين العام للمجلس الحالي إلى نفس الحزب، أي الاتحاد الاشتراكي، حيث كان هذا الأخير المستشار الاقتصادي للوزير الأول السيد عبد الرحمان اليوسفي والمكلف منذ ذاك الحين، أي منذ عقد من الزمن، بتدبير ملف المعطلين الشباب حاملي الشواهد العليا. لا مجال ولا جدوى من مناقشة فعالية الكيفية التي تم بها تدبير هذا الملف لكون الواقع المعيش خير جواب. فالانتقال بملف التشغيل من يدي «كوادر حزب الاتحاد الاشتراكي» إلى المجلس الاقتصادي والاجتماعي لن يكون إيجابيا. لكون معالجة مسألة التشغيل كانت ستكون في بدايتها، أي منذ بروز سلبيات عدم ضبط كيفية تفعيل برنامج التقويم الهيكلي في شقه الاجتماعي في المغرب، أمرا هينا. أما الآن فقد تفاقم بسبب التراكمات وبسبب عدم جدية جولات الحوار الاجتماعي التي باتت تكتسي طابعا «موسميا» رمزيا فقط تفضي إلى استمرارية الاختلافات بين النقابات بينها من جهة وبينها وبين الحكومات المتتالية من جهة أخرى، ليبقى الوضع مؤجلا ولتتفاقم معه عدة مشاكل، اقتصادية واجتماعية، لتكتسي طابعا سياسيا. لا نستهدف هنا الأشخاص لكون ما قاله الشارع المغربي وما يقال بشأن كيفية تدبيرهم للشأن العمومي وما يؤكده المجلس الأعلى للحسابات من خلال تقاريره السنوية، لا مجال لتكراره، بل نريد من المجلس الاقتصادي والاجتماعي أن يرقى في تعامله مع المشاكل الراهنة انطلاقا من التوجيهات السامية، بمعنى أن الملف الذي كان من الإيجابي والمفروض على المجلس الشروع فيه هو التفكير في آليات الرقي بالطبقة المتوسطة في المغرب. وفي الرقي بالطبقة المتوسطة يكمن الحل الإيجابي لمشكل التشغيل ومشكل الصحة وتحسين المستوى المعيشي والكرامة ومشكل محاربة الرشوة وغيرها من المشاكل التي يحاول البعض التعامل معها أحاديا دون جدوى. فعدم الرقي بالطبقة المتوسطة هو القاسم المشترك لكل هاته المشاكل. وتجاوز هذه المشاكل لا يمكن أن يكون واقعيا إلا بتفعيل آليات الرقي بالطبقة المتوسطة. وهذا المنحى قد نادى بها الفكر الاقتصادي الليبرالي، وخاصة الفكر الكينيزي، وأثبت نجاحه في العديد من الدول المتقدمة التي جعلت الطبقة المتوسطة المحرك المحوري لاقتصادياتها. ووجود هذه الطبقة المتوسطة هو في نفس الوقت أمل وسبيل مستقبلي للطبقة الدنيا. وهذا ما شهدته مراحل تطور الدول المتقدمة، وهذا ما يعكس ضرورة الانتقال من الرأسمالية ذات المنفعة الفردية إلى رأسمالية ذات منفعة كتلة مجتمعية. ونتساءل هنا عن دور المجلس الاقتصادي والاجتماعي ومساهمته في تفعيل ما تضمنه خطاب ملك البلاد بخصوص ضرورة العمل على توسيع شريحة الطبقة المتوسطة. وتشمل هذه الشريحة، من الناحية الديمغرافية كل الفئة المتراوحة أعمارها بين 16 و45 سنة. وبعبارة أخرى، فالتعامل مع متطلبات هذه الشريحة من المجتمع، هو في واقع الأمر تعامل مع كل المشاكل الاقتصادية والاجتماعية التي ينادي بها الشارع المغربي. يقول البعض إن المجلس الاقتصادي والاجتماعي لا يزال في بداية تأسيسه وتنظيم هياكله واستدعاء خبراء أجانب للاستئناس بتجارب الدول الأجنبية التي تتوفر على هيئة مثيلة. إذا تم الأمر على هذا النحو، فالنتائج المنتظرة من المجلس لن تكون لغد. كما أن الخوض في الاجتماعات والندوات والسفريات إلى الخارج أو استدعاء خبراء أجانب لن يؤدي إلا إلى استنزاف ميزانية الدولة. وهل يمكن اعتبار هذا النهج تهميشا للكفاءات الوطنية داخل البلاد أم نعتبره اعترافا ضمنيا بأن الجامعات والمعاهد والمراكز العلمية المغربية لا وزن لها ولا قيمة مضافة علمية تنتجها؟ الأكيد أن المجلس الاقتصادي والاجتماعي لا يجب أن يعرف نفس المنهجية التي تبناها مجلس الشباب والمستقبل ليغوص في الندوات والمنشورات دون إنتاج إجراءات عملية تكون مستجيبة للمتطلبات الآنية للشعب المغربي من خلال طرح مقترحات عملية آنية للمتطلبات الممكن معالجتها آنيا ومقترحات عملية متوسطة الأمد لإنجاح المطلب الأسمى والذي سيضمن السلم الاجتماعي والرقي الاقتصادي للبلاد، أي الرقي بالطبقة المتوسطة والتي تشكل في المغرب أكثر من نصف ساكنته. الإرادة والضمانات السياسية متجسدتان في الخطاب الملكي، فقط وجب على الكفاءات التي وضع فيها ملك البلاد ثقته العمل على بلورة استراتيجية موضوعية وعملية بغية الرقي بالمستوى المعيشي لساكنة هذه البلاد الحبلى بالثروات من خلال الابتكار والعمل الفعلي والعملي. لسنا البلد الوحيد الذي يشكو من مشاكل اقتصادية واجتماعية، كما أننا لسنا بالبلد الذي تنعدم فيه المؤهلات القادرة على إيجاد حلول لمشاكلها. فعدم القدرة على إيجاد حلول لأي مشكل إنما هو افتراء ولا أساس له من الصحة، سواء اقتصاديا أو سياسيا، ولا داعي للاختباء وراء عدم توفر العصا السحرية أو وجود «جيوب» تقاوم الإصلاح. فالمجلس متوفر على ضمانات ملك لإنجاح مهامه، وبالتالي لن يقبل منه أي إخفاق. علاوة على هذا، فمغرب اليوم هو مغرب التكليف بالمهام والمحاسبة بعدها، خصوصا وأن نوعية المحاسبة أصبحت في مغرب اليوم محاسبة شعبية. جل الدول المتقدمة عاشت وتعايش مشاكل اقتصادية واجتماعية، واستطاعت في وقت وجيز التغلب عليها أو، على الأقل، الحد من حدتها اعتمادا على مؤهلات وطنية واستراتيجيات وطنية وإرادة وطنية وحوار جاد ونزيه... ، فلماذا نعجز نحن، في بلدنا، على تحقيق هذا؟ هل هي مسألة عقليات و»اترابي» كما يقال بالعامية؟ حبيب عنون - باحث في العلوم الاقتصادية والاجتماعية