الآن باتت المسألة إما أن نكون أو لا نكون. ابتداء من يوم أمس (المقصود الأربعاء) دخل نظام بشار الأسد إلى المرحلة الحرجة في حرب بقائه: إما نحن المؤسسة العلوية السائدة أو هم الشارع. لم تعد هناك أحاديث عن إصلاحات، بل يسيرون نحو حسم عنيف. وليس صدفة أن بث التلفزيون السوري يوم الأحد جنازات رجال قوات الأمن الذين قتلوا أثناء الاضطرابات. كانت هنا رسالة مباشرة إلى الرأي العام السوري: الجماهير تطلق النار على قواتنا، سورية في خطر، ومن الآن فصاعدا فإننا ننزع القفازات. في إسرائيل وتروا منذ أمس (الأربعاء) آذانهم. سورية ستتغير لنا، كما يقولون في المشاورات الداخلية. وبقدر ما يبدو هذا غريبا، فإن للمؤسسة الإسرائيلية عطفا ما على عائلة الأسد. فقد أوفوا على مدى كل السنين بكل تعهداتهم، بل وتحدثوا عن تسوية مع إسرائيل بشروطهم. من الصعب التخلي عن حذاء منزلي قديم، ولكن عندنا أيضا في القيادة السياسية الأمنية يقدرون أن النظام السوري، بصيغته الحالية، سيتغير في غضون أسابيع أو أشهر. المصلحة الوحيدة التي توجه اليوم السلوك الإسرائيلي في كل الساحات تقول: «إذا كان ما يحصل في سورية سيضعف في نهاية المطاف محور دمشق وإيران وحزب الله، فذلك خير. وضع الرئيس الأسد أكثر تعقيدا بكثير مما يبدو للعيان. تصديه الفوري ليس فقط للشارع، بل أولا وقبل كل شيء للنخبة العلوية التي تحيط به. وإذا كان لا بد من أن نكون أكثر تخصيصا: فمع أبناء عائلته، الذين يشعرون بأن ضعفه سيؤدي بهم إلى الضياع. فالرجل يتردد في اتخاذ القرارات، وعندما يقرر يكون تنفيذها واهنا. خطابه الضاحك قبل بضعة أسابيع في البرلمان السوري كان خطابا سخيفا وغير مكترث لشخص منقطع عن الواقع. في القدس، بالمناسبة، انتظروا أن يهاجم إسرائيل ويتهمها بالاضطرابات، ولكنه كان واثقا جدا من تأييد الشارع السوري، حيث إنه لم يتكبد حتى عناء البحث عن عدو خارجي كي يتهمه. العائلة والنخبة التي تحيط به فهمت أن الرجل لا يفهم أين يعيش «لازمة مبارك» تملكت بشار الأسد أيضا. ومنذ أسابيع والإيرانيون وممثلو نصر الله يجلسون له على الوريد ويطالبونه باستخدام يد حازمة. محافل في الإدارة الأمريكية تشير إلى أنه في الأيام الأخيرة بدؤوا في القيادة السورية يتحدثون عن تغيير الأسد. المحفل السائد في هذه المجموعة هو صهر الأسد، رئيس المخابرات آصف شوكت، الرجل الكبير في السن بين أبناء العائلة بأكثر من عشرين سنة على الأقل والأكثر خبرة. المرشح في العائلة للحلول محل الأسد هو أخوه، ماهر، قائد فرقة القوات الخاصة: إحدى الفرقتين العلويتين الأكثر ولاء لنظام الأسد. الفرقة الثانية هي الفرقة رقم 4، وكلتاهما جاهزتان بتأهب عالٍ للدفاع عن النظام داخل دمشق. في الأسابيع الأخيرة، نشرت بعض وحدات من هاتين الفرقتين في مدن أخرى، في بؤر الاحتكاك، لمساعدة رجال الشرطة والأمن الداخلي. حتى يوم أمس (الأربعاء)، رغم كثرة الإصابات، لم تستخدم القبضة الفولاذية ضد الجماهير. القبضة الفولاذية العسكرية هي السلاح الأخير، وذلك لأن الجيش السوري، في معظمه، هو جيش إلزامي سني. واستخدامه ضد المواطنين من شأنه، في سياق مستمر، أن يضع الولاء تحت الاختبار. والسلطات في دمشق لم ترغب في الوصول إلى هذا الوضع الذي كان سيضع في الاختبار أيضا شرعية النظام. من اللحظة التي تستخدم فيها القوة ضد المدنيين لا طريق عودة. فقد بت موصوما، من الداخل ومن الخارج. حتى الآن، على مدى الاضطرابات، استخدمت القوة العسكرية ذات المغزى أساسا ضد الأكراد في الشمال. في درعا وفي أماكن أخرى عمل أساسا رجال الأمن الداخلي، وإلى جانبهم رجال حزب الله ورجال الحرس الثوري الذين جاؤوا من لبنان قاموا ب«العمل الأسود» لإطلاق النار نحو المتظاهرين. أمس (الأربعاء) تم اجتياز الخط. فقد أرسل إلى درعا لواء مدرع، الأمر الذي يدل على الضائقة التي علق فيها نظام الأسد، الذي اضطر إلى استخدام الجيش النظامي ضد المدنيين. وبالتوازي، أجريت مئات الاعتقالات في أرجاء سورية، وقوات الجيش دخلت ضواحي دمشق. في الأيام العشرة الأخيرة، قتل وجرح رجال جيش، شرطة وأمن داخلي سوريون بأعداد غير معروفة. وحسب أحد التقارير، في درعا اختطف وقتل على أيدي الجماهير قائد لواء في الجيش. ومن غير المستبعد أن يكون اللواء، الذي يعمل الآن بوحشية في المدينة، يصفي الحساب ببساطة. إذا لم يخرج الأسد من هذه الجولة ويده هي العليا على نحو واضح، فإن القيادة العلوية ستغيره وستدخل سورية إلى مثابة مرحلة انتقالية مثلما في مصر. أي، حكم انتقالي ضعيف يفعل كل شيء كي يرضي الجماهير حتى تحقيق الإصلاحات أو الانتخابات. إمكانية أخرى هي إقامة نظام طوارئ عسكري من دون الأسد يمسك بسورية بقبضة حديدية، وإمكانية ثالثة هي انهيار تام للنظام الحالي، بعده يكون انعدام اليقين بل وربما الفوضى. وعلى هامش الأزمة في سورية تبرز للعيان السياسة المزدوجة للاتحاد الأوربي، إذ ما هو في واقع الأمر الفرق بين سورية وليبيا؟ الفرق هو أن سورية لا تؤثر على الاقتصاد الأوربي، أما ليبيا فمعناها النفط والخوف من الغرق باللاجئين. وعليه فإن الأوربيين يرون في ليبيا مشاكل حقوق الإنسان ولا يرونها في سورية. كما أن نظام أوباما مرة أخرى يتذبذب بحرج، وهكذا شرح الرئيس أوباما لأحد مقربيه في الغرف المغلقة المعضلة الأمريكية: «كيف يمكن إدارة سياسة منسجمة في عالم الظروف فيه ليست منسجمة؟ وكيف يمكن إدارة سياسة أخلاقية في منطقة السلوك فيها ليس أخلاقيا بذات القدر؟»، حقا ليس جميلا أن يشوش هكذا رئيس أمريكي. عن يديعوت أليكس فيشمان