عامل الحسيمة يترأس مراسيم المشاركة في المناظرة الوطنية للجهوية المتقدمة    في اتصال هاتفي.. ولي العهد السعودي يطمئن على صحة الملك محمد السادس    المناظرة الوطنية الثانية للجهوية المتقدمة .. النقاط الرئيسية للاتفاقيات-الإطار    أحر التعازي في وفاة والدة أخينا الكريم السيد محمد بولخريف    بطولة انجلترا.. الإصابة تبعد البرتغالي دياش عن مانشستر سيتي حوالي 4 أسابيع    سابينتو يغادر الرجاء…ومدرب مؤقت يشرف على قيادة الفريق    توقعات أحوال الطقس اليوم السبت    الناظور: توقيف ثلاثيني يشتبه بارتباطه بشبكة لترويج المخدرات وتزوير الحوادث    دراسة: إدراج الصحة النفسية ضمن السياسات المتعلقة بالتكيف مع تغير المناخ ضرورة ملحة    واشنطن تلغي مكافأة ب10 ملايين دولار رصدت للقبض على زعيم "هيئة تحرير الشام" أحمد الشرع    إيطاليا تغرّم "تشات جي بي تي" 15 مليون أورو بتهمة انتهاك خصوصية البيانات    الملك محمد السادس يتلقى اتصالا هاتفيا من ولي العهد السعودي    نشرة إنذارية: تساقطات ثلجية على المرتفعات التي تتجاوز 1800 م وهبات رياح قوية مع تطاير الغبار يومي السبت والأحد بعدد من مناطق المملكة            "فيفا" يعلن حصول "نتفليكس" على حقوق بث كأس العالم 2027 و2031 للسيدات    "هيركوليس" تقرر عدم حضور مباراة فريقها اتحاد طنجة أمام الدفاع الحسني الجديدي            تساقطات ثلجية ورياح قوية مرتقبة يومي السبت والأحد بعدد من مناطق المملكة    التوفيق: وزارة الأوقاف تعمل حاليا على ترجمة معانى القرآن الكريم إلى الأمازيغية    وزيرة المالية تعترف بعدم انخفاض أسعار المحروقات في المغرب بمستوى الانخفاض العالمي في 2024    مهرجان ابن جرير للسينما يكرم محمد الخياري    كيوسك السبت | أول دواء جنيس مغربي من القنب الهندي لتعزيز السيادة الصحية    اصطدامات قوية في ختام شطر ذهاب الدوري..    بريد المغرب يحتفي بفن الملحون    حادث الدهس بألمانيا.. المشتبه به سعودي مناهض للاسلام    العرض ما قبل الأول للفيلم الطويل "404.01" للمخرج يونس الركاب    الطّريق إلى "تيزي نتاست"…جراح زلزال 8 شتنبر لم تندمل بعد (صور)    اجتماع بوزنيقة.. الأطراف الليبية تتفق على تشكيل حكومة موحدة    هجوم دهس في ماغديبورغ يسفر عن قتلى وجرحى.. والمشتبه به طبيب    الأمن يرفع مستوى اليقظة في برلين    جويطي: الرواية تُنقذ الإنسان البسيط من النسيان وتَكشف عن فظاعات الدكتاتوريين    مراكش تحتضن بطولة المغرب وكأس العرش للجمباز الفني    إصابة 20 إسرائيليا في تل أبيب جراء سقوط صاروخ أطلق من اليمن    طنجة: انتقادات واسعة بعد قتل الكلاب ورميها في حاويات الأزبال    كودار ينتقد تمركز القرار بيد الوزارات    إعادة تفكيك أطروحة انفصال الصحراء.. مفاهيم مؤسسة وسردية تاريخية    بوزوق ينفصل عن الرجاء بالتراضي    العازف سفيان بامارت.. حين تلتقي الأناقة بالعاطفة في تناغم موسيقي فريد    مؤتمر "الترجمة والذكاء الاصطناعي"    البنك الدولي يدعم المغرب ب250 مليون دولار لمواجهة تغير المناخ    بورصة الدار البيضاء تنهي تداولاتها على وقع الأحمر    زينب أسامة تطلق أغنيتها الجديدة "حدك هنا"...    أخنوش يُشرف على توقيع اتفاقية لتطوير المحطة السياحية "موكادور" بالصويرة    النفط يتراجع مدفوعا بمخاوف بشأن الطلب وقوة الدولار    تطوان: معهد سرفانتس الإسباني يُبرز تاريخه ويعزز جمالية المدينة    بعد المصادقة عليه.. صدور قانون مالية 2025 بالجريدة الرسمية    أخطاء كنجهلوها..سلامة الأطفال والرضع أثناء نومهم في مقاعد السيارات (فيديو)    تسجيل وفيات بجهة الشمال بسبب "بوحمرون"    المستشفى الجامعي بطنجة يُسجل 5 حالات وفاة ب"بوحمرون"    أرخص بنسبة 50 بالمائة.. إطلاق أول دواء مغربي لمعالجة الصرع باستخدام القنب الطبي    "بوحمرون" يخطف طفلة جديدة بشفشاون    للطغيان وجه واحد بين الدولة و المدينة و الإدارة …فهل من معتبر …؟!!! (الجزء الأول)    حماية الحياة في الإسلام تحريم الوأد والإجهاض والقتل بجميع أشكاله    عبادي: المغرب ليس بمنأى عن الكوارث التي تعصف بالأمة    توفيق بوعشرين يكتب.. "رواية جديدة لأحمد التوفيق: المغرب بلد علماني"    توفيق بوعشرين يكتب: "رواية" جديدة لأحمد التوفيق.. المغرب بلد علماني    







شكرا على الإبلاغ!
سيتم حجب هذه الصورة تلقائيا عندما يتم الإبلاغ عنها من طرف عدة أشخاص.



أزمة تجديد النخب في المشهد الحزبي المغربي
نشر في المساء يوم 01 - 05 - 2011

لم يقتنع بعد عدد من قادة الأحزاب المغربية القدامى، الذين يلوحون ب»الشرعية التاريخية» كل حين، بأهمية فتح الفرص أمام الفعاليات الشابة، التي أثبتت جدارتها وإمكانياتها في عدد من المجالات والميادين، لتحتل مواقع قيادية داخل الأحزاب السياسية وتسهم في إخراج الأحزاب من جمودها وانغلاقها. والمؤسف أن هذه الظاهرة غير السليمة أصبحت تطبع عمل عدد كبير من الأحزاب، بما فيها تلك تعتبر نفسها محسوبة على الصف الديمقراطي.
فقد أضحى عدد من الأحزاب السياسية المغربية مجرد مؤسسات مغلقة، تغيب فيها مظاهر الشفافية والممارسة الديمقراطية، بل ووصل ارتباطها بأشخاص معينين في المخيال الشعبي إلى حد الحديث عن حزب فلان بدل التركيز على اسم الحزب أو إيديولوجيته، وهذا أمر يترجم الهالة التي تعطى للزعيم الحزبي أو التي يحاول أن يخلقها لنفسه والتي تسمح له، في كثير من الأحيان، بتحويل الهزائم إلى انتصارات وإطلاق وتوظيف خطابات وشعارات وتصورات لا تتلاءم وتحديات وواقع المرحلة الراهنة.
ومعلوم أن الممارسة الحزبية في عدد من الديمقراطيات التقليدية أو الفتية حسمت مع هذه المظاهر المتجاوزة.
إن هذه الوضعية، التي تعكسها مظاهر التوتر بين «شبيبات» الأحزاب وقياداتها، لا يمكن أن نفصلها عن الحالة المزرية التي تعيشها معظم الأحزاب التي لم تستطع تطوير أدائها وظلت تعيش أزمة حقيقية على مستوى تدبير اختلافاتها الداخلية والتي عكستها الانشقاقات المتتالية في صفوفها، أو على مستوى بلورة وظائفها الاجتماعية والسياسية والتربوية المفترضة، فالديمقراطية الداخلية تصبح بدون جدوى كلما تم الاقتراب من مراكز القرار داخل الهياكل الرئيسية للحزب، حيث يفرض أسلوب التزكية والتعيين نفسه بقوة ويسود منطق الوراثة في بناء الشرعية السياسية، بالشكل الذي يكرّس «شخصنة» هذه الهيئات ويحول دون تجددها ويخلق حالة من التوتر والصراع بين الأحزاب وتنظيماتها الشبيبية، وهذا ما يدفعنا إلى التساؤل عن مدى جدية ومصداقية مطالبة هذه الأحزاب الدولة بإعمال أسلوب الديمقراطية و«التناوب السياسي»، في الوقت الذي تتنكر فيه هي نفسها له في ممارساتها الداخلية.
ويزيد من تأزّم هذه الوضعية تفشي ظاهرة الترحال في البرلمان من حزب إلى آخر بصورة مستفزّة لإرادة المواطن/الناخب ومسيئة إلى عمل هذه الأحزاب التي لم تعد قادرة على إنتاج نخب ملتزمة ومؤمنة ببرامجها وأفكارها ومستعدة للتضحية في سبيل مبادئها وأهدافها في مواجهة كل إغراء أو تهديد، ناهيك عن تهافت الأحزاب على استقطاب الأعيان خلال الانتخابات، مما يؤكد عدم قدرتها على تحديث وتطوير بنائها ووظائفها الاجتماعية والسياسية، وعدم استحضار الكفاءة والموضوعية في تزكية المرشحين، والرغبة في الفوز بأكبر عدد من المقاعد بكل الطرق والوسائل..
وظاهرة الانشقاقات، التي تحدث بين الفينة والأخرى داخل بعض هذه الأحزاب والتي كان من نتائجها بروز أكثر من ثلاثين حزبا في المشهد السياسي المغربي، تحيل على القول بأنها تعبير عن عدم القدرة على تدبير الاختلافات بشكل ديمقراطي، وهي أيضا مؤشر على الأزمة التي تشهدها هذه القنوات على مستوى تجديد نخبها وقياداتها بما يسمح بتشبيبها أو انفتاحها على مكونات وكفاءات اجتماعية.. مختلفة.
ومعلوم أن تنامي هذه الانشقاقات، بالإضافة إلى عودة الزعماء القدامى إلى قيادة الأحزاب تحت ذرائع ومبررات عدة، كانت من ضمن عوامل عدة أسهمت في مغادرة عدد من الطاقات الشابة للأحزاب وامتناع عدد كبير منها عن الانضمام إلى أحزاب لا تسمح لها بإبراز طاقاتها وإمكاناتها وانتظاراتها وتصوراتها.. وأدّت إلى تنامي العزوف السياسي بشكل عام والانتخابي على وجه الخصوص الذي بلغ 37 في المائة حسب إحصائيات رسمية خلال الانتخابات التشريعية الأخيرة. من الواضح أن فسح المجال أمام فعاليات شابة لقيادة الأحزاب يحمل دلالات نفسية وسياسية إيجابية يمكن أن توفر شروط المصالحة بين المواطن والشأن السياسي بشكل عام وترسّخ لديه القناعة بأهمية الانخراط في الأحزاب، طالما أنه سيجد نفسه داخلها، وبالطبع فلا يمكن أن نتصور أن الشباب سيشيحون بوجوههم عن قياداتهم التاريخية إذا ما تحملوا مسؤوليات قيادية، لأن تطوير عمل الأحزاب يقتضي أيضا الانفتاح على تجارب هؤلاء الزعماء وخبراتهم.
ومن المؤكد أن فتح المجال أمام الجيل الجديد ليتبوأ مواقع قيادية داخل الأحزاب ينبغي ألا يترك لمزاجية القادة، بل ينبغي أن يؤطر بقواعد وضوابط قانونية حتى لا يسمح بتكرار نفس التجارب وإنتاج نفس النخب المنغلقة.
إن سلوك بعض القادة في هذا الشأن، لا يسيء إلى وحدة الأحزاب ذاتها وبرامجها وتصوراتها بقدر ما يؤثر بالسلب على المشهد السياسي برمته.
وجدير بالذكر أن الاختلالات التي تعيشها الأحزاب المغربية حاليا ليست في صالح المجتمع ولا هي في صالح الدولة ولا في صالح الأحزاب السياسية نفسها. ذلك أن تأمين انتقال ديمقراطي حقيقي يتطلب انخراطا من قبل الدولة والمجتمع، بمختلف مكوناته السياسية والاجتماعية والاقتصادية. والأحزاب السياسية، باعتبارها محور وأساس العمل السياسي، تتحمل مسؤولية كبرى في هذا الصدد. ولا يمكن أن نتصور أن المشهد الحزبي في وضعيته الراهنة يسمح بتحقيق انتقال ديمقراطي مبني على أسس متينة، فهناك عدد كبير من الأحزاب السياسية لم تعد قادرة على إنتاج وبلورة تصورات وأفكار ومشاريع اجتماعية وسياسية واضحة المعالم تستمد مقوماتها من الواقع، كما أن خطاباتها لا زالت جامدة ومتجاوزة ولا تواكب التحولات الاجتماعية والسياسية وتصورات وانتظارات الأجيال الجديدة، فيما تفتقر غالبيتها أيضا إلى مشروع مجتمعي واضح المعالم بعدما تحولت من مؤسسات مفترضة لدعم المشاركة السياسية وللتأطير السياسي والتعبئة والتنشئة الاجتماعية وبلورة المطالب وتمثيل المصالح.. إلى قنوات انتخابية مغلقة تغيب فيها مظاهر الشفافية والممارسة الديمقراطية، تنتج نخبا تبرر الخطابات الرائجة ولا تستحضر سوى مصالحها، فحضورها -الأحزاب- تطبعه المرحلية، وغالبا ما يقترن بالمناسبات الانتخابية.
وإذا كانت الأحزاب السياسية بحاجة إلى اعتماد إصلاحات داخلية تسمح بتجديد نخبها وتدبير اختلافاتها الداخلية بشكل ديمقراطي وبلورة وظائفها الاجتماعية والسياسية والتربوية المفترضة وانفتاحها على مختلف مكونات المجتمع وقضاياهم بما يتيح تجاوز مختلف الاختلالات التي تميّع العمل السياسي وتنفّر منه، فإن الدولة نفسها مطالبة بأن توفر الضمانات الدستورية التي تتيح للأحزاب تطبيق برامجها والوفاء بالتزاماتها التي قطعتها على نفسها أمام الناخبين من داخل البرلمان أو الحكومة، وتوفير الشروط الموضوعية والقانونية التي تسمح بمرور الانتخابات في أجواء صحّية وسليمة مبنية على النزاهة والشفافية وتكافؤ الفرص واحترام إرادة الجماهير بما يسمح بوصول نخب على قدر كبير من الكفاءة والمصداقية إلى المجالس التمثيلية، وبالشكل الذي يتيح مواجهة مختلف التحديات الاقتصادية والاجتماعية والسياسية.. المطروحة، ويقوّي ثقة المواطنين المغاربة وإيمانهم بأهمية الاهتمام بالشأن السياسي ومؤسساته، وبما يعطي مدلولا ومعنى للانتخابات ويسهم بالتالي في إنضاج تجربة ديمقراطية حقيقية.


انقر هنا لقراءة الخبر من مصدره.