شكلت وفاة الملحن المغربي الكبير عبد السلام عامر مفاجأة غير عادية، بالنظر إلى كون ملحن «راحلة» والقمر الأحمر» و«الشاطئ» رحل وهو لم يتجاوز بعدُ سن الأربعين، فضلا على ما تعرض له الملحن من هزّات ومضايقات بعد تلاوته بيان الانقلابيين في الصخيرات، وهو رحيل اختلفت حوله الروايات بين الصادقة والكاذبة، بين القريبة والبعيدة عن الحقيقة. حادث الانقلاب في هذا السياق، قال الصحافي والباحث لحسن وريغ في الصفحة ال183 من كتابه «عبد السلام عمر، قاهر الظلام بالأنغام»: «في صيف سنة 1971، حدث ما لم يكن ينتظره المغاربة منذ استقلالهم عن الاستعمار الفرنسي والإسباني.. ففي يوم 10 يوليوز، وعلى الشاطئ المطل على المحيط الأطلسي، والذي لا يبعد بأكثر من 25 كلم من العاصمة الرباط، قام مجموعة من جنود مدرسة «هرمومو» العسكرية بمحاولة انقلابية، قادها الكونيل امحمد عبابو». ويتابع وريغ في الصفحة ال186: «من داخل مقر الإذاعة الوطنية، صدح صوت الملحن عبد السلام عامر مخبرا كافة المواطنين باستيلاء «الجيش» على السلطة... فعامر هو الذي قرأ أمام أحد ميكروفات الإذاعة بلاغ الانقلابيين، صباح يوم الاستيلاء على مقر زنقة دار البريهي.. والسؤال الذي ما زال يطرحه الكثيرون بخصوص هذا الموضوع: ما علاقة عامر بكل ما جرى يوم 10 يوليوز سنة 1971 في الرباط؟».. قبل أن يضيف الطاهر عفيفي، شقيق زوجة عامر في الكتاب ذاته: «الذي حدث بعد ذلك هو وصول العسكريين إلى الإذاعة، حاملين معهم بلاغا يريدون بثه على أمواج الإذاعة الوطنية التي سيطروا عليها.. في البداية، اتجه العسكريون إلى عبد الحليم حافظ وأمروه بقراءة البلاغ العسكري الانقلابي، المحرَّر سابقا.. وبطريقة لا نعرف تفاصيلها، استطاع عبد الحليم التملص من ثقل المسؤولية وخطورتها وانسلّ منها كما تنسلّ الشعرة من العجين.. وتوجه العسكريون، بعد ذلك، إلى عامر وأرغموه على تلاوة البلاغ حالا... وبسبب عاهته، استحال على الملحن المغربي في بداية الأمر تنفيذ قرار العسكريين... سُجِّل البلاغ وحفظه عامر وامتنع عن إلقائه لبعض الوقت.. في البداية، حاول أن يغير من حدة مقروئه، لكن فوهة البندقية الموجهة لجسده جعلته يتلو البلاغ العسكري أمام ميكروفون الإذاعة الوطنية وظل هذا البلاغ يتردد طيلة ساعات سيطرة الانقلابيين على بعض المواقع في العاصمة». ويتابع الطاهر عفيفي: «بعد هذه العملية، أخلي سبيل عامر وتركوه حرا، فغادر الإذاعة وتوجه إلى منزل أحد أفراد عائلة زوجته في منطقة حسان. ظل صوت عامر يتردد على أمواج الإذاعة الوطنية لمرات عديدة.. لم يفلت صهري من الاستنطاق، حيث ألقي عليه القبض في الرباط واقتيد إلى مركز خاص للتحقيق معه حول تلاوة ذلك البلاغ. وأعتقد أن الذي أخبر السلطات الأمنية بمكان تواجد عامر هو أحد أفراد العائلة كان يشتغل في وزارة الداخلية.. ثم لا ننسى أن الاستنطاق شمل حتى أقرباء الملحن... وقد دامت فترة اعتقاله زهاء ثلاثة أيام (الأحد والاثنين والثلاثاء)». أما بخصوص الإفراج عن عامر، فيؤكد الطاهر عفيفي أن ذلك جاء بفضل تدخل الأمير مولاي عبد الله، رحمه الله، الذي كان من المدافعين عن الفنان، حيث قال في حقه: «لو تكلم عامر بالشكل الذي أعرفه، لأحدث انقلابا لوحده».. وبعد الإفراج عنه، قال عامر للطاهر: «قضيت ثلاثة أيام في الذكر إلى أن أفرج عني بقرار ملكي». «أصيب عامر بمرض في البطن وجاء التشخيص الطبي ليؤكد أن الأمر يتعلق بالتهابات في الأمعاء، مما جعل الجميع في البداية يؤمن أن الأدوية ستكون أحسن وسيلة للقضاء على هذه الآلام البسيطة. يتحدث الطاهر عفيفي عن التهاب في الدودة الزائدة. أوصلناه إلى مصحة خاصة في الدارالبيضاء لإجراء فحوصات طبية جد متقدمة.. أخبرنا الأطباء أن المريض يحتاج إلى إجراء عملية جراحية فورية، لأن وضعيته جد حرجة.. رفض عامر أن تجري له هذه العملية.. فغادر المستشفى في اتجاه السيارة.. وقبل مغادرتنا المكان، التحق بنا الدكتور الدمناتي، الذي حاول إقناع عامر بضرورة الخضوع لهذه العملية، لكنه ظل مصمما على موقفه بشكل جاد.. تدخلتُ وقلت لعامر: «إن حالتك الصحية خطيرة جدا»... «أمضى عامر في المنزل أياما قليلة ثم أعيد مرة ثانية إلى المصحة، لأن تطورا مفاجئا في صحته أثر عليه كثيرا وبدأت الشكوك تحوم حول مصيره.. تسلمه منا الطاقم الطبي وبدأتْ عملية تحديد أساب هذا التحول في وضعيته الصحية. غير أن المفاجأة الثانية التي واجهت الأطباء هي دخول عامر مرحلة الغيبوبة... وبأمر من جلالة الملك الحسن الثاني، انتقل عامر إلى مستشفى ابن سينا في الرباط وخضع لمراقبة طبية من طرف فريق طبي، حيث أعطي له كل ما يحتاجه مريض في هذه الوضعية.. وصدرت تعليمات ملكية للفريق الطبي لمواصلة العلاج أو نقل عامر إلى فرنسا، إذا ما استدعى الأمر ذلك.. لم يقض عامر سوى ساعات قليلة في مستشفى ابن سينا، حيث كانت الموت أقوى من ذلك الجسد ، الذي ظل يصارع كل الحواجز والعوائق مدة 40 سنة، ففي يوم 13 ماي 1979، لفظ عامر أنفاسه الأخيرة فوق سرير غرفة المستشفى، بعيدا عن منزله ومدينته وأسرته وأصدقائه»، يقول صاحب الكتاب. ورغم قيمة المصادر التي اعتمدها الكاتب في هذا المرجع المهم، فإن البعض يصرون على أن الحالة الصحية لعبد السلام لم تكن لتنأى عما يتوارده الفنانون في جلساتهم الخاصة عن دخول أطراف خفية حاولت أن تجعل حياة الفنان عبد السلام تأخذ مسارا غير صحي، في ارتباط بأحداث الصخيرات، ما يجعل وفاة هذا الفنان الكبير لغزا يستحق التدقيق... باطما يتحدث عن رحيل بوجميع والحياني ارتبط الراحلان العربي باطما وبوجميع بعلاقة قوية عاشا فيها حياة الطفولة في الحي المحمدي وعانقا توهج الموسيقى «الغيوانية»، إلا أن الموت أبى إلا أن يفرق الاثنين في لحظة من اللحظات. وقد خصص «باعروب» حيزا مهما في كتابه «الرحيل» للحديث عن الوفاة الغامضة لبوجميع، حيث قال في الصفحة ال100 من الكتاب المذكور: «المصاب بمرض، مثلي، لا يعلم وقت تاريخ «إعدامه»، بل ينتظر الموت فقط، نعم، إن الأعمار بيد خالقها، لكن السر القوي هو أن المعافى لا يعرف أنه مريض بمرض خطير، فيعيش ويضحك ويشتغل ويتمنى.. وعلى كل حال، لقد اختلفت الأسباب، والموت واحد، كما وقع للمرحوم بوجمعة... فقد كان سبب مرضه الذي مات به حادث بسيط وقع في الجزائر.. عندما كنا نقوم بإحدى الجولات المسرحية. فيومها، دخلنا إلى مطعم لتناول وجبة عشاء، ولمّا جاء النادل لتسجيل طلباتنا، قال بوجمعة إنه يريد لحما وجلبانة.. ولما أحضر النادل طلب بوجمعة، أعجب شخص بطلبه، وقال إنه يريد نفس الأكلة، فرد النادل بأنه ليس هناك في المطبخ إلا ما قدمه لبوجمعة، فأخذوا الأكل من أمام بوجمعة وقدموه لذلك الشخص.. ولم «يرض» بذلك بوجمعة فقام وغادر المطعم... وفي صباح الغد، كنا راجعين، هو وأنا، من مقهى في طريقنا إلى الحافلة، فأحس بوجمعة بحالة قيء، ولما تقيأ، لفظ الدم من أمعائه، فكان ذلك بسبب قرحة معدية، كانت هي السبب في موته.. وأنا إذ أسجل هذه الحادثة، فلتنوير الرأي، الذي اختلفتْ أقاويله عندما مات بوجمعة». وتحدث الراحل العربي باطما عن الفنان الرقيق محمد الحياني، في كتابه الثاني «الألم» وبعث «رسائل» خفية حول قصة عملية بسيطة أجريت للحياني وكانت السبب الرئيسي لوفاته، وتحدث عما يشبه الإهمال في إجراء العملية، وهو الشيء الذي أشارت إليه ابنة الحياني «حسناء»، في تصريح سابق عن الحياني، بعدما تحدثت عن وجود قطع من الزجاج في الجسد العليل للحياني، قبل أن تشير إلى إهمال الطبيب المسؤول عن إجراء العملية، ما يطرح السؤال عن الأسرار الحقيقية التي رافقت وفاة الفنان الرومانسي الكبير محمد الحياني.