أصبحت موجة «الاعتصامات» و«الوقفات الاحتجاجية»، التي «اجتاحت»، في الشهور الأخيرة، الشارع العربي، كما المغربي، لدى الكثير من شابات وشباب، اليوم، أشبه بال«موضة»، حيث إن العديد منهم أصبحوا يتصدرون صفوفها الأولى، ليس من أجل التغيير وإسقاط الفساد، بل حبا في «الظهور» عبر الفضائيات الأجنبية وفي الصفحات الأولى للمجلات والجرائد العالمية، كما المحلية، على حساب قضايا الأمة المصيرية، التي من أجلها كان هذا الحراك السياسي والاجتماعي، هنا وهناك. هناك، حيث تتساقط الديكتاتوريات كأوراق الخريف، هروبا من واقع «الحكرة» و«قمع الحريات» وضدا على «قانون الطوارئ»، الذي خنق الأنفاس والأرواح، طيلة سنوات وعقود. وهنا، حيث يطالب الشباب بمحاسبة المفسدين وبمحاكمتهم وبوضع الرّجُل المناسب في المكان المناسب، قريبا من الكفاءة والشفافية، بعيدا عن المحسوبية والزبونية. ولأنها مطالب سياسية واقتصادية قد تختلف، منطقيا، من بلد إلى بلد، فإن كواليسها الداخلية قد تلتقي في عدة نقط، لعل أبرزها المناضلون الجدد أو إن شئنا التدقيق، المناضلون من نوع خاص، لا يهتفون بالشعارات ولا يرفعون اللافتات ولا يرفعون أصواتهم إلا بوجود الأضواء، حيث لا يتحركون إلا حيث تتحرك الكاميرات وآلات التصوير، فيما يختفون باختفائها. فكما يوجد المناضلون الحقيقيون، في كل زمان ومكان، أو إن شئنا القول، مناضلو الظل، الذين لا يسعون من وراء نضالهم إلى الشهرة والأضواء أو الركوب على آلام الآخرين، للوصول إلى مطامحهم الشخصية، بل إن كل همهم هو الاحتراق من أجل الآخرين ودفاعا عن حقوقهم المشروعة بدون مقايضتها بامتيازات خاصة. هناك هؤلاء المناضلون، الذين «تناسلوا» بيننا كما تناسلت الأكلات الخفيفة في زمن «الهامبورغر» و«الفاست فود»، هم من مواليد «فايس بوك» و«يوتوب»، حيث يلتقون، يجتمعون، يخططون ويبرمجون وقفاتهم... فأين، كان هؤلاء قبل 20 فبراير؟! بل أي حضور لهم قبل هذا التاريخ؟ فالكثيرون منهم ما كان ليظهر لهم وجود إلا من أجل تحقيق أهدافهم الخاصة، ضدا على مطالب الشعب، التي ما كان لها أن تتراكم لولا وجود «مناضلي آخر لحظة» وفي زمن «البلاك بيري»، وهذا، طبعا، لا يعني عدم وجود استثناءات -وأنا هنا لا أتحدث عن هذا الصنف من المناضلين- لأن لهم امتدادا في التاريخ وعمقا في الوجود. لأن النضال بلا تاريخ وبلا عمق لا يعني إلا نفسه، لأن ما يغيب عن الكثير من هؤلاء المناضلين الجدد هو أن النضال الحقيقي لا يحتاج إلى «إتيكيت» أو «علامة مسجلة» على الجبين، بل هو سلوك وممارسة ومواقف ثابتة. والنضال الحقيقي لم يكن، في يوم من الأيام، أن تحمل صور «تشي غيفارا»، خلال الوقفات الاحتجاجية والاعتصامات وأن توظف الكلمات الرنانة في كلامك مع الآخرين، دون أن تعني معناها، عن «العلمانية، التغيير، الدستور، الديمقراطية، الحرية، القانون، البرلمان واخترت، ما شئت، من الكلمات التي تنهل من قاموس الشعارات المرفوعة أو من الندوات والمحاضرات والاجتماعات التي تقام داخل مقرات الأحزاب. فالفرق بين النضال الحقيقي والنضال المزيف كالفرق بين السماء والأرض، لأن العملة المزيفة لا تحقق الرخاء والطريق إلى الديمقراطية لا تتحقق بالكلام فحسب أو بصور التقطت هنا أو هناك، وإنما بالمواقف. فالمناضل الحقيقي لا يباع ولا يشترى. المناضل المزيف مستعد للركوب على كل الأمواج من أجل نفسه ومن أجل أن يكون في الواجهة. المناضل الحقيقي يشتغل في صمت، وبعيدا عن الكاميرات. والمناضل المزيف لا يتحرك إلا حيثما اشتعلت الأضواء، فهو أشبه بالفراشة، تحوم حول الأضواء على أن تحترق. المناضل الحقيقي لا يظهر ويختفي.. فحضوره، قبل وبعد 20 فبراير، لا يختلف عنه اثنان. أما المناضل المزيف فهو لا يظهر إلا في المناسبات ويختفي باختفائها. فأن تكون مناضلا حقيقيا لا يعنى، أوتوماتيكيا، أن تهرول خلف الوقفات الاحتجاجية أو الاعتصامات أو تحفظ عن ظهر قلب الكثير من الشعارات! أو أن تمتلك حسابا في «فايس بوك» أو «تويتر» أو أن تنشر لنفسك شرائط ومقاطع فيديو، عبر موقع «يوتوب»! أو أن تنتمي إلى هذه الحركة أو تلك، معتقدا في قرارة نفسك أنك «ابن زمانك»، فيما الآخرون «أغبياء» و«خارج التغطية»! وأن وقوفك في خمس وقفات احتجاجية لا يعني، تلقائيا، أنك مناضل حقيقي. فمناضل بلا شخصية قوية، بلا مبادئ، بلا مواقف، ولا يحترم مواعيده ولا تعلو وجهَه حمرةُ الخجل حين يسرق مجهودات الآخرين ومستعد لضربك من الخلف في أول فرصة تتاح له، ولا يتردد في أن يكون حربائيا، انتهازيا، وصوليا، متملقا من أجل قضاء مصالحه، لا يمكن أن تنتظر منه الشيء الكثير، كأن يدافع عنك أو عن قضايا المجتمع، سياسية كانت أم اجتماعية، فقط لأن فاقد الشيء لا يعطيه ولأن من ينكر أقرب الناس إليه مستعد لبيع نفسه للشيطان، وبالمجان!...