المغرب يروّج لفرص الاستثمار في الأقاليم الجنوبية خلال معرض "إنوفيشن زيرو" بلندن    أسعار صرف أهم العملات الأجنبية اليوم الأربعاء    حاجيات الأبناك من السيولة بلغت 129,8 مليار درهم    وزير النقل: 88 في المائة من حالات التأخير في الرحلات الجوية مرتبطة بمطارات المصدر    الإمارات تعلن إحباط محاولة تمرير أسلحة للجيش السوداني وتعتقل أعضاء خلية    توقيف 3 أشخاص استولوا على سيارة شرطي وسلاحه الوظيفي    برادة: الوزارة ستعمل على تقليص الهدر المدرسي إلى النصف    تقرير: 17% فقط من الموظفين المغاربة منخرطون فعليا في أعمالهم.. و68% يبحثون عن وظائف جديدة    البواري: دعم حكومي مرتقب لتشجيع الشباب القروي على إنشاء مقاولات فلاحية    مارك كارني يتعهد الانتصار على واشنطن بعد فوزه في الانتخابات الكندية    مسؤول أممي: الوضع في غزة أشبه بيوم القيامة جراء أزمتها الإنسانية والمجاعة التي تفرضها إسرائيل    وزارة الأوقاف والشؤون الإسلامية تدعو المواطنين إلى توخي الحذر بخصوص بعض الإعلانات المتداولة بشأن تأشيرة الحج    سيميوني يستفز برشلونة قبل مباراتهما في نصف النهائي    التحالف الديمقراطي الاجتماعي العربي يدعم الوحدة الترابية المغربية    توقعات أحوال الطقس اليوم الأربعاء    ابن يحيى: الأسرة تحظى بأولوية كبرى تنفيذا للتوجيهات السامية لجلالة الملك    مهرجان هوا بياو السينمائي يحتفي بروائع الشاشة الصينية ويكرّم ألمع النجوم    جسور النجاح: احتفاءً بقصص نجاح المغاربة الأمريكيين وإحياءً لمرور 247 عاماً على الصداقة المغربية الأمريكية    دوري أبطال أوروبا (ذهاب نصف النهاية): باريس سان جرمان يعود بفوز ثمين من ميدان أرسنال    الأهلي يقصي الهلال ويتأهل إلى نهائي كأس دوري أبطال آسيا للنخبة    الثقافة المقاولاتية لدى الشباب: من الفكرة إلى المشروع كيف أصبح مقاولاً ناجحاً؟    إيقاف روديغر ست مباريات وفاسكيز مباراتين وإلغاء البطاقة الحمراء لبيلينغهام    مؤسسة شعيب الصديقي الدكالي تمنح جائزة عبد الرحمن الصديقي الدكالي للقدس    نجاح اشغال المؤتمر الاول للاعلام الرياضي بمراكش. .تكريم بدرالدين الإدريسي وعبد الرحمن الضريس    مغربية يحتجزها زوجها المصري في 'سبيطار المجانين' بمصر.. الأسرة تستعطف 'سيدنا الله ينصره' التدخل لتحريرها    مسيرة تجوب العاصمة الاقتصادية بشعار "المساواة في الأعمال المنزلية"    صناع فيلم "البوز" يعرون النجومية الافتراضية وزيف "السوشل ميديا"    استئنافية خريبكة تؤيّد الحكم بسنة حبسا في حق البستاتي بسبب تدوينات مناهضة للتطبيع وداعمة لفلسطين    ارتفاع مبيعات الاسمنت بنسبة 4,5 في المائة خلال الفصل الأول من سنة 2025    بوريطة يتباحث مع رئيس الكونغرس ومجلس الشيوخ الكولومبيين    إحراق 19 طنا من المخدرات و652 قرصا مهلوسا كانت محجوزة لدى الجمارك بأسفي    باريس سان جيرمان يهزم أرسنال في ذهاب نصف نهائي أبطال أوروبا    نقابي: البطالة سترتفع بتطوان بعد عزم شركة إسبانية طرد أكثر من 220 عامل وعاملة    أمريكا تهنئ حزب رئيس وزراء كندا    هكذا انهارت الشبكة الكهربائية لإسبانيا في خمس ثوان.. أسباب محتملة    وزارة الأوقاف تحذر من إعلانات متداولة بشأن تأشيرة الحج    رئيس الحكومة يترأس اجتماعا لتتبع تنزيل خارطة طريق قطاع التشغيل    البيضاء…..ختام فعاليات الدورة السادسة من مهرجان إبداعات سينما التلميذ للأفلام القصيرة    "النهج": الحوار الاجتماعي يقدم "الفتات" للأجراء مقابل مكاسب استراتيجية ل"الباطرونا"    كيف يمكن لشبكة كهرباء أن تنهار في خمس ثوان؟    المغرب يدين أكاذيب الجزائر بمجلس الأمن: هوس مرضي وتزييف الحقائق    خبر مفرح للمسافرين.. عودة الأمور إلى طبيعتها في مطارات المغرب بعد اضطرابات الأمس    حقن العين بجزيئات الذهب النانوية قد ينقذ الملايين من فقدان البصر    اختبار بسيط للعين يكشف احتمالات الإصابة بانفصام الشخصية    دراسة: المضادات الحيوية تزيد مخاطر الحساسية والربو لدى الأطفال    يضرب اليوم موعدا مع تنزانيا في النهائي القاري .. المنتخب النسوي للفوتسال يحقق تأهل مزدوجا إلى نهائي كأس إفريقيا وبطولة العالم    أخبار الساحة    هذا المساء في برنامج "مدارات" بالإذاعة الوطنية: المؤرخ ابن خلدون … شاعرا    مؤسسة المقريزي تسدل الستار على الأسبوع الثقافي الرابع تحت شعار: "مواطنة تراث إبداع وتميّز"    عودة حمزة مون بيبي : فضيحة نصب تطيح بمؤثر شهير في بث مباشر وهمي    لقاء علمي بجامعة القاضي عياض بمراكش حول تاريخ النقود الموريتانية القديمة    دراسة: متلازمة التمثيل الغذائي ترفع خطر الإصابة بالخرف المبكر    اختيار نوع الولادة: حرية قرار أم ضغوط مخفية؟    التدين المزيف: حين يتحول الإيمان إلى سلعة    مصل يقتل ب40 طعنة على يد آخر قبيل صلاة الجمعة بفرنسا    كردية أشجع من دول عربية 3من3    وداعًا الأستاذ محمد الأشرافي إلى الأبد    قصة الخطاب القرآني    







شكرا على الإبلاغ!
سيتم حجب هذه الصورة تلقائيا عندما يتم الإبلاغ عنها من طرف عدة أشخاص.



الإنتصار الياباني على القوات الروسية يشكل بداية لانبعاث آسيا
الإسلام شكل دائما حافزا للدول الأسيوية لمناهضة القوى العظمى
نشر في المساء يوم 01 - 04 - 2011

كتاب «صدام الأصوليات» للمفكر البريطاني المعاصر ذي الأصل الباكستاني طارق علي، هو عبارة عن رحلة تاريخية تحليلية مادية تنقلنا إلى أعماق العلاقة بين الشرق والغرب،
وتتوقف عند أسباب نشأة الإمبراطوريات الحديثة واستراتيجياتها الإيديولوجية والاقتصادية. ينظر صاحبه في وجود الديانات السماوية ودورها في تعبئة الناس، وفي ظهور الطوائف والأصوليات والجهاد والحملات الصليبية، ينظر في الوهابية والأندلس والاستشراق والإمبراطوريات الغربية قبل أن يتطرق للإمبراطورية الأمريكية والثورة الشيوعية و«الحرب الباردة» والحداثة والكيان الصهيوني ونكبة الفلسطينيين و«العدوان الثلاثي» والثورة الإيرانية وحروب الخليج وأحداث 11 شتنبر 2001.
لقد سعى الوطنيون الأوائل، والعديد من الشيوعيين لاحقاً، إلى التوسط بين الزهد والعقلانية، بين التصوف والعِلم، من خلال تقسيم خيالي للعقل البشري إلى أجزاء مستقلة. فكل هجوم مباشر على الدين كان يعتبر غير مُوات. ولكنهم كانوا عندئذ، كما اليوم، يعرفون تمام المعرفة بأن العلاقة بين القوى الحقيقية، السلطة الدنيوية وليس الدين، التي تحدد شكل العالم. وكل التحالفات كان لها أن تُبنى على ضوء ذلك. ونتيجة لهذا، كان قطب الجاذبية الحقيقي ليس هو مكة، أو حتى إسطنبول العثمانية (التي عُقدت عليها آمال كثيرة على امتداد سنوات عديدة، غير أنها لم تقدم أية مساعدة جديرة بالذكر)، بل طوكيو. لقد استرعى تطور يابان مِيْجي الانتباه حتى من إسطنبول القصيّة. وقد أفعمت الآن تركيبة باخرة حربية عثمانية وصلت إلى سنغافورة عام 1890م، في طريقها إلى اليابان، حماس الأهالي المحليين. لقد استدعى اتجار الأوروبيين في العبيد استعمالَ العنصرية، ومن ثم، صار هذا لوحة حاسمة في السقالة الإيديولوجية للإمبريالية الأوروبية. ردّ الضحايا بخلق نظرة ضادة إلى العالم. وبينما كانت الباخرة «إيرتوغرولْ» راسية في سنغافورة، تساءل بعض الوطنيين المنفعلين فيما بينهم إذا لم يكن ذلك بداية حلف ياباني-تركي ضد الإمبراطوريات الأوروبية البيضاء.
قوبل الانتصار الياباني على البحرية التسارية (الروسية) عام 1905م بحماس في العالم المستعمَر وأعدَّ الأرضية ل«الإعادة النهائية» في 1905 بروسيا. لقد أصبح هذا بالنسبة للكثيرين نموذجاً لآسيا منبعثة، ورأى كثير من المثقفين الوطنيين في المستعمَرات «الشمس المشرقة» (اليابان) حليفاً ممكناً. في البنغال، كما في يافا، انتشرت الأنباء عن صعود اليابان وبلغت حتى الأرياف. وقد وفرت الثقافة التقليدية للأرخبيل انعطافاً صوفياً: بدأت إشاعات تروج حول «باخرة ضخمة ستخترق السحب وعلى ظهرها جيوش يابانية ستطيح بالهولنديين». هناك أمل آخر أكثر خيالية أعربت عنه «الإمام»، وهي مجلة إسلامية تصدر في سنغافورة، ويتمثل في أن اليابان، الذي يحتاج إلى اعتناق إحدى الديانات الكونية ليتسنى له التنافس في العالم الحديث، قد يختار الإسلام. لماذا؟ لأن الإسلام وحده هو الذي يضمن المساواة بين الأعراق، بينما المسيحية، التي هي ديانة الإمبراطوريات، لن تعامِل اليابانيين أبداً كأمثال. ولهذا السبب، كما سجلت المجلة، «لن يتفاجأ القارئ... إذا قلنا إن يابانياً مسْلماً سوف يصبح زعيم كل الشعوب شرق باب المندب (المدخل إلى البحر الأحمر)». حتى عندما اتضح بأن «الهلال والنجمة» لا يستطيعان تعويض «الشمس المشرقة»، ظلت المملكة اليابانية مصدر إلهام للحركة الوطنية الآسيوية. إلا أن رياحاً أخرى بدأت بدورها في الهبوب.
في 1914م، دشن الماركسيّ الهولندي هنريكْ سنيفليتْ «جمعية الجزر الهندية الديموقراطية الاجتماعية». كانت تتمثل في حفنة من الماركسيين، من ضمنهم «طانْ مالاكا وسيماؤونْ، اللذاْن سيصبحان فيما بعدُ مُؤسِّسي «الحزب الشيوعي الأندونيسي». وقبل ذلك، كانا قد انخرطا في «سريكات إسلام» للقيام ب «العمل الجماهيري». لقد وجه فوز الثورة الروسية (1917م) ضربة ضادة لكل من اليابان وحركة وطنية عشوائية. بدأ الآن أتباع طانْ مالاكا ورفاقه بالتحريض داخل صفوف «سريكات إسلام» بشكل علني في سبيل توجّهٍ وطني ثوري أوضح. وحضرت بعثة من المنظمة أشغال «مؤتمر كادحي الشرق» في باكو عام 1920م. وهنا بالذات، في حضور مئات البعثات من العالم الإسلامي، غلبت العاطفة رئيس الأممية الشيوعية آنئذ، غريغوري زينوفييف، فنادى العالم الإسلامي إلى إعلان الجهاد ضد كل الإمبراطوريات. وقد تضمن التصفيق إطلاق عيارات نارية في الهواء.
في 1921م، طالبت الزمرة الشيوعية من «سريكات إسلام»، التي كانت تتضمن بعض الذين أدوا مناسك الحج إلى مكة، بمنح نوبة للثورة خلال المؤتمر السنوي. ويمكن تقييم المزاج من كون حتى أكثر الردود اعتدالا (مِن طرف آغوس سليم) أكدت مراراً وتكراراً، ولو عن خطإ، على أن النبي محمّد قد دعا إلى الاشتراكية قبل ماركس باثني عشر قرناً. وكان سليمْ قد ندد ب «الروح الطيفية للحزب الشيوعي الأندونيسي» ودافع عن «الروح الصافية لسريكات إسلام». إلا أن «الحزب الشيوعي الأندونيسي» «غير الصافي» كاد أن يعصف بأرواح «الأصفياء». ما الذي يا ترى غير هذا كان سيُنتج الشخصية اللافتة لمحمد مصباح (1876 1926-م)، أو «الحاج الأحمر»، كما صار يُطلق عليه. المحاولات التي انطلقت في مختلف أنحاء العالم لخلق منظمات سياسية تمزج بين الإسلام والشيوعية باءت بفشل ذريع. ولكن من حين لآخر، كان الجهد ينتج أفراداً يجتمع في شخصهم انصهار الإثنين، والحاج مصباح هو أحد أولئك الأفراد. كان له دور هام في النضال ضد الاستعمار وتعرض للنفي إلى إريانْ بمعية مساجين «الحزب الشيوعي الأندونيسي» في أواخر عشرينيات القرن الميلادي العشرين.
بعد انقسام المنظمة، ذهب أغلب الأعضاء مع الراديكاليين. احتفظت «سريكات إسلام» بحضورها، ولكنها لم تعد تلك المنظمة الجماهيرية. وظلت كذلك إلى أن تلاشت بعد بضع سنوات. سوف يجد الأعضاء الأكثر حنيفية لأنفسهم مكاناً في المنظمات الإسلامية الحداثية، وينشق قليل منهم ليلتحق ب«نهضة العلماء»، التي تأسست سنة 1926م كرد فعل حنيفي على الإسلام الحداثي وانتقدت بشدة ممارسات العلماء التوفيقية والصوفية.
من المثير للاستغراب أن الإسلام الاستوائي قد أنجب ما سيصير في وقت لاحق أكبر حزب شيوعي خارج الصين وروسيا. كَبر «الحزب الشيوعي الأندونيسي». نظم نقابات وقاد إضرابات وأقام شبكة من الإصدارات. في ذلك الوقت، كان الحزب، على غرار الأحزاب الشيوعية الأخرى، يقبل بإملاءات موسكو، ولكن في المرات النادرة التي عُرضت عليه نصائح نافعة من العاصمة السوفياتية، اختار الحزب تجاهلها. في 1927م، حذرت موسكو من انتفاضة قبل الأوان في يافا، باعتبار أن الظروف المحلية لم تكن قد نضجت بعدُ. تجاهل «الحزب الشيوعي الأندونيسي» هذا التحذير فأطلق العنان للعصيان المسلح ضد الاستعمار. لم يكن الناس مُستعدّين فتمّ عزل الحزب بكل سهولة. الشيء اللافتُ أن المنطقتين الأكثر دينامية من حيث التمرد، بانْتينْ وسُوماترا، كانتا من بين أقوى المناطق المسلمة.
كان الانتقام الهولندي وحشياً على نحو مميّز. قتِل مئات الشيوعيين والمتعاطفين معهم رمياً بالرصاص، وألقي القبض على ثلاثة عشر ألفاً من الأندونيسيين، وسُجن أو طُرد ستة آلاف شيوعي. في السجن، رفض زعماء «الحزب الشيوعي الأندونيسي» رفضاً قاطعاً الإقرار بارتكابهم لأي خطإ. بل تهجموا بعنف على طانْ مالاكا، بصفته ممثلا للأممية الشيوعية، بسبب اعتراضه على الانتفاضة الثورية. وقد ظل هذا الموضوع ساخناً حتى عام 1965م. مهما يكن من أمر، لا تستطيع وضعية استعمارية أن تقمع شعباً لمدة طويلة، حيث سرعان ما ظهر في الواجهة جيل جديد، جيل العام 1945، الذي كان إمّا قد عاش أو شارك في هزائم اليابان وهولندا. كان جيلا واثقاً من نفسه، جيلا ساخراً، مُفعَماً بالأمل وجريئاً.



د. إسماعيل العثماني


انقر هنا لقراءة الخبر من مصدره.