في ظل الأمراض التي أصبحنا نعاينها في الآونة الأخيرة، والتي تعتبر أمراضا دخيلة, سببها العولمة والتقدم التكنولوجي، فالتلوث الجوي والضغوطات اليومية والضجيج, الذي تأكد علميا أنه سبب رئيسي في ارتفاع الضغط الدموي.. إذا أضفنا إلى كل هده العوامل النظام الغذائي «المعولم»، نكون قد وضعنا جهازنا المناعي أمام أزمة، فكيف لهذا الجهاز أن يقاوم كل هذه العوامل، مع أننا نعلم أن الجهاز المناعي هو «الجندي» الذي يحرس جسم الإنسان، وهو الجهاز المناطة به حماية الجسم من الأمراض وعلميا هو الجهاز المناطة به مقاومة كل الخلايا «الغريبة»، والتي تختلف عن خلايا الجسم، سواء كانت من الخارج، مثل الميكروبات والسموم، أو الأعضاء المزروعة؟... هناك المناعة الموروثة، وهي التي تولد مع الإنسان وتختلف من شخص إلى آخر. وللجينات الوراثية تأثير كبير فيها، حيث تحمل المرض من شخص إلى آخر. وهناك المناعة المكتسبة، وهي المناعة التي يكتسبها الإنسان بعد الولادة مباشرة، وأهم مصدر لها حليب الأم، فنجد مناعة الطفل الذي يتغذى على حليب أمه قوية جدا، والذي لا يتغذي على حليب أمه تجد المقاومة لديه ضعيفة، ولهذا أكد القرآن الكريم على الرضاعة لحولين كاملين لمن أراد أن يتم الرضاعة ويقوي جهاز مناعة الطفل. وقد تكلمنا في عدد ماض عن أهمية الرضاعة الطبيعية والجهاز المناعي يتأثر بالدرجة الأولى بالنظام الغذائي المتبع، أضف إلى ذلك العوامل الخارجية، كالتوتر والتلوث ونمط العيش وأمراض الجهاز المناعي، وتكمن في أمراض الجهاز الهضمي والجهاز التنفسي وأمراض الدم، وهناك أمراض تنشأ نتيجة اضطراب الجهاز المناعي، مثل أمراض العظام، من التهاب مفاصل وروماتيزم والعضلات والأورام، بالإضافة إلى الأمراض السرطانية، فحالة الشخص تلعب دورا مهما، حيث تؤدي الاضطرابات النفسية التي تسببها الأمراض إلى خلل في العمليات الفسيولوجية. وإذا بحثنا في مرض الاكتئاب نجد أن سببه هو حدوث تغييرات في كيميائية الإنسان، مما يحدث نوعا من الخلل في الهرمونات، والتي تؤدي جميعها إلى ضعف في الجهاز المناعي. وتتزايد الأمراض النفسية يوما بعد يوم، وكلها تؤثر -بشكل أو بآخر- على جهاز المناعة، نتيجة ما تحدثه هذه الأمراض في الرسائل المخية الكيميائية، مما يساعد على تغيير وظيفة الخلايا المكونة للجهاز المناعة، وبالتالي الضعف العام في هذا الجهاز الحيوي والأساسي في الجسم البشري، الأمر الذي يجعل الجسم يقف عاجزا أمام «غزو» الميكروبات له، فهناك علاقة كبيرة بين ممارسة الرياضة ونشاط جهاز المناعة في الجسم، فالرياضة عادة ترفع من كفاءة الجهاز المناعي، حيث تزيد ممارسة الرياضة من تنشيط جهاز المناعة، نتيجة ارتفاع نسبة خلايا الدم البيضاء، نوعية وعددا. وكما هو معروف، فإن وظيفة الكريات البيضاء الأساسية هي الدفاع عن أجسامنا ضد الأمراض المختلفة والمرح والضحك يعمل على «طرد» الاكتئاب النفسي. وقد أكدت الدراسات أن تجويع الخلايا وخلق البيئة الغذائية والغنية بالأوكسجين، هو أفضل للوقاية من أمراض السرطان على اختلاف أشكالها. يتعرض الإنسان خلال رحلة حياته للكثير من الأمراض والكثير من الاضطرابات الجسدية والنفسية، والتي تختلف شدتها، حسب العوامل المسببة لها، حيث تقول النظريات العلمية إن كل شخص لديه استعداد لتكوين خلايا سرطانية في جسمه، وبمجرد حصول اضطراب معين في خلايا الجسم، قد يؤدي الى تشكل الخلايا السرطانية. وقد أكدت عدد من الدراسات أهمية الغذاء في الحفاظ على صحة الإنسان وتقوية مناعته وأن تناول الخضر والفاكهة والابتعاد عن الدهون من شأنه أن يرفع كفاءة جهاز المناعة للجسم والابتعاد عن التوتر والتدخين، إلى جانب الحرص على ممارسة الرياضة. وتشير العديد من الأبحاث العلمية إلى وجود علاقة بين النظام الغذائي للأفراد ومدى كفاءة الجهاز المناعي لديهم، كما تشير الدراسات في هذا الموضوع، أيضاً، إلى أن التعزيز بالعناصر الغذائية قد يقوي وينشّط الجهاز المناعي، ولكنْ يجب الانتباه إلى أن استعمال بعض العناصر الغذائية بتركيزات عالية، في صورة فيتامينات أو أملاح معدنية أو أي عناصر أخرى قد يكون لها تأثير سلبي في كبت أو تثبيط الجهاز المناعي. وتؤثر العناصر الغذائية على نظام مناعة الجسم، نقص البروتين في الغذاء، مثلا، يؤدي إلى كبت المناعة وارتفاع معدل الإصابة بالأمراض المعدية ونقص البروتين والطاقة يؤدي إلى إضعاف البلعميات الكبيرة (ماكروفاج) كما يُحدِث نقصا في إنتاج الأجسام المضادة في الطحال ويؤدي إلى تثبيط وظائف المناعة المتكيفة والمناعة الخلوية، وبالتالي تزداد نسبة الإصابة بالأمراض المعدية، نتيجة انخفاض تركيز الأجسام المضادة ونقص في إنتاج «السيتوكينيز»، مثل «الأنترلوكين» و«الأنترفيرون»، ويؤدي نقص الدهون والأحماض الدهنية الأساسية إلى نقص الدهون في الغذاء، وبالتالي إلى تحسين نظام المناعة في الجسم. أما بالنسبة إلى نقص الأحماض الدهنية الأساسية، فإن ذلك يؤدي إلى تقليل تخليق مركبات «السيتوكينيز»، وبالتالي إلى خلل في مناعة الجسم. أما نقص الفيتامينات فيؤدي إلى نقص في إنتاج الخلايا الليمفاوية وكرات الدم البيضاء. ويؤدي نقص فيتامين «د» إلى ضعف الاستجابة ل«الأميونوجلوبيولين» ويضعف تكاثر الخلايا اللمفاوية والمقاومة العامة، بينما نقص فيتامين «ه» يضعف الاستجابة المناعية ويؤدي نقص في الأملاح المعدنية والحديد إلى قلة المناعة الخلوية والمتكيفة. ويقل تركيز الخلايا اللمفاوية ونشاط الخلايا القاتلة الطبيعية وإنتاج «الأنترلوكين 1» و«الأنترلوكين 2». أما النحاس فإن نقصه يؤدي إلى نقص في كرات الدم البيضاء، ويؤدي نقص اليود إلى التقليل من نشاط الخلايا البيضاء عديدة النواة (النتروفيلية).