استدعاء السفير الفرنسي في الجزائر.. حالة من الهوس المرضي الذي يعاني منه النظام الجزائري تجاه المغرب    تعيينات حكومية جديدة.. محمد خلفاوي كاتبا عاما لوزارة التعليم العالي    مأساة الطفلة ملاك.. بالوعة قاتلة تُعيد فتح ملف الإهمال بالمغرب    بعد محاولات إنقاذ صعبة لساعات... السلطات تعثر على طفلة ابتلعتها قناة للصرف الصحي ببركان    السيول تُلقي بطفلة داخل بالوعة الصرف الصحي ببركان وتجرف راع غنم بزايو    بوريطة يؤكد أهمية تعزيز الشراكة الاستراتيجية بين المغرب ودول مجلس التعاون في مواجهة التحديات الإقليمية والدولية    أخنوش :انتقاء مستثمري الهيدروجين الأخضر يبشر بدينامية "واعدة" تنسجم مع رؤية جلالة الملك    رسميًا.. إعلان موعد إقامة بطولة كأس العرب 2025    أمن طنجة يحبط محاولة تهريب أزيد من خمسة أطنان من المخدرات بضواحي مولاي بوسلهام    مقاييس التساقطات المطرية المسجلة خلال يوم واحد.. وهذه توقعات الخميس    حملة مراقبة تغلق محلَّات تجارية في شفشاون وتحجز حجز مواد غذائية غير صالحة للاستهلاك    "القسام" تلتزم باتفاق وقف الحرب    وكالة بيت مال القدس تواصل توزيع حصص الدعم الغذائي على أهالي القدس بمناسبة شهر رمضان    أسعار الخضر تواصل الارتفاع في شهر رمضان.. الفلفل يتجاوز 16 درهما والطماطم تستقر في 10 دراهم    المغرب يستضيف دوري دولي في "الفوتسال" بمشاركة أربع منتخبات    المغرب يشهد تساقطات مطرية مهمة في بعض مناطقه    سلسلة 'صلاح وفاتي' تتصدر المشهد على القناة الأولى وتحقق رقما قياسيا في نسبة المشاهدة    المجلس الوطني لحقوق الإنسان يتابع وضعية الطفلة المعتقلة ويدعو لعدم نشر صورتها    ممثل البنك الأوروبي للاستثمار يشيد بالتقدم الملحوظ للمغرب تحت قيادة جلالة الملك    بايتاس: 12 ألف منصب شغل مرتقب في منطقة التسريع الصناعي ببن جرير    مجلس الحكومة يصادق على مقترحات تعيين في مناصب عليا    الفنان ابراهيم الأبيض يطل علينا باغنية "أسعد الأيام" في رمضان    مرصد: مؤسسات الإيواء السياحي المصنفة بالمملكة تسجل 2,04 مليون ليلة مبيت    بايتاس يطمئن المغاربة بشأن مراقبة المواد الأساسية ويؤكد على الوفرة في المنتجات    على عتبة التسعين.. رحلة مع الشيخ عبد الرحمن الملحوني في دروب الحياة والثقافة والفن -06-    مانشستر يونايتد يدخل التنافس على خدمات نايف أكرد    "الفيفا" يدرس توسيع كأس العالم لكرة القدم لتضم 64 منتخبا    قمة الدول العربية الطارئة: ريادة مغربية واندحار جزائري    السلطات تمنع تنقل جماهير اتحاد طنجة نحو فاس لمؤازرة فريقها أمام "الماص"    جون ماري لوكليزيو.. في دواعي اللقاء المفترض بين الأدب والأنثربولوجيا    فصل تلاوة القرآن الكريم في شهر رمضان    توقعات نشاط قطاع البناء بالمغرب    تساقطات ثلجية وزخات مطرية قوية مرتقبة اليوم الخميس بعدد من مناطق المملكة    الملك يهنئ رئيس غانا بالعيد الوطني    الدريوش.. المحكمة الإدارية تقضي بتجريد 9 أعضاء بجماعة بن الطيب ورئيس وأعضاء بجماعة أزلاف    الأداء السلبي ينهي تداولات بورصة الدار البيضاء    شركة لإيلون ماسك تفاوض المغرب لتوفير الإنترنت عبر الأقمار الصناعية في الصحراء المغربية    قصص رمضانية...قصة الصبر على البلاء (فيديو)    سكينة درابيل: يجذبني عشق المسرح    الكاف: إبراهيم دياز السلاح الفتاك لأسود الأطلس وريال مدريد!    السمنة تهدد صحة المغاربة .. أرقام مقلقة ودعوات إلى إجراءات عاجلة    "مرجع ثقافي يصعب تعويضه".. وفاة ابن تطوان الأستاذ مالك بنونة    الفاتنة شريفة وابن السرّاج    السعودية تدعم مغربية الصحراء وتعتبر مبادرة الحكم الذاتي حلا وحيدا لهذا النزاع الإقليمي    كأس العرب قطر 2025 في فاتح ديسمبر    خبير يدعو إلى ضرورة أخذ الفئات المستهدفة للتلقيح تجنبا لعودة "بوحمرون"    تقارير تنفي اعتزال اللاعب المغربي زياش دوليا    بريظ: تسليم مروحيات أباتشي يشكل نقلة نوعية في مسار تعزيز الشراكة الاستراتيجية بين المغرب والولايات المتحدة    اليابان.. قتيل وجريحان في انفجار بمصنع لقطع غيار السيارات    قمة أوروبية طارئة بمشاركة زيلينسكي على ضوء تغير الموقف الأمريكي بشأن أوكرانيا    الأمم المتحدة تحذر من قمع منهجي لنشطاء حقوق الإنسان في الجزائر    وزارة الصحة : تسجيل انخفاض متواصل في حالات الإصابة ببوحمرون    عمرو خالد: 3 أمراض قلبية تمنع الهداية.. و3 صفات لرفقة النبي بالجنة    مسؤول يفسر أسباب انخفاض حالات الإصابة بفيروس الحصبة    مكملات غذائية تسبب أضرارًا صحية خطيرة: تحذير من الغرسنية الصمغية    عمرو خالد يكشف "ثلاثية الحماية" من خداع النفس لبلوغ الطمأنينة الروحية    في حضرة سيدنا رمضان.. هل يجوز صيام المسلم بنية التوبة عن ذنب اقترفه؟ (فيديو)    عمرو خالد: هذه أضلاع "المثلث الذهبي" لسعة الأرزاق ورحابة الآفاق    







شكرا على الإبلاغ!
سيتم حجب هذه الصورة تلقائيا عندما يتم الإبلاغ عنها من طرف عدة أشخاص.



عندما ساندت الولايات المتحدة الأمريكية الأنظمة الرجعية لمحاربة الشيوعية
ساندت أيضا الجماعات الإسلامية ضد عبد الناصر وأحمد سوكارنو
نشر في المساء يوم 10 - 03 - 2011

كتاب «صدام الأصوليات» للمفكر البريطاني المعاصر ذي الأصل الباكستاني طارق علي، هو عبارة عن رحلة تاريخية تحليلية مادية تنقلنا إلى أعماق العلاقة بين الشرق والغرب،
وتتوقف عند أسباب نشأة الإمبراطوريات الحديثة واستراتيجياتها الإيديولوجية والاقتصادية. ينظر صاحبه في وجود الديانات السماوية ودورها في تعبئة الناس، وفي ظهور الطوائف والأصوليات والجهاد والحملات الصليبية، ينظر في الوهابية والأندلس والاستشراق والإمبراطوريات الغربية قبل أن يتطرق للإمبراطورية الأمريكية والثورة الشيوعية و«الحرب الباردة» والحداثة والكيان الصهيوني ونكبة الفلسطينيين و«العدوان الثلاثي» والثورة الإيرانية وحروب الخليج وأحداث 11 شتنبر 2001.
في 1993م، قام صامويل هانتنطون، الذي كان في السابق خبيراً في مكافحة الشغب بإدارة جونسون في الفيتنام ثم مديراً لمعهد الدراسات الاستراتيجية بجامعة هارفارد، بنشر مقاله «صِدام الحضارات» في مجلة «فورين أفيرز» («الشؤون الخارجية»)، الذي أثار على الفور جدلا ساخناً في العالم بأسره. وكما أوضح هانتنطون لاحقاً، فقد «ضرب المقال على وتر الناس في كل الحضارات». تحَوَل المقالُ إلى كتاب، ثم إلى أحسن مبيعات الموسم بفضل أسامة بن لادن. لقد صار المؤلف نبياً. تقول أطروحة هانتنطون، التي تعدّ مجادلة ضد فرانسيس فوكوياما و«نهاية التاريخ»، إن الهزيمة الذريعة للشيوعية وضعت حداً للنزاعات الإيديولوجية، لكنها لم تعن نهاية التاريخ. ومن الآن فصاعداً، الثقافةُ، وليس السياسة أو الاقتصاد، هي التي ستسيطر على العالم وتقسّمه.
ذكر هانتنطون ثماني حضارات: الغربية، الكونفوشية، اليابانية، الإسلامية، الهندوسية، السلافية الأورثودوكسية، اللاتينوأمريكية وربما، الأفريقية. لماذا ربما؟ لأنه لم يكن متيقناً من أن أفريقيا متحضرة بالفعل. كل حضارة من هذه الحضارات تجسد أنظمة قيم يؤشر عليها الدين، الذي يرى فيه هانتنطون «ربما القوة المركزية التي تحفز الناس وتُعبئهم». والفارق الكبير حاصل بين «الغرب وغير الغرب»، لأن الغرب وحده هو الذي يثمّن «الفردانية والليبرالية والنظام الدستوري وحقوق الإنسان والمساواة والحرية وسيادة العدالة والديموقراطية والأسواق الحرة». لذلك وجبَ على الغرب (على الولايات المتحدة الأمريكية، في الحقيقة) أن يكون مستعداً للتعامل عسكرياً مع التهديدات الصادرة عن الحضارات المنافِسة. وأكبر تهديد، كما كان متوقعاً، تمثله الحضارتان الإسلامية والكونفوشية (النفط والصادرات الصينية)، اللتان لو اتحدتا لشكلتا تهديداً للحضارة-اللبّ في وجودها.
وينهي هانتنطون كلامه بإشارة شرّيرة: «العالم ليس واحداً. الحضارات تجمع البشر وتفرق بينهم... إلى الدم والعقيدة ينتسب الناس وعليهما سيدافعون ومن أجلهما سيموتون». غيره من الأصوليين لن يجدوا أي عناء في الموافقة على هذه الأحاسيس. هذا التحليل البسيط، والمناسب سياسياً، مدَّ واضعي السياسات والمُنظرين الإيديولوجيين في واشنطن وغيرها بقناع مفيد جداً. أصبح الإسلامُ يُعتبر الخطرَ الأكبر لأن أكبر إنتاج للنفط في العالم يتم في إيران والعراق والعربية السعودية. وفي الوقت الذي كان هانتنطون يكتبُ، كانت الجمهورية الإسلامية الإيرانية في الرابعة عشر من عمرها ولا تزال معادية ل«الشيطان الأكبر»، وقوة العراق الاجتماعية والاقتصادية والعسكرية ازدادت تآكلا بسبب الأعراض المتزامنة التي أعقبت «حرب الخليج»، لكن العربية السعودية ظلت ملاذاً آمناً، يقوم الجنود الأمريكيون بحماية مَلكيتها. لقد نظمت «الحضارة الغربية» (المدعومة في هذه الحالة بزميلتيها الكونفوشية والسلاڨية الأورثوذوكسية) الموتَ البطيء لثلاثمائة ألف طفل عراقي، فيما قام تحالف وهّابي ليبرالي ديموقراطي بحماية آبار النفط في الأقاليم الشرقية من المملكة العربية السعودية.
هناك نقطتان أساسيتان للردّ على هانتنطون والمتاجرين بالحضارة. العالم الإسلامي لم يكن وحدة متراصّة على مدى أكثر من ألف سنة. فالاختلافات الاجتماعية والثقافية بين مسلمي السنيغال والصين وأندونيسيا والبلاد العربية وجنوب آسيا تفوق بكثير الأمور التي يتشابهون فيها مع غير المسلمين من حاملي نفس الجنسية. على امتداد المائة سنة الأخيرة، أحس العالم الإسلامي، مثله مثل أي مجتمع آخر، بحماوة الحروب والثورات. لقد أثرت حرب السبعين عاماً بين الإمبريالية الأمريكية والاتحاد السوفياتي على جميع «الحضارات» بدون استثناء، حيث تبَرْعَمتْ الأحزاب الشيوعية ونمَتْ وكسبت دعماً جماهيرياً ليس فقط في ألمانيا اللوثرانية (نسبة إلى مارتن لوثر)، بل كذلك في الصين الكونفوشية وأندونيسيا الإسلامية. المنطقة الأنغلوسكسونية، التي تضم بريطانيا العظمى وأمريكا الشمالية، هي الوحيدة التي قاومت العدوى.
خلال عشرينيات وثلاثينيات القرن الميلادي العشرين، كان المثقفون في العالم العربي، شأنهم في ذلك شأن زملائهم الأوروبيين، مقسَمين بين الجاذبية الكوسموبوليتية (العوالمية) للماركسية التنويرية والتيار الشعبوي المعادي للتنوير بقيادة بنيتو موسوليني وأدولف هتلر. أما الليبرالية، التي كانت تعتبر إيديولوجيا الإمبراطورية البريطانية، فكانت أقل شعبية. والوضع اليوم ليس مختلفاً. بعض مناضلي عصابات المحاربين المسلمين في فلسطين والشيشان قرؤوا أعمال تشي غيفارا وفُو نْغويَنْ دْجاپْ. كما أن بعض المفكرين المسلمين في بداية الستينيات، مثل عليّ شريعاتي وسيد قطب، أثنوا على كتابات القومي المتشدد أليكْسيسْ كاريلْ التابع للمارشال پيتانْ والذي تدرَس أعماله بشغف في معسكرات التدريب التي ينظمها حزب «الجبهة الوطنية» الفرنسي.
بعد الحرب العالمية الثانية، ساندت الولايات المتحدة الأمريكية عناصر رجعية إلى أقصى الحدود لتكون مِتراساً ضد الشيوعية أو القومية التقدمية/ العلمانية. وغالباً ما كان هؤلاء أصوليين دينيّين متشددين، مثل «الإخوان المسلمون» ضد جمال عبد الناصر في مصر، و«الوحدة الإسلامية» («سَكيرات إسلام») ضد أحمد سوكارنو في أندونيسيا، و«الجماعة الإسلامية» ضد بوتو في باكستان، ولاحقاً أسامة بن لادن وأصدقائه ضد نجيب الله العلماني الشيوعي. وعندما سيطر الطالبان على كابول في 1996م، كان من بين أولى أفعالهم جرّ نجيب الله جرّاً من داخل مُركّب الأمم المتحدة الذي كان قد لجأ إليه واغتياله. وبعد القيام بذلك، قطعوا عضوه التناسلي وخصيتيه وحشوهم في فمه قبل أن يعلقوا جسده العاري أمام الملإ ليعرف سكان كابول الثمن الذي على الكافر بالله أن يؤديه. واستناداً إلى معلوماتي، لم يعرب ولو زعيم أو كاتب افتتاحية واحد في الغرب عن موقف مُعارض لما حدث. هل هو صِدام حضارات؟
هذا إن دلّ على شيء فإنما يدل على أن هناك إمبريالية محَنّكة كرست كل جهودها ولمدة طويلة من أجل تحقيق مصالحها الاقتصادية والسياسية والعسكرية. هيمنة الغرب جاءت نتيجة تقدمه العلمي والتكنولوجي. جاءت على مستوى إقليمي قبل 1917م، وعلى مستوى عالمي بعد ذلك، ومنذ زوال الاتحاد السوفياتي، انشغلت بإدخال تعديلات هامة. ومن بينها توسيع «الحلف الأطلسي» بغرض عزل روسيا عن الجمهوريات الجديدة في المنطقة والتأكد من أن المصالح الأمريكية مصونة بالشكل المرغوب فيه. هل ثمة من سبب وراء وجود «الحلف الأطلسي» غير التحكم في الأوروبيين؟ وهل من مبرر آخر لنفقات الولايات المتحدة الأمريكية الهائلة على الأسلحة غير حماية إرثها الامبريالي؟ إنها أقوى الإمبرياليات اليوم. لقد بلغت ميزانيتها المخصَّصَة للدفاع عام 2000م 267,2 مليار دولار، وهو مبلغ يفوق الميزانيات العسكرية للصين وروسيا والهند وألمانيا وفرنسا مجتمعة. وإذا أضفنا النفقات الأمريكية إلى نفقات «الحلف الأطلسي» واليابان وكوريا الجنوبية وإسرائيل، سنحصل على 80 في المائة من المجموع العالمي. الهدف الوحيد من وراء كل هذا هو الحفاظ على الهيمنة الأمريكية في علاقتها بحلفائها. إنها حماية العالم بالابتزاز، حيث تنتزع الولايات المتحدة الأمريكية ثمناً غالياً مقابل دفاعها عن مصالح بعض حلفائها. نذكر على سبيل المثال أن فائض اليابان التجاري واحتياطاته من الدولار هو ما ساعد الدولار على الاحتفاظ بصفة عملة التعامل الدولي.
واليوم، إذا كان عدد أعضاء الأمم المتحدة يبلغ 187 دولة، فإن الولايات المتحدة الأمريكية لها حضور عسكري في مائة دولة. وعِلماً منه بهذا الواقع، حذر زْبغنييف بْريجينسكي، وهو من كبار المُنظرين للإيديولوجيا الإمبريالية، روسيا في 1996م قائلا: «روسيا ممكنة الوجود كدولة، لكن لا أعتقد أن لها مستقبلا كإمبراطورية. إذا كان الروس أغبياء كفاية فليُجرّبوا، لأنهم سيورطون أنفسهم في نزاعات ستبدو معها الشيشان وأفغانستان أشبه بالنزهة». المهم أن القوانين لا تنطبق على الولايات المتحدة الأمريكية. فهم أقحموا أنفسهم في عدد من النزاعات: الصومال والبوسنة وكوسوفو. وما حدث في الصومال كان كارثة بجميع المقاييس، حيث استغلت الولايات المتحدة الأمريكية غطاء منظمة الأمم المتحدة الذي يزكي مبدأ «التدخل الإنساني» الجديد لتتدخل في البلاد.


د. إسماعيل العثماني


انقر هنا لقراءة الخبر من مصدره.