في فيلم «عمر المختار»، كان الجنرال الإيطالي غراتسياني يعاين قواته وهي تتعرض لوابل من النيران من جانب المقاومة الليبية. وفي فورة غضبه، لم يجد أفضل من وصف المقاومين بالفئران، وقال عبارته الشهيرة «ها هي الفئران تخرج من جحورها.. إنها لا تستطيع مقاومة رائحة الجبنة»، في إشارة إلى إصرار رجال المختار على المقاومة. وقبل أسابيع، لم يجد العقيد الليبي معمر القذافي، وفي فورة غضبه، أفضل من كلمتي «الفئران والجرذان» لكي يصف بهما الثائرين ضده، الذين خرجوا إلى الشوارع يعلنون تحديهم لهذا الزعيم الأحمق الذي حكم البلاد لأزيد من 42 عاما. هل هذا التشابه بين عبارات جنرال إيطالي فاشي وعبارات حاكم «عربي» اسمه القذافي مجرد صدفة؟.. أبدا. فالقذافي، ومنذ أن اندلعت الثورة الليبية، استنسخ كل أساليب الحرب الإيطالية ضد المقاومة الليبية واستعملها ضد شعبه. خلال الاستعمار الإيطالي، كانت القوات الإيطالية تقتل الناس في كل مكان، وبعد ذلك تأتي سيارات وشاحنات وتحمل الجثث إلى أماكن مجهولة حتى لا يكتشف الناس وحشية جيش موسوليني. واليوم، تقوم قوات القذافي بالشيء نفسه.. إنها تقتل في كل مكان ثم تأتي سيارات وشاحنات لنقل الجثث وإخفائها، وهذا ما شاهده الناس، صوتا وصورة، عبر قنوات تلفزيونية. كانت القوات الإيطالية لا تحب الأسرى، إنها تقتل فقط، ولذلك كانت عندما تجد جرحى تقوم بالإجهاز عليهم. وقبل أيام فقط، كشفت مصادر الثوار في ليبيا أن قوات القذافي تجهز على الجرحى والأسرى. في بداية الاستعمار الليبي، حاولت إيطاليا زرع التفرقة والفتنة بين القبائل الليبية. وعند بداية الثورة الحالية، قام القذافي بالشيء نفسه، إذ بدأ يزرع بذور الشقاق والفتنة بين القبائل لتطبيق مقولة «فرّق تسدْ». القوات الإيطالية تسببت في تشريد عشرات الآلاف من الناس وعزلهم في معسكرات الجوع والعطش، وهذا نفسه ما يراه الناس على الحدود الليبية التونسية أو المصرية.. عشرات الآلاف يعانون الجوع والعطش ويواجهون الموت. القوات الإيطالية مارست القتل الجماعي واستخدمت الطائرات والدبابات والمدافع لقتل المدنيين وقصف المنازل، والقذافي يتبنى اليوم نفس الطريقة ويستخدم نفس الوسائل، أي الطائرات والدبابات والمدافع، لقتل المدنيين. القوات الإيطالية كانت تقصف مخازن الذخيرة مخافة أن تستولي عليها قوات عمر المختار، وقوات القذافي تقصف مخازن الذخيرة مخافة أن يستولي عليها الثائرون. خلال المواجهات بين القوات الإيطالية والمقاومة الليبية، كان الإيطاليون يملكون أفضل أنواع الأسلحة، لكن المقاومة كانت تملك أفضل أنواع العزيمة والإصرار، وهذا بالضبط ما يحدث الآن بين قوات المعتوه معمر وبين المقاومة. القوات الإيطالية استخدمت عددا كبيرا من المرتزقة الأفارقة لمواجهة مقاومة رجال عمر المختار، والقذافي يقوم بالشيء نفسه، إذ يجلب عددا كبيرا من المرتزقة الأفارقة لمواجهة الثائرين. التشابه الغريب بين القذافي وإيطاليا لا يوجد في وسائل القتل فقط، بل هو أيضا تشابه شخصي مثير بين الزعيم الفاشي موسوليني والقذافي. فموسوليني كان مريضا بجنون العظمة، والقذافي أكثر منه جنونا. موسولويني كان يقول عن نفسه إنه مجد إيطاليا وأوربا والعالم، والقذافي قال عن نفسه إنه مجد ليبيا والعرب والعالم. موسوليني كان مهووسا بالنساء الشابات ويتحول إلى قط وديع بين أيديهن، والقذافي يصبح مجرد فأر بين يدي أول «ممرضة» تقف أمامه. لكن التشابه الكبير ليس فقط في أساليب القتل والتشابه الشخصي بين موسوليني والقذافي، بل في النهاية أيضا. فموسوليني، وبعد أن أحس باقتراب الهزيمة في الحرب العالمية الثانية، كان يقول إن أنصاره بالملايين ويطلب منهم دعمه، وبعد ذلك اكتشف أنهم لا يتعدون العشرات. والقذافي قال أيضا إن أنصاره بالملايين وطلب منهم الخروج إلى الشوارع لدعمه، فلم يخرج سوى عشرات. لكن أسوأ تشابه هو أن موسوليني تم إعدامه هو وعشيقته من طرف الشعب الإيطالي، حيث تم تعليق كل منهما من رجليه في ساحة عامة قرب محطة وقود، وصار الناس يرمون الجثتين بالرصاص والحجارة ويبصقون عليهما. ها هو القذافي، إذن، ينتظر أن يمثل الجزء الأخير والمثير من مسرحيته التي لا ينتظر أحد أن تكون نهايتها مختلفة عن نهاية مسرحية موسوليني.