مقاييس الأمطار المسجلة بالمملكة خلال ال 24 ساعة الماضية    إذاعة الجيش الإسرائيلي تؤكد مقتل يحيى السنوار        رويترز: دي ميستورا يقترح تقسيم الصحراء بين المغرب والبوليساريو والرباط ترفض    هزة أرضية بقوة 4.7 درجة تضرب وسط تركيا    توقعات أحوال الطقس ليوم غد الجمعة    عمر هلال: دينامية دعم مخطط الحكم الذاتي تعكس التأييد الدولي لرؤية المملكة من أجل مستقبل الصحراء المغربية    قمة الاتحاد الأوروبي تبحث طرد "الحراكة"    إيران تتوعد إسرائيل بضربة "موجعة"    مذكرة توقيف تلاحق رئيسة وزراء بنغلادش السابقة الشيخة حسينة    الحسين عموتة ينضم إلى قائمة المرشحين لتدريب المنتخب السعودي    الاتحاد الإفريقي يمنح المغرب تنظيم حفل جوائز "الكاف" 2024    عطية الله يستعيد الجاهزية مع الأهلي    تصفيات "كان" 2025: سفيان رحيمي يغيب عن مباراة الغابون بسبب الإيقاف    عجلة البطولة الاحترافية تعود للدوران بداية من غد الجمعة بعد توقف دام نحو 11 يوما    مزور تجتمع بوزير الذكاء الاصطناعي بالإمارات    إثيوبيا تبرز تطور العلاقات مع المغرب    أداء إيجابي في بورصة الدار البيضاء    توقيف 66 إرهابياً في عملية تنسيق مع الإنتربول تضم المغرب    توقيف عضوين في شبكة للاتجار بالبشر في الحسيمة    وفاة المغني البريطاني ليام باين جراء سقوطه من أحد الفنادق في بوينس آيرس    استنكار نقابي لتماطل الحكومة في عقد جولة الحوار الاجتماعي ودعوات للتكتل رفضا لتكبيل حق الإضراب    تحسن الوضعية الهيدرولوجية في 6 أحواض مائية يبشر ببداية جيدة للموسم الفلاحي    الفيلم المغربي "أرض الله".. عندما تتحدث روح الميت بسخرية إلى الأحياء!    دراسة تظهر وجود علاقة بين فصيلة الدم وزيادة خطر الإصابة بالسكتة الدماغية    المغرب يفشل مخططا جزائريا بئيسا بدورة البرلمان الدولي في جنيف    الهاربون من تندوف.. فيلم مغربي جديد من قصة مؤثرة مستوحاة من الواقع        البرلمان الأوروبي يدخل على خط قرار المحكمة الأوروبية الخاص باتفاقيات الصيد مع المغرب    زنيبر: المغرب ملتزم دائما بالدفاع عن قضايا حقوق الإنسان على المستوى الدولي    اكتشاف ‬نفطي ‬ضخم ‬بسواحل ‬الكناري ‬يطرح ‬من ‬جديد ‬مسألة ‬تحديد ‬الحدود ‬البحرية ‬مع ‬المغرب    كامالا هاريس تؤكد أن رئاستها ستكون مختلفة ولن تمثل استمرارا لسياسات بايدن    فرنسا تمنع إسرائيل من المشاركة في معرض يورونافال    ياسين عدلي: "اللعب لفرنسا قرار نهائي ولن أمثل الجزائر.. ولو اتصلوا بي في سن أصغر كما يفعل المغرب ربما كانت ستتغير الأمور"    زياش يثير فضول الجميع بحذفه لصوره مع المنتخب المغربي من مواقع التواصل الاجتماعي    حكيمي وبن صغير في التشكيلة المثالية للجولة الرابعة    الشامي: شراكة القطاعين العام والخاص ضرورية لتطوير صناعة السفن بالمغرب    الجديدة: زوج يجهز على زوجته ويرديها قتيلة    استياء جراء حرمان جماعة لبخاتي بإقليم آسفي من ثانوية–تأهيلية.. هل يتحرك بنموسى؟    أطباء ومحامون من الجديدة متورطون في ملف حوادث السير الوهمية    أخنوش يترأس افتتاح الدورة الثانية لليوم الوطني للصناعة بمدينة بن جرير    رئيس عمداء مدن أمريكا يشيد برؤية جلالة الملك في مجال التنمية    وزير الخارجية الإيراني يصل إلى مصر في زيارة نادرة    ماذا ‬بعد ‬خطاب ‬11 ‬أكتوبر؟    أسماء بنات من القران    نداء للمحسنين للمساهمة في استكمال بناء مسجد ثاغزوت جماعة إحدادن    مهرجان سلا للسماع والتراث الصوفي دعامة للدبلوماسية الدينية والفكرية بأبعاد روحية وجمالية    «ذهب أجسادهن» جديد عائشة بلحاج ضمن سلسلة إشراقات برعاية أدونيس    نقطة نظام .. النائبة البرلمانية النزهة اباكريم تطرح وضعية المواطنين بدون مأوى بجهة سوس    افتتاح المؤتمر الدولي للقيم والفنون بكلية الآداب والعلوم الإنسانية جامعة شعيب الدكالي    الناقد سينمائي واكريم يستعرض الجوانب الفنية لنجاح الفيلم السينمائي "على الهامش"    خنيفرة تستعد لاحتضان الدورة الخامسة لمهرجان إيزوران    الصحة العالمية: سنة 2024 شهدت 17 حالة تفش لأمراض خطيرة    دراسة: تناول كمية متوسطة من الكافيين يوميا قد يقلل من خطر الإصابة بألزهايمر    أعراض داء السكري من النوع الأول وأهمية التشخيص المبكر    الملك محمد السادس: المغرب ينتقل من رد الفعل إلى أخذ المبادرة والتحلي بالحزم والاستباقية في ملف الصحراء    أربعاء أيت أحمد : جمعية بناء ورعاية مسجد أسدرم تدعو إلى المساهمة في إعادة بناء مسجد دوار أسدرم    الزاوية الكركرية تواصل مبادراتها الإنسانية تجاه سكان غزة    







شكرا على الإبلاغ!
سيتم حجب هذه الصورة تلقائيا عندما يتم الإبلاغ عنها من طرف عدة أشخاص.



المنظور المستقبلي لنظام الجهة في المغرب
نشر في المساء يوم 05 - 03 - 2011

نلاحظ أن المشروع (مشروع الحكم الذاتي) لم يتطرق لكافة الاختصاصات التي يمكن تخويلها لجهة الحكم الذاتي، وقد تجد هذه الخطوة تبريرها في كونه يعد مقترحا قابلا للنقاش وأرضية
للتفاوض، لذلك نصت مقتضيات الفقرة ال17 منه على أن الاختصاصات التي لم يتم التنصيص على تخويلها صراحة ستمارس باتفاق بين الطرفين.
ولتحقيق تنميتها، تتوفر جهة الحكم الذاتي على الموارد المالية الضرورية، وتتكون من:
- الضرائب والرسوم والمساهمات المحلية المقررة من طرف الهيئات المختصة للجهة.
- العائدات المحصلة من استغلال الموارد الطبيعية المخصصة للجهة.
- حصة من عائدات الموارد الطبيعية المحصلة من طرف الدولة داخل الجهة.
- الموارد المخصصة للجهة في إطار التضامن الوطني.
- عائدات ممتلكات الجهة.
نلمس، إذن، أن للحكم الذاتي مفهوما نسبيا يطبق بصيغ مختلفة ويتباين حسب طبيعة المجتمعات التي تطبقه والاختلاف القائم بين الأنظمة السياسية السائدة فيها.
نخلص في الأخير إلى أن مشروع الحكم الذاتي يخص جهة الصحراء ويرتبط تطبيقه باتفاق تشرف عليه الأمم المتحدة. وقبل تحقيق هذه الغاية، فجهة الصحراء، على غرار باقي الجهات، ستحظى بنظام جهوية موسعة.
الفقرة الثانية.. نظام الجهوية الموسعة لباقي الجهات (في إطار اللامركزية)

شكل قانون الجهة الحالي، لحظة اعتماده، تحولا في سياسة اللامركزية الجهوية نحو محاولة التعميق مقارنة مع تجربة المناطق الاقتصادية، غير أن الممارسة العملية أبانت عن محدودية هذا النظام في تحقيق الأهداف السياسية والاقتصادية والاجتماعية نظرا إلى عدد من العوائق، وباقتراح الجهوية السياسية كحل لقضية الصحراء ترسخ الوعي (خاصة الرسمي) بضرورة الارتقاء بنظام الجهة وتطويره لاستغلال ما تتيحه الجهوية الموسعة من مكاسب سياسية وتنموية.
ونلمس هذا التوجه في عدد من الخطب الملكية، فإذا انطلقنا من خطاب العرش لسنة 2006 نجده يؤكد: «... كما أن هذه السنة تصادف مرور ثلاثين عاما على إقرار الميثاق الجماعي لسنة 1976 الذي تمت مراجعته وتطويره سنة 2002، وهي مناسبة يتعين علينا أن نجعل منها محطة لتقويم تجربتنا في مجال الديمقراطية المحلية لاستشراف ما نسعى إليه من توسيع نطاق الديمقراطية المحلية وتحقيق نجاعة السياسيات والبرامج العمومية. وفي هذا الصدد، يتعين علينا إعطاء نفس جديد لمسار اللامركزية والجهوية والعمل على أن يصبح التدبير اللامتمركز، بوصفه لازمة لخيار اللامركزية، قاعدة أساسية في جميع القطاعات العمومية ومقوما ضروريا للحكامة الترابية الجيدة»...
ويشير الخطاب الملكي بوضوح إلى إعطاء نفس جديد لمسار اللامركزية والجهوية والحكامة الترابية الجيدة، كما أكد هذه المحاور ضمن الخطاب الموجه إلى الملتقى الوطني للجماعات المحلية، المنعقد بمدينة أكادير يومي 12 و13 دجنبر 206، حيث أشار في هذا الشأن إلى «... الجهوية الواسعة التي نعمل جادين على تحقيقها»...
نلاحظ أن التوجه الرسمي يتوخى اعتماد نظام جهوية موسعة يندرج ضمن مفهوم الحكامة. وللإشارة، فإن هذا المفهوم يرتبط بعدة مفاهيم، كالتنمية والمجتمع المدني والمواطنة ودولة الحق والقانون، ويهدف إلى مسايرة التطورات والتحولات التي تطول مؤسسات الدولة ومؤسسات المجتمع المدني والعمل على إقرار أساليب جديدة في التدبير والتسيير تساعد على تذويب الحدود وكافة أشكال التقاطع والاختلاف السلبي بين مكونات المجتمع، من قطاع عام وقطاع خاص ومجتمع مدني ومجتمع سياسي، كما يرمي إلى تطبيق أشكال التنظيم الحديثة على المستوى المحلي من جماعة وإقليم وجهة.
لقد وضع الخطاب الملكي (المذكور) «خريطة طريق» اتبعتها الأحزاب السياسية، حيث تضمنت «برامجها»، بمناسبة الانتخابات التشريعية لسنة 2007، تصورا للعمل المحلي وتطوير بنياته، خاصة إعادة النظر في الجهات لتكون لها مقومات اقتصادية واجتماعية قابلة للحياة.
يمكن القول إن النهج المغربي هنا يسير على منوال النموذج الفرنسي، حيث إن نظام الجهة في هذا البلد لم يترسخ إلا بعد مسلسل من التطور، انطلقت منه الجهة في البداية كمشروع يتوخى إيجاد إطار فوق إقليمي لعدم تمركز مصالح الدولة، غير أن الضرورات الاقتصادية المتصلة بسياسات التخطيط وإعداد التراب جعلت الجهة تظهر كجهاز بسيط للإدارة المحلية، وانتقلت بعدها إلى جهوية محدودة.
وسيعرف نظام الجهة الفرنسية سنة 1982 تحولا معمقا أصبحت بمقتضاه جماعة ترابية فعلية على غرار باقي الجماعات المحلية، ونص القانون على انتخاب مجلس الجهة بالاقتراع العام المباشر، كما عمل على توسيع وتدقيق اختصاصاته وخول لرئيس المجلس السلطة التنفيذية.
أعاد الخطاب الملكي (بمناسبة ذكرى المسيرة الخضراء لسنة 2008) إصلاح الجهة إلى واجهة الحدث الوطني بتأكيده من جديد على عزم المغرب اعتماد نظام جهوية موسعة، حيث نص على ما يلي: «... قررنا فتح صفحة جديدة في نهج الإصلاحات الشاملة، التي نقودها، بإطلاق مسار جهوية متقدمة ومتدرجة تشمل كل مناطق المملكة...».
يتميز هذا الخطاب عما سبقه من خطابات ملكية بتحديده للأهداف والمرتكزات التي سيقوم عليها هذا المشروع والمقاربة التي ستتبع في بلورته، ويمكن اعتباره الخطاب المرجعي لنظام الجهوية المتقدمة:
- الأهداف: تتعلق بترسيخ الحكامة المحلية وتعزيز القرب من المواطن وتحقيق التنمية الجهوية المندمجة والاقتصادية والاجتماعية والثقافية.
- المرتكزات: ينبني هذا المشروع على ثلاثة مرتكزات أساسية، تتجلى في الوحدة والتوازن والتضامن:
ويحيل المرتكز الأول على أن أية جهوية لا يمكن أن تتم إلا في إطار وحدة الدولة والتراب الوطني، ويقوم التوازن على التحديد الحصري للاختصاصات المنوطة بالدولة وتمكين المؤسسات الجهوية من الصلاحيات الضرورية التي تقتضيها مهام التنمية في انسجام مع مستلزمات العقلنة والتكامل، ويقوم المرتكز الثالث على التضامن الوطني بأن يقترن تحويل الاختصاصات إلى الجهة بتوفير موارد مالية عامة وذاتية.
بالإضافة إلى هذه الأهداف والمرتكزات، نجد أن نجاح مشروع الجهوية رهين باعتماد تقسيم ناجع يتوخى إحداث جهات تقوم على التكامل الاقتصادي والجغرافي والاندماج الاجتماعي والثقافي.
كما أن حجم وطبيعة هذا الإصلاح يقتضيان نهج مقاربة تشاركية بمعناها الدقيق في بلورته عبر انفتاح اللجنة الاستشارية المكلفة بتقديم اقتراح وتصور عام حول نظام الجهوية الممكن تطبيقه في تجاوب مع خصوصيات وواقع المغرب.
إن نظاما للجهة في المنظور القريب يقوم على تكريس التمثيلية السياسية على مستوى الجهة باعتماد نظام الاقتراع العام المباشر مع التركيز خاصة على هيكلة وتأهيل المشهد السياسي لكسب رهان فرز النخب المحلية القادرة على التجسيد الواقعي لمطامح وغايات الجهوية الموسعة، تخويل رئيس المجلس سلطة تنفيذ المقررات والأمر بصرف الميزانية الجهوية بما يقتضيه ذلك من مراجعة لسلطات الولاة والعمال، توسيع الاختصاصات وتدقيقها بما يؤسس لتوزيع فعلي لسلطة اتخاذ القرار بين المركز والمحيط، حيث أصبح هذا العامل من المؤشرات الدالة على مدى تطور المجتمعات ومقياسا لدرجة الديمقراطية بها، التأسيس لنظام وصاية إدارية مصاحبة وتفعيل المراقبة القضائية، اعتماد تقسيم ينبني على التكامل والانسجام في إطار أقطاب حضرية مندمجة، بالإضافة إلى نظام مالي متكامل يكفل للجهة تنفيذ مخططاتها التنموية، تخويل الجهة بعض أوجه المراقبة على الوحدات اللامركزية الأخرى، مما يضمن في نفس الوقت التنسيق اللازم في تحديد البرامج الاقتصادية والاجتماعية وتنفيذها، يمكن اعتبار هذا النظام خطوة أولى وهامة وتحولا يؤسس لمسار سياسة جهوية متقدمة.
يمكن القول إن تحول وتطوير السياسة الجهوية بالمغرب أصبحت تمليهما عوامل داخلية جعلت المؤسسة الملكية تحاول استباق الأحداث بتخويل نظام الجهوية الموسعة لجميع الجهات، بما فيها جهة الصحراء (في المنظور الحالي)، إذ يبدو في ذلك احترام لنوع من المساواة بين المواطنين، وحتى لا يفهم من الأمر أن امتيازات تمنح للصحراويين دون غيرهم.
زيادة على باقي المكاسب السياسية والتنموية التي يخولها نظام الجهوية الموسعة، فهذا النظام يجعل بالخصوص جهة الصحراء تمر بمرحلة انتقالية وسطى تبدو ضرورية ومفيدة جدا لتجنب الانتقال، المباشر والمفاجئ إذا صح القول، من نظام جهوية إدارية تقليدية ومحدودة يطبقها المغرب حاليا إلى جهوية سياسية عند تطبيق الحكم الذاتي.
وبالإضافة إلى العوامل الداخلية، أصبحت تحضر في السياسة الجهوية المغربية عوامل دولية، من خلال مبادرة الحكم الذاتي الموجهة إلى المجتمع الدولي، كما أن هذا العرض سيكسب مصداقية قوية متى تم دعمه بإصلاح جهوي موسع يقوي الموقع التفاوضي للمغرب، ونستحضر كذلك الوضع المتقدم الذي حصل عليه المغرب في شراكته مع الاتحاد الأوربي، إذ لا يمكن اعتباره مجموعة امتيازات وحسب وإنما يشترط أن تواكبه إصلاحات جوهرية ومعمقة.
عموما، يمكن أن نتصور، في ختام هذه المقالة، أن السياسة الجهوية بالمغرب ستعرف، في تطورها المستقبلي، مسارين منفصلين ولكنهما مرتبطان: مسار جهوي تحكمه مبادئ الحكم الذاتي يطبق في الصحراء يستند إلى شرعية دستورية تدعمها معنويا شرعية دولية، ومسار جهوي لا مركزي يطبق في باقي الجهات يستند بالأساس إلى دعائم قانونية وسياسية متطورة ومفتوحة، أي متدرجة.
انتهى/
المسعيد عبد المولى - دكتور في الحقوق


انقر هنا لقراءة الخبر من مصدره.