مثلما هناك تسابق داخل أوساط المال والأعمال وبعض رجالات السلطة الذين كانوا، إلى وقت قريب، «يلعبون» داخل المربع الذهبي لتبييض ماضيهم والظهور إلى جانب السياسيين المعارضين في الندوات والجرائد والمجلات، هناك أيضا سباق محموم داخل صالونات الرباط والدار البيضاء من أجل الانقضاض على بعض المؤسسات والوزارات التي ستعرف تغييرات محتملة. وخلال الأيام الأخيرة، انتشرت أخبار تتحدث عن تعديل حكومي مرتقب، وذهبت بعض وسائل الإعلام المقربة من الأوساط المالية والاقتصادية إلى اقتراح اسمين للوزارة الأولى مكان عباس الفاسي الذي يبدو أن الحرائق التي اندلعت في تلابيب العالم العربي لا تعنيه كثيرا. فالرجل ذهب إلى قطر، ومنها كان ذاهبا إلى الكويت، ولولا أن الديوان الملكي اتصل به لكي يدخل على عجل لكي يوقع على مرسوم وزاري تم تأجيل نشاط ملكي في مراكش بسببه، لتابع «عباس الفرناس» طيرانه حول العالم. وطبعا، ليس من قبيل الصدفة أن يكون راديو «أطلنتيك»، التابع لمجموعة «إكوميديا»، هو من بادر إلى إطلاق اسمي جطو والطراب كاسمين مرشحين بقوة لشغل منصب الوزير الأول في الحكومة المعدلة «جينيا». فجطو كان أحد المساهمين في المجموعة التي يوجد راديو «أطلنتيك» ضمن أذرعها الإعلامية، وإطلاق اسمه كنوع من أنواع إطلاق بالونات الاختبار من طرف الأوساط المالية التي ينتمي إليها جطو ويدافع عن مصالحها. مع أن الهدف من وراء إطلاق هذه «الإشاعة» ليس هو جطو تحديدا وإنما مصطفى الطراب، المدير الحالي للمكتب الشريف للفوسفاط. فالذين يقترحون اسم مصطفى الطراب لكي يشغل منصب الوزير الأول لا يصنعون ذلك لأنهم يريدون الخير للبلاد باقتراحهم رجلا نزيها وعمليا وعلى درجة عالية من الكفاءة والذكاء لتسيير الحكومة في هذه الأزمنة الصعبة إلى غاية 2012، وإنما يصنعون ذلك لأنهم يريدون إزاحة الرجل من رأس أول شركة في البلاد وأكثرها مردودية للانقضاض عليها أخيرا، بعد محاولات كثيرة فاشلة. من هم هؤلاء الذين يريدون إبعاد مصطفى الطراب من المكتب الشريف للفوسفاط يا ترى؟ للجواب عن هذا السؤال، تكفي فقط مراجعة لائحة مساهمي شركة «راديو أطلنتيك». بالإضافة إلى الثلاثي عبد المنعم دلمي وزوجته ماريا طيريز (نادية صلاح)، وخالد بليزيد، الذين يملكون أسهم شركة «إكوميديا»، نعثر على ثلاث شركات مساهمة أخرى هي «أكسيون» و«سنيرجيا» و«كومينيكاسيون غلوبال». بالإضافة إلى هؤلاء، نعثر على أربعة مساهمين وأعضاء آخرين لمجلس الإدارة هم إدريس بنهيمة، المدير العام لشركة الخطوط الجوية الملكية، ومراد الشريف، المدير العام السابق للمكتب الشريف للفوسفاط، ومحمد بنصالح، وأمين العلمي مدير البنك الاستثماري «CFG» الذي يتقاسم أسهمه مع عادل الدويري وزير السياحة الأسبق. بالنسبة إلى مراد الشريف، فهو لن ينسى أبدا كيف غادر منصبه في المكتب الشريف للفوسفاط. وإذا كان لم ينته في السجن هو ومعاونوه، بسبب كل تلك الشركات التي أسسوها وأعطوها صفقات المكتب الشريف للفوسفاط وبسبب كل الاختلاسات التي حصرها مكتب المحاسبة الأمريكي الذي أتى به مصطفى الطراب قبل أن يضع رجله داخل الشركة، فلأن التعليمات التي صدرت آنذاك كانت هي ضرورة تجنب فتح مطاردات للساحرات في الإدارات التي كانت ترزح تحت الفساد. فعندما جاء محمد السادس إلى الحكم، أراد أن يطوي الصفحة وأن يبدأ عهدا جديدا. إحدى عشرة سنة بعد ذلك، نكتشف أن شهية الذين سرقوا ونهبوا المكتب الشريف للفوسفاط طيلة عقود طويلة، لازلت مفتوحة عن آخرها للعودة إلى هذه الشركة التي يعتبرونها كنزهم الضائع، خصوصا الآن عندما رأوا كيف أن الشركة أصبحت، في ظرف ست سنوات، تصنف من بين أكبر عشر شركات إفريقية، برقم معاملات سنوي وصل سنة 2010 إلى 40 مليار درهم جعلها تكون في صدارة الشركات المغربية. وبعد أن كانت قيمتها سنة 2006 تبلغ أقل من ملياري دولار، أصبحت قيمتها اليوم تساوي 20 مليار دولار، أي أن قيمتها تضاعفت على عهد مصطفى الطراب وفريق عمله بعشر مرات، وهذا إنجاز تاريخي لم تشهده هذه الشركة منذ إنشائها قبل تسعين سنة. الذين يزينون لدوائر القرار اقتراح اسم مصطفى الطراب لشغل منصب الوزير الأول يتكئون على كل هذه المنجزات والأرقام القياسية لكي يدعموا ترشيحهم. طبعا، ليس حبا في المرشح، وإنما حبا في منصبه الذي أعدوا منذ مدة من سيشغله. وهذا المحظوظ الذي تلمع سيرته «العطرة» الجرائد الاقتصادية والإذاعات، التي يملك فيها أسمها ويشغل عضوية إدارتها، ليس شخصا آخر غير إدريس بنهيمة الذي يحلم باليوم الذي سيدخل فيه المكتب الشريف للفوسفاط دخول الأبطال الفاتحين. وهكذا، عندما يطلق راديو «أطلنتيك» إشاعة قرب تنصيب مصطفى الطراب وزيرا أول، فإن ما لا يفصح عنه هو اقتراح بنهيمة، أحد مساهمي الراديو، لمنصب المدير العام للمكتب الشريف للفوسفاط. وطبعا، بمجرد ما سيأخذ بنهيمة مكانه على رأس الشركة سينادي على زميله مراد الشريف المساهم معه في راديو «أطلنتيك»، لكي يبعث من جديد عشرات الشركات في الداخل والخارج والتي كان يتعامل معها هذا الأخير عندما كان مديرا للمكتب الشريف للفوسفاط. وهكذا، سيتم ضرب كل المجهود الذي بذله الطراب وفريق عمله طيلة السنوات الأخيرة في الصفر، وستتحول الشركة من جديد إلى بقرة حلوب تصب مداخيلها في الحسابات البنكية السرية المعلومة والمجهولة. إن رجلا كمصطفى الطراب سيكون مفيدا للمغرب في المكان الذي يوجد فيه الآن. أما الذين يريدون دفعه نحو الوزارة الأولى، فهؤلاء لا يريدون للبلاد الخير لأنهم يعرفون أن عائدات الفوسفاط هي الدعامة الوحيدة التي يتكئ عليها الميزان التجاري المغربي. وعندما يتحدث وزير المالية عن ارتفاع الصادرات المغربية، فعليه أن يكون صريحا ويقول للمغاربة إن هذا الارتفاع سببه الوحيد هو ارتفاع نسبة تصدير الفوسفاط بفضل اكتشاف مصطفى الطراب لأسواق جديدة وزبائن جدد. «كون عولات الصادرات على مزوار كون سدينا شحال هاذي». ولأن مصطفى الطراب رجل برامج بعيدة الأمد، فإن وضعه في الوزارة الأولى لسنة واحدة ثم التخلي عنه يعني عمليا تضييع المغرب في كفاءة مهنية ووطنية عالية، لصالح «رباعة» من الفاشلين، على رأسهم بنهيمة الذي لم يدخل شركة إلا خربها وجعل أعزة أهلها أذلة. والدليل على جرائمه النكراء ما فعله ويفعله بأطر وموظفي وربابنة «لارام»، والذين يعاملهم كما لو كانوا مستخدمين في ضيعة تركها له والده. على القراصنة الذين يترصدون كنوز المكتب الشريف للفوسفاط أن يفهموا أن مصلحة المغرب أهم من أطماعهم وحساباتهم الصغيرة. وإذا كان المغرب لازال واقفا على رجليه إلى اليوم فبفضل عائدات هذه الشركة التي ستصل، خلال الخمس سنوات المقبلة، إلى 100 مليار درهم بفضل المشروع الاستثماري الضخم الذي وضعه مصطفى الطراب والذي سيجعل الشركة تضاعف إنتاجها مرتين. لذلك فتوقيف هذه الآلة في منتصف الطريق سيكون بمثابة جريمة نكراء وخيانة وطنية وضرب في الصميم للقاطرة التي تجر الاقتصاد الوطني خلفها. ما يحتاجه المكتب الشريف للفوسفاط حاليا ليس هو تغيير مديره، وإنما أن يبتعد عنه مصاصو الدماء الذين يجتمعون حول مؤسسة المكتب الشريف للفوسفاط حاملين ملفات طلبات الدعم والاحتضان. هذه المؤسسة التي يوجد على رأسها بلماحي، السفير المغربي السابق في الهند وبريطانيا، والذي وضع عائشة الحمومي، حفيدة مليكة الفاسي (ها حنا باقين فيه)، في منصب سكرتيرة عامة لها، مكلفة بإعطاء ميزانيات الدعم والاحتضان. بالعربية «تاعرابت»، يجب على المقربين من دوائر القرار أن «يعطو التيساع» لأموال الفوسفاط، وأن يتوقفوا عن حلب الشركة عبر «بزولة» مؤسساتها، بمعنى أنه على «مينا ميديا»، شركة فؤاد عالي الهمة، أن تتوقف عن ابتزاز الشركة بالصفقات الوهمية، كما على شركة مهرجان «موازين» أن تتوقف عن استنزاف مالية الشركة من أجل توزيع الدعم على الشركات المستفيدة من صفقات المهرجان، كما على علي الفاسي الفهري أن يتوقف عن «حلب» الملايير كل سنة لجامعة كرته من أموال الفوسفاط. هذا النهب يجب أن يتوقف. أما الدفع بأسماء الفاشلين وتقديمهم كمرشحين لشغل مناصب المسؤولية في الشركات التي يعول عليها المغرب لبقاء اقتصاده واقفا على رجليه، واقتراح أسماء الناجحين لشغل منصب وزير أول في حكومة تحتضر، فليس سوى دليل آخر على الجشع الذي يعمي عيون البعض فيجعلهم يدوسون مصلحة الوطن وهم «يضهصصون» باتجاه أطماعهم. إن المغاربة شعب له ذاكرة، وبقدر ما سيتذكرون كيف جعل مصطفى الطراب المغرب يحتل المرتبة الأولى عالميا في تصدير الفوسفاط والحامض الفسفوري، وكيف يسعى إلى جعل المغرب يحتل المرتبة الأولى عالميا في تصدير الأسمدة الكيماوية في أفق 2015، فإنهم سيذكرون أيضا كيف باع بنهيمة محطة «لاجليك» بالجرف الأصفر للأمريكيين بسعر مضحك وجعلنا مجبرين على اقتناء الطاقة منهم بعد ذلك بأسعار خيالية، كما سيذكرون كيف باع الأمريكيون الشركة المغربية للإماراتيين الذين أصبحوا بدورهم يبيعوننا الكهرباء الذي يصنعونه بفضل فحمنا الحجري الذي نهديهم إياه مجانا. «واش هاذي بلاد أعباد الله اللي الإماراتيين شادين لينا فيها الضو والسعوديين شادين لينا فيها البترول والفرانسيس كايعاودو لينا البيع فالما والضو ديالنا بدقة للنيف. واش ماشي هاذا هوا الاستعمار». لذلك، فالمغرب اليوم غير محتاج إلى تغيير الوزير الأول أو الوزراء، بل محتاج إلى إصلاح دستوري أولا، ثم إلى استعادة السيطرة على الشركات الوطنية الحيوية واستعادتها من أيدي الأجانب. ومن يعتقد أن الأمور ستحل لمجرد أن الوزير الأول سيتغير فهو مخطئ. فكأنما يطلب منك تغيير تصميم البيت لأنه مبني بشكل عشوائي، وعوض أن تهيئ التصميم الجديد لمباشرة البناء تسارع إلى تغيير النوافذ والباب الرئيسي.