غريب ذلك الفرح العارم الذي اشتعل في الناس بعد سقوط مبارك، فالمصريون هم الذين انتفضوا ضد حاكمهم المطلق الذي يحكمهم بقانون الطوارئ والمطارق منذ 3 عقود، لكن العرب شعروا وكأن مبارك كان يحكمهم جميعا وليس المصريين فقط. هذا أحد تجليات الوحدة العربية الحقيقية، أي أن الناس يحسون بشعور واحد ب«الحكْرة» وشعور واحد بالفرح بعد زوالها. ما جرى في مصر منح أيضا نفسا جديدا للإحساس بالعروبة. فقبل بضع سنوات، كان هذا الإحساس يتضاءل بين الناس ويكاد يتلاشى لأنه أصبح كلاما بلا معنى، فالعروبة صارت مرادفا لدكتاتورية الحكام وخنوع الشعوب وابتذال النخب وترسخ الجهل. اليوم، يتململ مصطلح «العروبة» قليلا وينتعش، ودليل ذلك هو مظاهرات الابتهاج بسقوط مبارك في أكثر من عاصمة عربية. ما جرى في مصر يدل أيضا على تنافس مثير نشب بين الشعوب العربية. فعندما قلب الأمن التونسي عربة المرحوم محمد البوعزيزي وجرى ما جرى، لا أحد وقتها توقع ما حدث. بنعلي قال: «ليذهب إلى الجحيم» عندما أبلغوه بوفاة البوعزيزي حرقا. وبعد أن ذهب بنعلي إلى الجحيم عوض البوعزيزي، أحس المصريون بأنهم ليسوا أقل شأنا من التونسيين، فتململوا بخجل ثم صار تململهم حركة هادرة ثم انتفاضة بالملايين، واستحق مبارك بدوره لقب «الرئيس المخلوع» وهو الذي سخر من المنتفضين في البداية وقال لمعاونيه «دعوهم يلعبون». ها هم لعبوا وانتهوا.. فما رأيك يا فخامة الريّس..؟ بعد سقوط مبارك، قرر الجزائريون أن يتململوا بدورهم وقرروا، السبت الماضي، جس نبض النظام الجزائري وخرجوا في مظاهرة محدودة، وهي مظاهرة بينت رعب النظام، حيث خرج ألف متظاهر فقط، بينما كان عدد أفراد الأمن يفوق 40 ألف فرد، يعني 40 شرطيا لكل متظاهر. يا لهُ من رعب.. الجزائريون عندهم حق في أن يغاروا من المصريين. فقبل بضعة أشهر فقط، نشبت بين الطرفين معركة داحس والغبراء بسبب مباراة لكرة القدم، وتأهل الجزائريون لمونديال جنوب إفريقيا لكرة القدم، ولم يحصدوا هناك غير الضباب، بينما استطاع المصريون أن يربحوا كأس العالم الحقيقي عندما أطاحوا بفرعونهم الذي كان يقول لهم «أنا ربكم الأعلى»، وربما لهذا السبب يحس الجزائريون هذه الأيام بأنهم المعنيون أساسا بثورة ما بعد مصر. المشكلة في الجزائر أن الجيش هو الذي يحكم، لذا لا ينبغي على الناس أن يتوقعوا في يوم ما التقاط صور تذكارية إلى جانب أفراد الجيش بعد سقوط الرئيس، فالجيش هو النظام، وهناك عبارة شهيرة تقول: «إذا كانت كل دولة تملك جيشا، فإن الجيش الجزائري يملك دولة». في اليمن، استبق الرئيس الأزلي، علي عبد الله صالح، ما يمكن أن يحدث ووعد الشعب بأنه لن يترشح مستقبلا ولن يورّث الحكم لأهله. لكن هذا الرئيس هو نفسه الذي قال نفس الكلام قبل حوالي سنتين، فخرج أنصاره يهتفون في الشوارع «نريدك أن تبقى يا زعيم». مؤخرا، خرج متظاهرون يطالبون بتنحي صالح، فتصدى لهم أنصاره. رئيس اليمن ينام على ولاءات قبلية وعشائرية موغلة في القدم، وهذا ما سيجعله، ربما، في منأى عن المخاطر، هو ومعه أنظمة أخرى في الخليج. الغيرة إثر ما يحدث في العالم العربي انتقلت هذه المرة حتى إيطاليا، حيث خرج الناس يشتمون رئيس الوزراء برلوسكوني، الذي يخصص بعض وقته لحكم البلاد حين لا يكون مشغولا بالنساء.