بعد إعطائه حوارين صحفيين في كل من «النوفيل أوبسيرفاتور» و«إلباييس»، حيث لخص موقع المغرب مما يحدث حوله بحتمية وصول الانتفاضة إليه، وبعد نشره لمقال رأي في «لوموند ديبوماتيك» حول الانتفاضات الأخيرة التي يشهدها العالم العربي، وجد الأمير مولاي هشام نفسه، في الدقيقة الأخيرة من حلقة ليلة الاثنين من برنامج «كلمات متقاطعة» على القناة الفرنسية الثانية، أمام سؤال مباشر ومفاجئ وصادم. وبذكائه الإعلامي ومكره السياسي الكبير، ختم منشط البرنامج «ييف كالفي» أسئلته إلى ضيفه مولاي هشام بسؤال يطرحه الجميع في السر: «هل تريد أن تطيح بابن عمك الملك من على عرش المملكة المغربية؟». فما كان من الأمير مولاي هشام سوى أن استنجد بسخريته السوداء لكي يسأل بدوره مقدم البرنامج: «في حدود علمي، فهذا البرنامج اسمه «كلمات متقاطعة» وليس «الروليت الروسية»». جواب الأمير كان ذكيا وعميقا، فلعبة «الروليت الروسية» هي إحدى أكثر الألعاب خطورة، وهي تفترض حشو اللاعبين لمسدس برصاصة وتصويب فوهته نحو صدغ اللاعب، المحظوظون ينجون بحياتهم عندما يضغطون على الزناد وتكون الطلقة فارغة، فيما اللاعب سيئ الحظ تكون الطلقة القاتلة من نصيبه. لقد نجح الأمير مولاي هشام في تشبيه سؤال «ييف كالفي» برصاصة الروليت الروسية، فهو عندما طرح عليه سؤالا مماثلا فكأنما أعطاه مسدسا محشوا برصاصة وطلب منه أن يغامر بالإجابة ممارسا اللعبة المميتة في برنامج مباشر يتابعه الرسميون والعسكريون والآلاف من المغاربة. الجواب ب«نعم» على سؤال «هل تريد أن تطيح بابن عمك الملك من على عرش المملكة المغربية؟»، سيضع الأمير في خانة الانقلابيين الذين يريدون الإطاحة بالملكية. والجواب ب«لا» سيجعل كثيرين يعيدون قراءة ما كتبه وصرح به الأمير حول الملكية بنظارات جديدة. هنا سيتدخل أحد الضيوف لكي يوضح السؤال أكثر ويسأل الأمير مباشرة: «هل أنت مع ثورة في المغرب؟». وهنا سيجيب الأمير إجابة حكيمة ويقول إنه مع التطور، أو ما سماه بالفرنسية l'évolution. وهي، طبعا، كلمة لا تنتمي إلى المعجم نفسه الذي تنتمي إليه مفردة «الثورة» La Révolution. الفرق بين الكلمتين هو حرف R، وهكذا بإسقاط حرف واحد من كلمة الثورة يتحول الأمير مولاي هشام من أمير révolutionnaire يبشر بالثورة القادمة والتي لن تستثني أي بلد عربي، إلى أمير évolutionnaire ينادي بالتطور. هكذا يكون الأمير مولاي هشام قد وضع النقاط على الحروف ووضح قناعته السياسية بشكل لا يدع مجالا للتأويل أو الشك. فالرجل لا يطلب الثورة للمغرب بل التطور، وهو المطلب الذي يتمناه ويناضل من أجله كل العقلاء والشرفاء في هذا البلد منذ الاستقلال وإلى اليوم. وإذا كان الأمير مولاي هشام، كباحث في العلوم السياسية ومحلل وكاتب رأي، يعرض أفكاره وقناعاته في وسائل الإعلام الأوربية والأمريكية، متيحا بذلك المجال أمام الجمهور العريض للاطلاع على توجهاته العامة وإبداء الاتفاق أو الاختلاف معه، فإن كثيرا من الذين يقدمون أنفسهم هذه الأيام كمحترفي ثورة على صفحات «الفيسبوك» لا يكاد يعرف أحد أفكارهم وقناعاتهم ومستواهم التعليمي والفكري. ببساطة لأنهم كانوا، إلى حدود الأمس، مجرد نكرات إلى أن اندلعت الانتفاضة الشعبية في تونس ومصر، فوجد هؤلاء الفرصة مواتية للعب أدوار البطولة والسعي نحو أضواء الشهرة. فهؤلاء الثوار، المعتصمون في غرف الدردشة، يعتقدون أن الانتفاضة في تونس ومصر كان كافيا من أجل إشعالها نشرُ نداء في «الفيسبوك» يحدد موعدا للتظاهر. والحال أن كرة الثلج التي تكونت في ميدان التحرير بالقاهرة ظلت تتجمع منذ العشر سنوات الأخيرة، بعد ظهور حركة «كفاية» وحركة أيمن نور والجرائد المستقلة كجريدة إبراهيم عيسى، وروايات علاء الأسواني التي كانت سباقة إلى تعرية الفساد المستشري في المجتمع المصري. كل هذه الحركات مجتمعة هي ما أعطى للمصريين تلك الشحنة التي حررتهم من الخوف وجعلتهم يصرخون في الشوارع مطالبين برحيل الديكتاتور. ولعل الخطأ الكبير الذي يقع فيه أغلب المحللين هو أنهم يعتقدون أن موجة الانتفاضة الشعبية انطلقت من تونس لكي تجتاح بقية الدول العربية، والحال أن الموجة انطلقت من مصر قبل أن تعود إليها. فطيلة السنوات الأخيرة، شهدت مصر حراكا حقوقيا وإعلاميا وسياسيا كبيرا، أعطى حركات اجتماعية منظمة وجدت في وسائل الاتصال الحديثة الطريقة المثلى للتعبير عن نفسها. هنا فقط أصبح للمدونات وصفحات «الفيسبوك» دور في تعميم الغضب والاحتجاج، وأصبح أصحاب هذه المدونات شخصيات عمومية معروفة تساهم في النقاش العمومي. نحن أيضا في المغرب لدينا حركة تأسست في «الفيسبوك» أطلق عليها أصحابها «حركة حرية وديمقراطية الآن»، حددت يوم 20 فبراير موعدا للتظاهر السلمي والمتواصل إلى حين تحقيق ستة مطالب تراها الحركة مستعجلة، وترى أن التوقيت الحالي مناسب جدا لليّ ذراع النظام من أجل تطبيقها. هذه المطالب هي مراجعة الدستور المغربي وتقليص صلاحيات الملك، حل البرلمان بغرفتيه، إقالة الحكومة، تشكيل حكومة مؤقتة، إطلاق سراح المعتقلين السياسيين، إحداث تعويض عن البطالة. عندما يطالب الأمير مولاي هشام بإجراء إصلاحات دستورية، فنحن على الأقل أمام شخص معروف ولديه وضع اعتباري وكتابات يمكن العودة إليها لمعرفة الخلفيات التي تحرك طموحه السياسي والفكري. في حالة «رشيد سبريت زاطا»، وهو الاسم الذي اختاره صاحب النداء الموجه إلى المغاربة من أجل التظاهر يوم 20 فبراير لتسمية صفحته على الأنترنيت، فالأمر يطرح عدة أسئلة حول هوية الشخص ومحركاته وأفكاره وقناعاته. وتكفي، لتكوين فكرة واضحة عن الشخص الذي يريد أن يتزعم الانتفاضة المغربية، العودة إلى مقالاته حول السياسة والدين والمجتمع، وهي المقالات التي ينشرها على مدونته منذ سنوات، بكثير من الأخطاء النحوية والإملائية والتعبيرية. وواضح أن من يقرأ مقالات الأخ «رشيد سبيريت زيطا» يفهم أن الرجل لديه نزوع نحو اقتسام حياته الشخصية مع الآخرين، وإلا فليس هناك ما يجبره على الحديث عن «خرجاته» الليلية في البارات والكباريهات. لنستمع إليه يحكي عن مغامراته الليلية في مقال عنونه كالتالي oof c'est formidable: «بالأمس تذوقت الحشيش مع أحد الأصدقاء، وبالأمس أيضا نمت مع فتاة اللحم على اللحم. عذرا، هذا يكسر الصورة التي كونتم عني كزعيم وطني». في مقال آخر بعنوان «الناس علاش قادة»، يقول: «بالأمس ذهبت لكي أشرب كأسا مع وجوه من العمل.. العلبة الليلية كانت ممتلئة عن آخرها. أحد رفاق العمل من الذين يقدمون أنفسهم كرؤساء كان يشرب مثل حلوف حقيقي. كان يشرب الروج كما لو كان ماء، وكان يملأ كأسي عن آخره. حاولت أن أرفض بأدب مكتفيا ببيرتي، لكن أمام إصراره قبلت كأسا، ثم كأسين، ثم ثلاثة. وهكذا وجدت نفسي فجأة مرفوعا على متن «الطيارة» إلى السماء. في البار، بجانبي كانت هناك فتاة رفضت أن تشرب لأن اليوم كان أول أيام السنة الهجرية. بدون تعليق». هذا في ما يتعلق بجانب من الحياة الشخصية التي حرص متزعم نداء 20 فبراير على اقتسامها مع أتباعه من قاطني غرف الدردشة. هؤلاء المدونون، الذين قال فيهم ما لم يقله مالك في الخمر في مقاله المعنون «ياك لاباس»، عندما قال في حقهم «هؤلاء المدونين المعقدين الذين يقذفون أمراضهم وغباءهم في الشبكة... هؤلاء الجبناء الذين يفضلون الاختباء وراء شاشاتهم وتدبيج الحماقات وإخفاء بشاعتهم». لكن رغم ذلك، فالأخ رشيد يبحث عن شيء ما وراء مدونته، وهذا الشيء يفصح عنه في مقال له بعنوان «بدون تعليق» عندما يعبر عن أسفه على تجاهل الزوار لمدونته قائلا: «أشعر بالخذلان عندما أرى الأعداد الكثيرة للذين يزورون موقعي ولا يتركون أثرا لزيارتهم يعبرون من خلاله عن إعجابهم بالموقع أو رفضهم له. لا أحد يقول أنا مع أو ضد أو ببساطة: موقعك ليس سوى زبل». هذا التجاهل من طرف الزوار تحول فجأة إلى نقيضه عندما أعلن عن موعد 20 فبراير، وبذلك تحققت أمنيته ولم تعد صفحته يتيمة. وعندما نعود إلى مقالاته السابقة، نفهم أن الرغبة الجامحة في بلوغ الشهرة كانت دائما تحدوه. وفي أحد مقالاته حول «السلطة وحصان طروادة»، يقول: «لسنا في آخر المطاف سوى أحصنة طروادة للسلطة والشهرة... لا أحد يستطيع أن يقاوم الرغبة في أخذ الطريق السريع نحو السعادة». إنه لمن المدهش ملاحظة التغيير السريع الذي طرأ على أفكار شخص يطالب اليوم بخوض حركة احتجاجية من أجل تقليص صلاحيات الملك لصالح الحكومة والبرلمان، مع أن الشخص نفسه كتب بالحرف في موقعه، متسائلا: «في أيامنا هذه، نطالب الملك بالتخلي عن سلطاته للشعب، أي شعب، الشعب المنافق والأناني، «هو يتنازل على السلطات وهوما ياكلوه»». لكن ما يبعث على الدهشة حقا في «فلسفة» قائد حركة «حرية وديمقراطية الآن» هو مواقفه من الدين. وفي أحد مقالاته حول الإسلام، يقول بوضوح: «بالنسبة إلي، فأصل تخلفنا وبؤسنا وكل عقدنا هو الدين. عندما نقرأ القرآن نشعر أن الله لديه شيء ضدنا. إنه غاضب منا ويحاول بكل الطرق أن يسير تصرفاتنا، رغم أنه هو من خلقنا في هذا العالم. ماذا يعني كاف هاء عين صاد، التخربيق، القرآن خطاب، والخطاب يجب أن يكون واضحا ومفهوما. إرسال الرسل والكتب السماوية تبدو لي فكرة مضحكة. إذا كان الله قويا بالفعل فإنني أتساءل حول قدرته على التدخل المباشر». ولأن «الثورة» تحتاج دائما إلى الشعر، فقد دعم زعيم حركة «حرية وديمقراطية الآن» موقعه بمقاطع شعرية تقول كل شيء حول اختياراته «النضالية» في هذه الحياة، خصوصا الأبيات التي تقول: «لا ورد لي سوى دفلى شائخة وقنب هندي يهديني سبل الرشاد. لا ماء يرويني سوى ماء النبيذ الفائر يقايضني ألمي بجنة خضراء وأنهار الفرح وحواري من ريش». هذه بعض أفكار ومبادئ قائد ثورة 20 فبراير المغربية. غدا نتابع لكي نتعرف على بقية «الثوار» ونتعرف على محركاتهم، حتى يكون الشباب على بينة من أمره، ويكون رفضه أو انضمامه إلى هذه الحركة مبنيا على معرفة ناضجة، لا على الحماس والتنطع.