بعد أن رفض الجنرال عمار الامتثال لأوامر بن علي بتعنيف المتظاهرين، وجد الرئيس نفسه في موقف حرج، خصوصا وأن عمار أخبره بأن الشرطة والجيش سوف يحاصران القصر الرئاسي وسوف يتم الانقلاب عليه، وهكذا فر الرئيس، الذي كان بعض معارضيه يزعمون إصابته بسرطان البروستات، وهو في حالة هلع، إلى درجة أنه ترك ابنته حليمة البالغة 18 سنة وراءه لتعود بعدها السيارات الرئاسية لاصطحابها. وفي الوقت الذي قال فيه البعض إن ليلى الطرابلسي فرت إلى دبي، يوم 12 يناير الماضي، مع ابنها الصغير محمد، كان بن علي يتابع تطورات المظاهرات على «فايسبوك» و«تويتر»، كما أنه كان يصر على توصله بتقارير عن عمليات التنصت على المكالمات الهاتفية. كان يريد معرفة كل شيء، فقد كان ينام في الساعة الثالثة صباحا ويستيقظ قبل السابعة لكي يباشر لقاءاته.
أما ليلى، التي يقال إنها كانت تدعو زوجها من دبي للصمود، فيبدو أنها كانت أكبر خاسر في هذه الثورة. عرفت مصففة الشعر هذه كيف تستغل المشاكل الصحية التي كان يعاني منها بن علي لكي تطلق العنان لسلطويتها منذ الثمانينيات.
رجلان سوف يسهلان صعود ليلى الطرابلسي إلى القمة، أولهما عبد الوهاب عبد الله، بروفيسور سابق في جامعة الحقوق بكان، والذي كان يشغل منصب وزير الإعلام في عهد بورقيبة وقد كان يشتغل في الخفاء مع زين العابدين في 1987.
وكان عبد الله، الناطق الرسمي باسم الحكومة التونسية، قد أنشأ الوكالة التونسية للاتصال الخارجي، والتي كانت العدو اللدود للصحافيين التونسيين. التقى بن علي ليلى سنة 1984 في حفل كان مكتظا بالنساء، حسب أحد المقربين. عاش بن علي وليلى قصة رومانسية في الخفاء حيث شهدت ولادة نسرين الابنة الأولى لزين العابدين من ليلى، وكان السكرتير الخاص للقصر عربي عيسى هو الذي يساعد في إخفاء ليلي الطرابلسي. وحتى بعد طلاق بن علي من نعيمة الكافي الزوجة الأولى للرئيس، ظلت علاقة بن علي وليلى الطرابلسي غير رسمية. وفي سنة 1995 أنجبت ليلى للمرة الثانية، وإثر ذلك خرج عبد الله للإعلام لإبلاغهم بأن ليلى أنجبت ذكرا، وبهذا أصبح لابن علي أول وريث ذكر. وفرحا بهذا المولود الذكر، قرر بن علي الزواج بليلى الطرابلسي، وبعد 6 أشهر أنجبت فتاة أخرى. أما الرجل الثاني الذي لعب دورا كبيرا في حياة حاكمة قرطاج فهو عبد العزيز بن دهية، وهو مستشار آخر بالقصر وبفضله تمكنت ليلى من الحصول على دبلوم من جامعة تولوز بالمراسلة. وبعد إعلان زواجهما رسميا، نسجت ليلى شبكة محكمة حول زين العابدين. ويقول منصف الشريف إنها كانت تلجأ للشعوذة لكي تتحكم فيه. ولقد حاول صهر بن علي، سليم شيبوب، ردع جشع ونزوات ليلى، وبهذا شهد القصر، حسب أحد المقربين، انقساما بين العائلة القديمة والقادمين الجدد، أي عائلة الطرابلسي، ويضيف «كانت هي التي تأمر وتنهي في القصر ولا كلمة تعلو على كلمتها وكانت كثيرا ما تقاطع الرئيس لتبدي رأيها أما هو فقد كان جد مسالم».
هذه الحاكمة المستبدة كانت تبدو جذابة في العلن، لكنها كانت تخفي وجها آخرا تتعامل به في الكواليس. كانت تسرف في صرف الأموال وشراء العقارات وفي تحقيق كل نزواتها، وكان ذلك يطال حتى أفراد عائلتها الذين كانوا يستفيدون من أموال لا تعد ولا تحصى وكانوا يتحكمون في أغلب القطاعات الحيوية بتونس.
كما أنها نجحت في إزاحة سليم شيبوب من طريقها، بل أكثر من ذلك، لا تستطيع بنات الرئيس من نعيمة الكافي رؤية بن علي إلا بعد أخذ موعد. وكانت ليلى تفكر جديا في خلافة زوجها، لذلك كلفت عبد الله بالتحرك لكي تسلط الصحافة عليها الأضواء، ويقول أولئك الذين التقوا ليلى وحاوروها بأنها امرأة أنيقة وجذابة كانت تحاول جاهدة إخفاء جهلها الكبير. ويقول أحد المقربين إن صخر الماطري هو الوحيد الذي كان يتجرأ على الوقوف في وجه ليلى، فقد كان يصف عائلتها بالوصوليين والشعبويين وهذا ما لم تكن ليلى الطرابلسي تتحمل سماعه. ومن جهته، صرح ناصور كرسي، مدير البنك المركز التونسي، بأن ليلى الطرابلسي أخذت بالفعل طنا ونصف طن من الذهب منذ سنتين، وأودعته بلندن ولا أحد يعرف مآل ذلك الكم الهائل من الذهب.
وحاليا يوجد بن علي وعائلته الصغيرة في الرياض بقصر الملك سعود بعد أن حلا أولا بمدينة جدة في قصر الملك فيصل.