نالت نكهات وروائح وأزياء وأهازيج أصيلة من المغرب العميق الكثير من إعجاب الألمان، الذين ارتادوا رواق المغرب في المعرض الدولي في برلين «الأسبوع الأخضر»، الذي يحضره العالم بأسره كي يعرض ما تتميز به البلدان في مجال التغذية والبستنة والتسويق.. وقد اختار المغرب عرض منتوجات بسيطة، لكن عميقة في تجذرها في الأرض، فقد تعرَّف زوار المعرض على زعفران تالوين وكلمنتين بركان وزيت الزيتون وزيت الأركان وعلى الفواكة المجففة والأعشاب العطرية والطبية وعلى الصبار والكسكس المنسم بالأعشاب... منتوجات حرص وزير الفلاحة والصيد البحري، عزيز أخنوش، على أن يؤكد كلما سئل عن سر اختيارها، أنها تحيل على العمل الصبور في المناطق الفقيرة، التي يراد لها أن تفك العزلة عن طريق تثمين منتوجاتها المتنوعة والأصيلة. مسارات بالكثير من الفخر، يقصون مساراتهم المدهشة في تثمين المنتوجات المحلية، فتلك جمعية رفعت في بداية نشأتها شعار النهوض بالمرأة والدفاع عن حقوقها وتقديم دروس الدعم، لكنها ما لبثت أن أدركت أن تحسين أوضاع المرأة يمر عبر الأنشطة المدرة للدخل، فكانت الفكرة التي قادت إلى التوجه نحو تقطير الأعشاب الطبية والعطرية، وتلك جمعية أسسها شباب من حاملي الشهادات، اهتدوا إلى تثمين «الكبّار» في آسفي، وهذه تعاونية من الصويرة أسستها نسوة، بعد أن لاحظن أن الأعشاب الغابوية تنتهي بين أيدي وسطاء لا يحملون لها «ودا»، فقررن الغوص في ما تحمله تلك الأعشاب من أسرار وشرعن في تثمين اليزير والزعتر والخزامى، حيث منها يصنعن نوعا من الصابون، الذي يعبق بروح الأعشاب، وتلك تعاونية قدمت من الرحامنة كي تعرض الكسكس المنسم بالأعشاب، وهي تقول إنها أول تعاونية تستخرج من قلب الصبار نوعا من الكسكس، تترقب أن تتمكن من تسويقه بعد مرحلة التحاليل التي تجريهاها الجهات المختصة، وتلك جمعية من تاونات تنكب النساء فيها على تجفيف الفواكه التي تُعرَف بها المنطقة.. وهذه تعاونية من سيدي إفني أعادت إلى نبات الصبار الكثير من الاعتبار، عندما لم يعد محصورا في «الكرموس الهندي»، بل استخرجت منه مربي ومسحوقا للتجميل ودقيقا وزيتا يباع اللتر منه بآلاف الدراهم.. وتلك جمعية تعرض أمام ناظريك بالكثير من الفخر شهادة العلامة المميزة للمنشأة والجودة... ذلك غيض من فيض ما اهتدت إليه المئات من التعاونيات والجمعيات في المغرب، التي تسعى إلى محاربة الفقر بما أوتيت في مناطقها من منتوجات محلية، غيَّر الكثير في حياه الناس فيها، حيث فتحت أمام الفاعلين فيها آفاقا رحبة للحلم ببلوغ الكثير من الأسواق عبر العالم.. محرضها في ذلك إيمان عميق بأن المنتوجات التي يقترحونها تحتوي على الكثير من السحر والجاذبية التي لا يخطئها الذوق السليم، كما تلك الفرقة الموسيقية التي جاءت من أيت باعمران، كي تبث في قلوب الزوار من الألمان الكثير من الدفء، حيث رقص بعضهم على الإيقاعات التي لا تقل في أصالتها عن المنتوجات المحلية التي عُرِضت في الرواق المغربي. هواجس لكن يبدو أن تثمين المنتوجات المحلية لا يكفي، فثمة هواجس ما زالت تسكن بعض المشاركين في معرض برلين، والذين لا يترددون في التعبير عنها، هم يطرحون في غالب الأحيان مشكل التسويق في السوق المحلي و لخارجي على حد سواء، بعضهم يجد صعوبة في تسويق منتوجه في السوق المحلي وآخرون يطرحون التساؤل حول السر وراء عدم إقبال المستهلك المغربي على المنتوج المحلي الأصيل، فرئيس تعاونية «تيوت» في الشياطمة لا يستسغ ألا يقبل المستهلك على» زيت الزيتون»، الذي تنتجه الجمعية التي بذلت الكثير من الجهد خلال ثلاث سنوات من أجل الحصول على شهادة العلامة المميزة للمنشأ والجودة، وهي العلامة التي تثبت أن المنتوج تراعى في إعداده معايير الجودة التي يُفترَض أن تصبح هاجس المستهلك في التعاطي مع المنتوجات... وتلك فاطمة أمهري، رئيسة الاتحاد من أجل إنتاج وتسويق زيت الأركان في أكادير، تبدي الكثير من السعادة بما استطاعت النسوة المكونات للاتحاد تحقيقه، فقد تمكن من إيصال زيت الأركان الذي ينتجنه إلى أسواق ألمانياوفرنساوبلجيكا والسويد وكندا.. لكن أمهري تبدي الكثير من الأسف لأن الاتحاد الذي رأى النور قبل 11 سنة ويسير بطريقة حديثة، لا يستفيد كلية من القيمة المضافة للمنتوج الذي يوفره، على اعتبار أنه يصدر في غالب الأحيان دون أن يخضع للتلفيف محليا، حيث تشير إلى أنه لو تأتى للاتحاد ذلك لتمكن من مضاعفة رقم معاملاته.. ذلك هاجس يسكن الكثير من العارضين، لكن كلثوم حمادي، رئيسة تعاونية «أكناري»، بعد أن تمكنت من أن تسوق منتوجات الصبار ومشتقاته في أسواق مثل فرنسا، بلجيكا وكندا والبحرين تحاول، باعتبارها رئيسة جمعية «صبار صبويا أيت باعمران»، توجيه الفلاحين نحو جني «الكرموس» الهندي بطريقة سليمة، بما يحافظ على جودته.. لكن مهما تباينت انشغالات التعاونيات والجمعيات، فهي تبدي الكثير من الحماس والرغبة من أجل توفير الشروط التي تخول لها الحصول على الاعتراف بجودة ما تنتجه. تسويق تعتبر وزارة الفلاحة والصيد البحري أنه إذا ما تم استغلال المؤهلات بشكل متطور ومستدام، سيمكن قطاع المنتوجات المحلية من خلق الثروات وإنعاش الشغل وتحسين الدخل لدى الساكنة المحلية، وهذا ما يبرر بعد دخول القانون المتعقل بالعلامات المميزة للمنشأ والجودة للمنتوجات الغذائية والمواد الفلاحية والبحرية، حيز التنفيذ. تستعد وزارة الفلاحة والصيد البحري، كما أوضح ذلك الوزير عزيز أخنوش، للإعلان بمناسبة الدورة القادمة للمعرض الدولي للفلاحة في مكناس، عن دراسة يتولى إنجازها مكتب الدراسات «بوسطن كونسالتين غروب»، حيث ستصوغ إستراتيجية لتسويق المنتوجات المحلية في الأسواق الخارجية، إذ يؤكد أنه سيتم تسخير الوسائل اللازمة لمواكبة تلك المنتوجات في الخارج عندما تتضح الرؤية، علما أن السلطات العمومية، كما يوضح أحمد بنتهامي، مدير تنمية سلاسل الإنتاج في وزارة الفلاحة، توفر الوسائل المالية في الوقت الحالي، من أجل مواكبة المنتجين وإنجاز الدراسات والمضي في مسلسل تأهيلهم للحصول على العلامة المميزة للمنشأ، غير أنه بالموازاة مع التوجه نحو وضع إستراتيجية تسويقية في الخارج، ستعلن الوزارة، في يونيو القادم، حسب بنتهامي، عن دراسة ترصد الإمكانيات المتوفرة في المغرب من المنتوجات المحلية، حيث تسمح بوضع خريطة تعكس بشكل أمين المنتوجات والفاعلين في القطاع. وعلى غرار مشروع تنمية الزعفران في تالوين، الذي أعلن عنه مؤخرا، تستعد الوزارة في السنة الجارية لتنمية مشاريع مماثلة، ناهيك عن السعي إلى إخراج القانون الخاص بالمنتوجات البيولوجية إلى حيز الوجود، حيث يرتقب أن يسري المفعول في السنة القادمة، مما سيوفر مرجعا وطنيا على مستوى التصديق يقطع مع لجوء الفاعلين في قطاع المنتوجات المحلية إلى مؤسسات مستقلة من أجل التوفر على شهادة التصديق على منتوجاتها البيولوجية. مستهلك محلي يبدي أحمد الحجاجي، مدير وكالة التنمية الفلاحية، الكثير من اليقين في مستقبل المنتوجات المحلية المغربية، وهو يشير إلى التعاونيات والجمعيات التي احتلت الرواق، ويؤكد أن تثمين تلك المنتوجات كفيل بأن يمنح قيمة مضافة كبيرة. وفي الوقت ذاته، يعتقد بنتهامي أن هناك ثمة إمكانية للفت الانتباه إلى المنتوجات المحلية في السوق المحلي، فوزارة الفلاحة والصيد البحري تستعد لتنظيم معرض دائم لتك المنتوجات في الدارالبيضاء ومعرضين موسميين في كل من أكادير وطنجة أو تطوان.. لكن يتضح أن الرغبة في ترسيخ نكهات تلك المنتوجات لدى المستهلك تدفع وزارة الفلاحة والصيد البحري إلى تدشين تقليد يريد أن يتم تبادلها كهدايا في المناسبات والأعياد.