تابعت في مصر خلال الأيام القليلة الماضية حملات الدعاية المكثفة التي تملأ صفحات الصحف الحكومية والمستقلة حول المنتجعات والقرى السياحية والمجمعات السكنية الفخمة الخاصة التي يتم الترويج لها بشكل كبير، ولمن لا يعرف مصر يدرك من خلال هذه الدعاية أن سكان مصر هم من أغنى الناس في العالم، وأن دخل الفرد السنوي قد يجاوز المائة ألف دولار على الأقل، وأن كل المشكلات الاقتصادية قد تم حلها، وأن النهضة الصناعية والزراعية والاقتصادية بشكل عام قد بلغت ذروتها من خلال معدلات نمو غير مسبوقة، وأنه لم يعد هناك هم لدى المصريين سوى البحث عن منتجع في الساحل الشمالي أو الغردقة أو شرم الشيخ أو العين السخنة، أو تجديد الفلل القديمة التي يعيش فيها المصريون والتي نعموا بالحصول عليها خلال العقود القليلة الماضية ومغادرتها إلى حياة المجمعات الفخمة في مدن القاهرةالجديدة والشروق ومدينتي، ومن لم يعد يحب حياة القصور والفلل الفخمة فيمكنه الحصول على فيلا فخمة مع مزرعة من خمسة أفدنة أو أكثر على طريق مصر الإسكندرية الصحراوي أو العلمين أو الإسماعيلية، أما سكان الأحياء العشوائية التي تحيط بالقاهرة والتي تزيد عن سبعين حيا عشوائيا، فيمكنهم أن يحلوا قريبا محل سكان مصر الجديدة والزمالك والمعادي والدقي والمهندسين، حيث إن هؤلاء سوف ينتقلون إلى حياة المنتجعات. طويت الصحف أمس ووضعت رأسي بين يدي وسألت نفسي: ماذا يحدث في مصر؟ هل يعقل أن هذا الحجم الهائل من الدعاية لتلك المنتجعات السكنية الفخمة يحدث في بلد تزيد نسبة الذين يعيشون تحت خط الفقر فيه عن ستين في المائة من عدد السكان؟ وهل يمكن أن يتم الترويج لهذا الكم الهائل من المنتجعات في بلد يزيد فيه عدد العانسات عن سبعة ملايين عانس، أما عدد الشباب العاجزين عن الزواج والحصول على بيت حتى من غرفة واحدة فيعتبر بالملايين، وقد رفعت سماعة الهاتف واتصلت بعدد من هذه المنتجعات لأسأل عن الأسعار، فوجدت أن المليون جنيها لم تعد ثمنا لأي فيلا أو بيت مستقل، وإنما ربما تكون بداية لمستوى الشقق في هذه المنتجعات، أما الفلل فإنها تبدأ من ثلاثة ملايين وتصل في بعض المنتجعات إلى خمسة عشر مليون جنيه، ومما زاد عجبي أن مسؤول أحد المشروعات أبلغني بأنه باع في اليوم الأول للترويج لمشروعة ما يزيد على سبعين في المائة من الوحدات المطروحة للبيع، وأبلغني آخر بأنه لم تعد لديه إلا الوحدات التي يريد بعض المستثمرين إعادة بيعها.