المشهد الثقافي في المغرب حيوي وضاج ومنتج، فبعد تخلي النخبة المغربية السبعينية عن تأطير المشهد الثقافي، وبعد تدني الخدمات الثقافية التي تقدمها الجهات الرسمية للقطاع الثقافي، أنتج المشهد لعبة متأرجحة بين هامش حيوي ومركز جامد، وكانت النتيجة أن خرجت أسماء من هذا الهامش بانية مجدها الأدبي بعيدا عن كل أبوة. يعتبر القاص المغربي عبد العالي بركات من بين أهم كتاب القصة في المغرب، من جيل التسعينات الذين وطدوا اسمهم في المشهد الثقافي المغربي، وحصنوا مواقعهم، دون أن ينتمي بالضرورة إلى أي تيار عدا الإنكباب على كتابة نص قوي، مسكون بأسئلته الخاصة، ومنتم إلى الهامش كفكر وكاختيار. يعيش عبد العالي بركات الهامش كحقيقة، وليس كادعاء أو كنفحة بورجوازية، إنه قليل الحضور في المشهد العام، مقتصد في ذلك، يرى أن دور الكاتب ليس هو الاستعراض، بقدر ما هو الحضور الواعي، والانصراف إلى تطوير لغة الكتابة وترقية عوالمها. في نصوصه أيضا نلمس هذا التبرم من الصخب اليومي، وينتهي الحال بأغلبية الأصوات المتكلمة في نصه إلى العزلة أو الانعزال، أو ربما الانحشار في الركن كرد فعل على زيف القيم التي تفرزها الحياة العامة للناس. أصدر بركات خلال مسيرته القصصية مجموعة «أشياء صغيرة» ونالت جائزة اتحاد كتاب المغرب سنة 1994، ومجموعة «المشروع» سنة 2007 بدعم من وزارة الثقافة المغربية. لا يخاف من الموقع الحياتي والإنساني والفكري الذي وضع فيه نفسه، ولا ترهبه آلة الإقصاء، فقد استطاع التغلب عليها وتجاوزها، فما يهمه هو نصه فقط، يقول: «حسب قناعتي الخاصة؛ فإن لا أحد بمقدوره أن يقصي الكاتب المبدع، إلا إذا ساهم هو نفسه في إقصاء ذاته، اعتبارا لكون الكتابات الجيدة تفرض ذاتها، حتى لو حوصرت بالحديد والنار، وبالتالي فإن كل من يحمل هذا الشعور: شعور بأنه مقصي أو مهمش أو ما إلى ذلك، فهو يظلم نفسه، لأنه يجهل بأنه لا بد أن يأتي اليوم الذي يولى فيه الاعتبار لإنتاجه، طبعا إذا كان هذا الإنتاج يستحق الاعتبار». ويمضي بركات في تحليل فكرته عن الإقصاء كالتالي: «ولنا في ذلك عدة أمثلة، فالكاتب التشيكي كافكا كان قد أوصى هو نفسه بأن تحرق كتبه ومخطوطاته، لكن بالنظر إلى قيمتها الإبداعية استطاعت أن تتحدى هذه الوصية الصادرة من صاحبها نفسه، وتعانق الآفاق وهناك كتاب آخرون لم يلتفت إليهم أحد أثناء حياتهم، لكن بعد رحيلهم بعدة سنوات، تم نفض الغبار عن إنتاجهم وتم إحلاله المكانة اللائقة به». يرى بركات أن مسألة التهميش أو الهامش مسألة نسبية، لا يكفي التذرع بها لتكون المشجب الذي يعلق عليه الكاتب فشله، يقول: «ولهذا لن أبكي و أقول إنني مهمش وأن النقد لم يواكب كتاباتي وان منظمي الملتقيات القصصية لا يوجهون الدعوة إلي وأن الصحافيين لا يجرون حوارات معي وأن ..وأن.. لا، هذا لا يضايقني، بل على العكس من ذلك، يريحني ويساعدني على الحفاظ على صفاء ذهني، هذا من جهة، ومن جهة أخرى، فأنا أومن حق الإيمان، بأن من يتحدث عن الكاتب هو إنتاجه نفسه». وحيد نور الدين : الهامش سند حقيقي ربما يبدو وضع الروائي والسيناريست وحيد نور الدين أكثر دلالة على الدور الأساسي للهامش في مد المركز الثقافي وتطعيمه بالطاقات الجديدة وتعزيز تجدد المشهد الثقافي العام في المغرب. لقد جاء وحيد نور الدين إلى الكتابة الروائية والقصصية من علم الاقتصاد، وهي حالات تحصل في الكثير من مشاهد الثقافة المغربية، هناك مثلا الطبيب الشاعر عبد القادر وساط، والطبيبة الشاعرة والروائية فاتحة مرشيد والمحامي الشاعر محمد الصابر، كما أن محمد الأشعري نفسه، وزير الثقافة المغربي السابق، قد جاء إلى الشعر من معهد الزراعة. تلك هي حالة الروائي وحيد نور الدين، الذي لم يكن مهجوسا بشهرة ولا بأضواء، أصدر على حسابه الخاص أعماله الروائية، وهي على التوالي: «غدا تكتمل الحكاية» سنة 1996 و«رماد البارحة» سنة 1998 و«شارع الرباط» سنة 2001، كما كتب سيناريو الفيلم التلفزيوني» علام الخيل» أو مقدم الفرسان سنة 2003 الذي أخرجه المخرج المغربي ادريس شويكة للتلفزيون المغربي، وكتب سيناريو فيلم «أطفال الدارالبيضاء الأشقياء» سنة 2005، والذي يخرجه المخرج المغربي عبد الكريم الدرقاوي، ويشتغل الآن على سيناريو فليم بعنوان «صحافة، ولكن» والذي يؤدي دور البطولة فيه الممثل المغربي المعروف عبد الحق الزروالي. لا يعترف نور الدين وحيد بمسألة الهامش والمركز، ويراها نقاشا زائفا، وفي رأيه أن ما يبدو اليوم مركزا هو مجرد هامش صغير في النهاية بالنظر إلى العالم المتغير الذي نعيش فيه، وبسبب الصراع الذي يتخذ شكلا ثقافيا في عالم اليوم، فالصراع الحضاري في اعتقاده هو في جوهره صراع ثقافي وفكري وقيمي. يعتبر وحيد أن المشروع الثقافي للكاتب هو سنده الفعلي، وأن المؤسسة الثقافية الرسمية لا يمكن أن تصنع مبدعا كبيرا، فبعد الادعاء والترويج الإعلامي و«البروزة» لا يصح إلا الصحيح، يقول: «بدأت حياتي الأدبية في أواسط التسعينات، دون أن أعتمد على أحد، كان عملي على روايتي الأولى يثير الاستغراب لدى كتاب معروفين كنت ألتقيهم في تلك الفترة، أغلبهم كان يدعوني إلى الانتظار وعدم الإقدام على هذه المغامرة، لكن بفضل تشجيع المقربين من الأصدقاء، واصلت عملي على روايتي الأولى التي صدرت في نفس السنة على نفقتي الخاصة، كان الأمر يبدو بالنسبة إليّ خيارا لا رجعة فيه، وبنفس الحماس أصدرت بعد سنتين روايتي الثانية، وبعد سنتين أيضا أصدرت روايتي الثالثة، ودائما على نفقتي الخاصة. لم أنحز للهامش كاختيار، ولكني وجدت نفسي فيه ضمن كوكبة من الكتاب المغاربة الحقيقيين نبني حركة ثقافية أكثر دينامية هي التي تجدد اليوم الجسد الثقافي المغربي وتمنحه العنفوان، من هذا المنطلق أعتبر الهامش سندا حقيقيا، لقد كان لنا كل الوقت كي نكتب في صمت بعيدا عن الأضواء، دون أن يحركنا بحث ما عن المواقع أو النجومية، ودون أن ننتظر من أحد نشر كتبنا، وذاك ما أسميه فعل مقاومة، حيث يتحول الإبداع إلى فعل من أفعال مقاومة الرداءة المعممة».