ازدادت تخوفات المتقاعدين على مصير معاشاتهم -على هزالتها- بعد أن احتدم الجدل القائم حاليا حول تحديد سن التقاعد في (62 سنة) الذي اقترحه المجلس الإداري للصندوق المغربي للتقاعد في دورته الأخيرة دون انتظار ما ستسفر عنه نتائج مكتب الدراسات الذي أسندت إليه هذه المهمة. لقد عرفت أنظمة التقاعد في سياسة الحكومات المتعاقبة على تسيير الشأن العام ببلادنا إهمالا ممنهجا، لكونها لم تحظ بالعناية التي تستحقها، كما تعرضت بعض صناديقها إلى اختلاسات هامة وعمليات نهب مدبرة دون أن تتمكن الدولة من استرجاعها، الأمر الذي زج بأنظمة التقاعد في أزمة حقيقية باتت تهددها بالإفلاس، وعجلت بفرض اقتطاعات إضافية (3 في المائة) من أجور الموظفين النشيطين لفائدة الصندوق المغربي للتقاعد (ابتداء من 01/04/2004) كأول إجراء فوري تم الاتفاق في شأنه مع الفرقاء الاجتماعيين بعد المناظرة الوطنية حول إصلاح أنظمة التقاعد التي انعقدت يوم 16/12/2003 وأكدت عدم كفاية نسبة المساهمة المحددة في 7 في المائة، وهو ما يعني رفع نسبة الاقتطاع إلى 10 في المائة لكل طرف. وفي هذا الإطار، أكد السيد الوزير الأول حينها، في تصريحه الحكومي أمام مجلس النواب، أن إصلاح أنظمة التقاعد ستكون من أولويات حكومته، غير أن الاقتراح المعلن عنه من طرف المجلس الإداري للصندوق المغربي للتقاعد في دورته الأخيرة -دون انتظار ما ستسفر عنه نتائج اجتماعات اللجنة التقنية المشكلة من أجل دراسة هذا الملف وتعميق الجوانب المتعلقة بضمان ديمومة أنظمة التقاعد المدنية والعسكرية التي يقوم بتدبيرها الصندوق المغربي للتقاعد- أثار موجة من الانتقادات، وهو الاقتراح الذي طرحه المجلس بعد أن أنذر من عجز الصناديق عن سداد معاشات المتقاعدين في المستقبل إذا لم تبادر الحكومة إلى إيجاد حل جذري لهذه الأزمة، خصوصا وأن الدراسات والتقارير المنجزة حتى الآن تؤكد أن عدد المتقاعدين والمسنين سيتضاعف عدة مرات ما بين سنتي 2010 و2025 دون أن يولي المسؤولون اهتمامهم لهذه الفئة من المواطنين، حيث يتعاملون مع الموضوع بنوع من اللامبالاة بالرغم من نداءات جمعيات المتقاعدين وتنبيهها إلى خطورة الوضعية. وكان المجلس الأعلى للحسابات قد أشار في تقريره إلى أن أنظمة التقاعد مهددة باختلالات كبرى على مستوى توازناتها المالية، كما أن الصندوق المغربي للتقاعد سيعرف صعوبات مالية ابتداء من سنة 2011، مؤكدا ضرورة إدخال إصلاحات جذرية مستعجلة قبل أن تنفد احتياطات الصندوق بشكل كامل سنة 2019. ويؤكد التقرير أن العجز الذي سيعرفه الصندوق يعود إلى ارتفاع عدد المتقاعدين وانخفاض عدد النشيطين الملحقين بالوظيفة العمومية. ولتجاوز هذه الاختلالات طرحت العديد من الحلول لمواجهة هذه الوضعية، أهمها: - الرفع من معدل الاشتراكات والرفع من سن التقاعد. وحده مكتب فرنسي للدراسات هو الذي سيحدد سبل إصلاح أنظمة التقاعد بالمغرب كما جاء على لسان مديره العام السيد (محمد بن ادريس) في بلاغ سابق له قبل أن يعلن المجلس الإداري للصندوق عن اقتراحه رفع سن التقاعد إلى (62 سنة) في دورته الأخيرة، ويعرضه على السيد الوزير الأول. وتجدر الإشارة إلى أن جل المتقاعدين يشكون من هزالة معاشاتهم ويبدون تذمرهم من الوضعية التي آلوا إليها بعد أن أسدوا إلى هذا البلد خدمات جليلة، شاقة أحيانا، (خاصة منهم أفراد القوات المسلحة الملكية والدرك الملكي والأمن الوطني والقوات المساعدة الذين أبلوا البلاء الحسن في الدفاع عن وحدة البلاد)، كان من الواجب أن يستفيدوا مقابل هذه الخدمات من حقوقهم كاملة، فمعظمهم يعاني من أمراض مزمنة مرتبطة في غالبها بالتقدم في السن، كالسكري وأمراض العيون والضغط الدموي والروماتيزم... والتي تتطلب أحيانا كثيرة نفقات باهظة مع صعوبة الولوج إلى العلاجات وتعقيد مساطرها الإدارية... وأمام ارتفاع تكلفة المعيشة وظهور الانعكاسات الاجتماعية لبرامج التقويم الهيكلية التي لم تستطع رفع الحيف عن بعض فئات الموظفين مما تسبب في عودة التوتر إلى الساحة الاجتماعية، بادرت الحكومة إلى «مأسسة الحوار الاجتماعي» لكي تخفف من حدة التوتر... ومهما اتخذت الحكومة من إجراءات دون إصلاح جذري لنظام الأجور والمعاشات، فإنها لن تحول دون استمرار فئات الموظفين والمستخدمين في المطالبة بالزيادة في أجورهم التي لم تشمل فئة المتقاعدين كواجب تمليه عليهم القيم الإنسانية والأخلاقية تماشيا مع الزيادة في الأسعار وغلاء المعيشة، اعترافا بما قدموه إلى مجتمعهم من خدمات وما أسهموا به من جهود في خدمة وطنهم خلال سنوات عملهم الطويلة بكل تفان وإخلاص ونكران للذات... وخلاصة القول أن المتقاعدين أصبحوا أكثر احتياجا من أي وقت مضى إلى العناية الاجتماعية للتخفيف عنهم من وطأة التقاعد وروتين الوقت القاتل ومرارة المعاناة من أمراض مزمنة تلازم الكثير منهم وتؤرق مضجعهم، ولاسيما أن دراهم معدودات هي كل ما ينتظرونه في نهاية كل شهر، مما يجعلهم في خانة الفقراء والمهمشين.