الملوك عادة لا يقدمون حصيلة حكمهم لأحد، ولا يهتمون إلا قليلا برأي من يحكمونهم، لأن عروشهم معلقة بالوراثة والسلالة والتاريخ، أما الحاضر فلا يدينون له بشيء... الملك محمد السادس أكمل 9 سنوات على عرش والده الذي حكم 38 سنة، والملك الذي كان رمزا لعهد جديد صار جزءا من نظام قديم... لهذا فتسع سنوات تغري بوضع حصيلة ولو أولية وسريعة... والبداية مما تحقق في هذه السنوات التي تميزت عموما بالاستقرار وعدم دخول البلاد في مطبات سياسية أو اجتماعية كبيرة... أولا: أكمل محمد السادس نهجا سياسيا بدأه والده قبل وفاته، قوامه الانفتاح على مجمل القوى السياسية، وإنهاء العداوة التي كانت قائمة لعقود بين القصر واليسار، ثم بين الملك وأحزاب الكتلة... استمر محمد السادس في استقبال جل زعماء الأحزاب يمينا ويسارا في مناسبات قليلة، ثم بعدما وضع ثقته في حكومة اليوسفي قطع عرف «المنهجية الديمقراطية» في تعيين الوزير الأول بتنصيب جطو على رأس الحكومة السابقة، ثم رجع إلى تعيين زعيم الحزب الحاصل على أكبر عدد من المقاعد، فوضع عباس الفاسي في الوزارة الأولى. حاول الملك دفع الأحزاب إلى تجديد قياداتها وخطابها وبرامجها في السنوات الأولى لحكمه، لكنه بعدما فشل في ذلك أحجم عن الأمر، لكنه جعل صديقه الهمة يقض مضجعهم منذ الإعلان عن نتائج الانتخابات الأخيرة، حيث هجر 80 % من المغاربة صناديق الاقتراع. وشكلت حركة الهمة «صداعا» حقيقيا لجل الأحزاب الحاكمة الخائفة من ميلاد حزب القصر الذي سينافس أحزابا جلها شاخ. ثانيا: حافظ الملك محمد السادس على انتظامية المواعيد الانتخابية (2002 – 2003 – 2007...)، الأمر الذي كان الحسن الثاني لا يعطيه قيمة كبيرة، حيث كانت مواعيد الانتخابات تخضع لأجندة سياسة الملك ولحساباته الخاصة. وإذا كان التزوير «المفضوح» قد تراجع في الانتخابات على عهد الملك محمد السادس، فإن التزوير عن طريق استعمال المال وارتخاء المراقبة وعدم متابعة المفسدين، علاوة على التحكم في النتائج من خلال نمط الاقتراع وأشكال التقطيع، قد استمر، وهذا ما يفسر هجر صناديق الاقتراع من قبل غالبية المواطنين. ثالثا: استمر الملك في سياسة التحسيس بالمعضلة الاجتماعية، حيث دأب على تنظيم زيارات ميدانية على طول خارطة البلاد وعلى مدار السنة. وهكذا واظب على إطلاق عدة مشاريع اجتماعية في المدن والبوادي، ووضع آليات خاصة للتمويل والمتابعة (المبادرة الوطنية للتنمية البشرية...)، وغضب أكثر من مرة على ولاته وعماله ووزرائه لأنهم لم يواكبوا ديناميته الاجتماعية. أنشطة الملك هذه مازالت تثير استغراب المقربين منه قبل الآخرين، ذلك أن كثافة هذه الأنشطة على مدار السنة تتطلب، من جهة، طاقة بدنية ونفسية كبيرة، ومن جهة أخرى، تفرغا كاملا يمنع الملك من مباشرة الملفات الكبرى لسير الدولة... رابعا: دخل ملف النزاع في الصحراء إلى معالجة سياسية أوسع من المقاربة القانونية التي أدخل الحسن الثاني وإدريس البصري المغرب إلى جعبتها الضيقة. نجح الملك محمد السادس في قتل مشروع الاستفتاء الذي لم يكن ممكنا تنظيمه، من جهة، لأنه لم يكن مضمون النتائج في جغرافية سياسية متحولة، ومن جهة أخرى لأنه «حل قاتل» سيسفر عن رابح وخاسر في نزاع إقليمي لن يحتمل نتيجة مثل هذه... أما مشروع الحكم الذاتي، فإنه شكل نقلة نوعية في إدارة الأزمة وفي تخفيف الضغط الذي تسبب فيه «مشروع بيكر الثاني»، الذي كاد أن يجر أمريكا إلى الضغط على المغرب للقبول به... مشروع الحكم الذاتي هذا أحرج الجزائر وجبهة البوليساريو، لكن استثمار كل «إمكانياته» رهين بتفعيل آلة الدبلوماسية المغربية وتهييء بنية استقبالية (سياسيا، دستوريا، قانونيا...) له في المستقبل. خامسا: اقتصاديا، حافظ المغرب على توازناته «الماكرواقتصادية»، وتحكم في نسبة العجز لكن على حساب التوازنات الاجتماعية. ورغم زيادة حجم سوق العمل وزيادة استقطاب الاستثمارات الأجنبية واتساع حجم مشاريع السياحة والبناء وقطاع الخدمات، فإن الفقر ازداد، والطبقة الوسطى تقلصت، وحجم الفساد، الناتج عن الانفتاح وعن ضعف المراقبة، اتسع... لكن صورة البلد لدى المؤسسات المالية الدولية ظلت على العموم مقبولة بمقاييس دولة نامية... إلى اللقاء