مازال التعليم في العالم القروي الذي يستقطب حاليا 39 في المائة من مجموع المتمدرسين ويستحوذ على 55 في المائة من مجموع المؤسسات التعليمية، تُشغلِّها 43 في المائة من مجموع أطر التدريس الوطنية، تئن تحت مجموعة من الاختلالات الموروثة والبنايات العشوائية، التي ليست في حاجة إلى ترميم أو إصلاح، بقدر ما هي في حاجة إلى الهدم وإعادة البناء بالمواصفات اللازمة، وفوق أراض ملائمة ومهيأة لاستيعاب تلك البنايات، كما هي في حاجة إلى مهندسين ولجن جهوية ومركزية وأخرى من خارج القطاع، لمراقبة سير عملية البناء والإصلاح ومدى مطابقتها لما تنص عليه دفاتر التحملات، التي تبقى سرية بين بعض مسؤولي القطاع والشركات المتعاقدة... مدارس بنيت فوق «ضايات» جافة، ما إن تمطر حتى تمتلئ تلك «الضايات» وتغرق تلك المدارس.. وأخرى بنيت فوق أحواض مائية جافة تعود إلى وديان وأنهار ما إن تزيد حمولتها وسيولها حتى ترمي بكميات كبيرة منها فوق أحواضها وتغرق المدارس وتجرف محتوياتها... ومدارس بنيت فوق أراض فلاحية أو مرتفعات محاصرة بلا مسالك. وتعود عشوائية البناء، التي أضرّت بالعملية التعليمية، بعدة مناطق قروية، إلى الأساليب التي كانت تسلك من أجل اقتناء أراض لبناء مؤسسات تعليمية أو فرعيات وإلى طرق البناء والجهات التي كانت تشرف على عملية البناء. فمعظم الأراضي التي تم توفيرها لبناء المؤسسات التعليمية أو الفرعيات تعود لأشخاص ذاتيين تبرعوا بها للدولة، وهي أراض غير مستغَلة فلاحيا من طرف هؤلاء المتبرعين، لسبب بسيط هو أنها منخفضة أو أنها تتحول خلال فصل الشتاء إلى برك مائية. كما أن مدارس أخرى حوصرت من طرف المستوطنين الجدد في العالم القروي، أصحاب الضيعات ودور الضيافة، والذين عمدوا إلى قطع مجاري المياه العادية والمسالك المؤدية إلى تلك المدارس... إضافة إلى أن هناك مدارس بنيت من طرف المحسنين أو الجماعات المحلية أو الوزارة المعنية بدون أدنى مراقبة. وقد أكدت مصادر مطلعة أنه، إلى حدود اليوم، ما زالت معظم المؤسسات التعليمية في العالمين القروي والحضري ومعها مرافق عمومية لعدة قطاعات أخرى (الصحة، البريد، الداخلية...)، تنجز بناياتها بدون تراخيص من اللجن التقنية للجماعات المحلية التابعة لها، والتي من مهامها مراقبة كل مشاريع البناء داخل تراب نفوذها، مما يجعل المراقبة مقتصرة فقط على القسم التقني لنيابات التعليم، كما تحرم مجالس تدبير المؤسسات التعليمية من تتبع سير أشغال البناء والإصلاح داخل تلك المؤسسات، والتي لا يتوفر مدراؤها حتى على دفتر التحملات الخاص بالمشاريع التي تنجز داخلها. ولعل المتجول في المناطق القروية، البعيدة عن المراكز الحضرية للجماعات المحلية، يقف على نوعية البنايات التي ما زالت تؤوي تلاميذ وتلميذات الأسر القروية، وعلى مدى هشاشة أسقفها وجدرانها وتعفن بعضها، بسبب الرطوبة، يقف على معاناة التلاميذ وخصوصا التلميذات، بسب انعدام أو ضعف المرافق الصحية (المراحيض) وبسبب الفيضانات التي تعرفها سنويا وبسبب انعدام الحراسة، حيث تتعرض تلك المدارس للسرقة والعبث بمحتوياتها، كما تتحول ليلا إلى أوكار للمنحرفين ومدمني المخدرات والخمور والجلسات الحميمية، رفقة العاهرات... بالإضافة إلى صعوبة الولوج إلى بعضها، بسبب انعدام المسالك أو بسبب الفيضانات التي تحاصر بعض المؤسسات التعليمية لأيام أو لشهور... ولعل ما يثير استغراب القرويين ويزيد من معاناتهم، صمت المسؤولين أمام ما أسموه العادة السنوية التي باتت تعيشها بعض المؤسسات التعليمية، صيفا وشتاء. وقد تساءل العشرات ممن التقتهم «المساء» في عدة جهات من المملكة كيف أن مدارسهم تعيش نفس الجحيم، كلما أمطرت، حيث تغرق المدارس في السيول والوحل وتقطع الطرق والمسالك وتتوقف الدراسة إلى أن تجف تلك المياه أو تأخذ مسارها الطبيعي وتتحول تلك المدارس ومحيطاتها صيفا إلى مرتع للبعوض والعقارب والأفاعي... وكيف كتب على أطفالهم «رسم» طرقات جديدة عبر الجبال الهضاب والأراضي الفلاحية، بدل تلك الطرقات والمسالك التي دمرتها السيول... من جهتهم، فإن مسؤولي الوزارة الوصية واثقون من أن البرنامج الاستعجالي وضع مشاريع دقيقة للارتقاء بالمنظومة التربوية في الوسط القروي، سواء من حيث البنية التحتية أو مواجهة المعيقات السوسيو اقتصادية أو تنمية الموارد البشرية. لكن البرنامج لم يشر إلى واقع تلك المدارس التي بنيت فوق برك وأحواض مائية يجب تغيير أماكنها، ولا إلى تلك المحاصرة بلا مسالك أو بمسالك مؤقتة تُغلَق كل شتاء. فالبرنامج الاستعجالي وضع برنامجا لتوسيع العرض التربوي، يتضمن إحداث 1246 مؤسسة تعليمية و846 داخلية، يخصص منها للوسط القروي ما نسبته 63 % من المؤسسات التعليمية و92 % من الداخليات، وأنه خلال الموسم الدراسي الجاري بلغ عدد المؤسسات التعليمية في مختلف الأسلاك 9799 مؤسسة، 55 في المائة منها في الوسط القروي، في حين أن 74 في المائة منها مخصصة للتعليم الابتدائي. وبذلك، عرفت هذه السنة زيادة 234 مؤسسة مقارنة مع الموسم الماضي. كما بلغ عدد الداخليات هذه السنة 524 داخلية، 273 منها في الثانوي التأهيلي و251 في الثانوي الإعدادي. واستفاد الوسط القروي من 58 في المائة من الداخليات المنجزة وسجل زيادة في حدود 63 داخلية مقارنة مع سنة الموسم الماضي. كما عرف إحداث 200 مدرسة جماعاتية... وذكرت لطيفة العابدة، كاتبة الدولة المكلفة بالتعليم المدرسي في بعض ردودها البرلمانية الأخيرة، أن سنة 2010 عرفت ارتفاع نسبة تزود المدارس بالماء الصالح للشرب إلى 98 في المائة ونسبة التزود بالكهرباء إلى 97 في المائة، بينما بلغت نسبة التوفر على الصرف الصحي 91 في المائة. كما بلغ عدد المؤسسات التي تم تجديد تجهيزاتها في نفس السنة 723، مقابل 678 مؤسسة سنة 2009. وبلغ عدد المؤسسات، التي استفادت من الصيانة الوقائية 5294، مقابل 2175 سنة 2009. وأكدت المسؤولة المباشرة عن التعليم أن الوسط القروي يستفيد من الأولوية المطلقة في تعيين الخريجين الجدد وفي التوظيفات الجديدة. كما أن الوزارة تعمل على تحسين ظروف العمل للمدرسين والمدرسات في الوسط القروي، حيث تم اتخاذ مجموعة من التدابير المحفزة على الاستقرار بالعالم القروي، من بينها توفير السكن الوظيفي، تفعيلا للتعليمات الملكية في هذا الشأن، إلى جانب إحداث التعويض عن العمل في المناطق النائية، الذي هو قيد الدرس، بتنسيق مع القطاعات الحكومية المعنية. كما تم إحداث منصب المدير المساعد في الفرعيات التي يتجاوز عدد أقسامها 3، مع إقرار تعويض عن هذه المهمة. كما تعمل الوزارة على تعبئة مختلف الفاعلين والشركاء المحليين من أجل احتضان المؤسسة التعليمية وتوفير الشروط الملائمة لعمل مدرسينا بالوسط القروي. وأشارت العابدة إلى أن البرنامج يسعى إلى توفير النقل المدرسي في الوسط القروي لأزيد من 50000 تلميذ وتلميذة، من خلال تعميم النقل المدرسي، بتوفير 653 حافلة و25112 دراجة، في أفق سنة 2012، والبحث عن صيغ أخرى للنقل المدرسي تتلاءم مع الخصوصيات الجغرافية لبعض المناطق المعزولة (دراجات هوائية وعربات وحافلات...) واستثمار مختلف إمكانات الشراكة من أجل توفير وتدبير وتمويل النقل المدرسي. وقد بلغت الميزانية التي رصدتها الوزارة للنقل المدرسي برسم الموسمين الدراسيين الماضي والجاري أزيد من 130 مليون درهم، مخصصة لشراء خدمات النقل المدرسي وشراء أو اكتراء الحافلات، منها حوالي 14 مليون درهم مخصصة لشراء أزيد من 17.500 دراجة هوائية، فضلا على مساهمات الشركاء في هذا المجال. وقد مكنت هذه الإجراءات من استفادة أزيد من 31000 تلميذ وتلميذة، جلهم في الوسط القروي. كما وقعت الوزارة خلال الموسم الدراسي الجاري اتفاقية -إطارا مع وزارة التشغيل والتكوين المهني واتفاقيات مماثلة بين الأكاديميات الجهوية للتربية والتكوين والولايات والوكالات الجهوية لإنعاش الشغل والكفاءات. وتهدف هذه الاتفاقيات إلى إتاحة الفرصة للمقاولين الشباب للاستثمار في إطار برنامج «مقاولتي»، في مجال النقل المدرسي في الوسط القروي وفي هوامش المدن، ابتداء من السنة الدراسية الجارية.