«تأهيل الموارد البشرية، تكوينا وأداء وتقويما، مع العمل على تحسين الأوضاع المادية للقضاة وموظفي العدل، وإيلاء الاهتمام اللازم للجانب الاجتماعي، بتفعيل المؤسسة المحمدية، تجسيدا لرعايتنا الدائمة لأسرة القضاء» مقتطف من الخطاب الملكي ل20 غشت 2009، الذي ألقاه الملك محمد السادس بمناسبة ذكرى ثورة الملك والشعب، والذي وضع تأهيل الموارد البشرية ضمن خارطة طريق إصلاح القضاء بالمغرب. خطاب الملك، الثاني، بعد الخطاب الأول في يناير 2003، اعتبره النقابيون حجتهم الدامغة للتشبث بمطالبهم الاجتماعية التي انتظروها سنوات طوال. القضاء المغربي عرف حدوث شرخ بين مهنة الوظيفة في كتابة الضبط والمهام القضائية الأخرى، فإذا كانت الأوضاع المادية للقضاة تحسنت فإن الأوضاع المادية لكتابة الضبط لم تتحسن، على الرغم من أنها تعتبر أحد المكونات الأساسية لجهاز القضاء ولا تفترق عنه، بل يستحيل أن تنعقد جلسة للمحاكمة كيفما كان نوعها بدونها، فلا يتصور أن يكون هناك استقلال للقضاء دون أن يكون من ضمنه جهاز كتابة الضبط، ونظراً للوضعية المزرية التي تعيشها كتابة الضبط، أقر وزير العدل بوجود هذا الشرخ واعترف بأنه تبنى هذه القضية، ودافع عنه أمام الوزير الأول ووزير الاقتصاد والمالية والمسؤولين بمجلس الحكومة. وقال: «صحيح أن العالم، اليوم، يعاني من أزمة اقتصادية تنعكس على اقتصاد بلادنا، غير أن ذلك لا يمنع من بذل المزيد من الجهد لإنصاف هذه الفئة بتحسين أوضاعها وظروف عملها». قبل أكثر من سنة ونصف من الآن كان الجميع غير مبال بما تقوم به كتابة الضبط لدى مختلف محاكم المغرب من إضرابات أسبوعية تتعطل خلالها عجلة العدالة ثلاثة أيام كل أسبوع. لم تكن الحكومة تعيرها اهتماما، إلا أنها بعد أن طالت مدتها، حيث وصلت الوتيرة إلى إلحاق الضرر بالاقتصاد الوطني، إذ كلفت هذه الإضرابات خلال سنة 2010 فقط خزينة الدولة أكثر من 43 مليار سنتيم، بعدما ضيعت 234 ألف يوم، بمعدل 70 يوما من التغيب عن العمل لكل موظف. قامت الحكومة بتحويل الملف المطلبي لهذه الشغيلة على وزير المالية بغية دراسة إمكانية تطبيق مطالب هذه الشغيلة. عبد العظيم أحميد، الكاتب العام للجامعة الوطنية لقطاع العدل، انتقد في تصريح ل«المساء» إحالة ملف شغيلة العدل على وزير المالية، مؤكدا أن الملف سبق أن تمت إحالته فعلا في وقت سابق على وزير المالية، الذي لم يحرك ساكنا لرفع الظلم عن شغيلة العدل، وقال: «ندعو إلى التعجيل بفتح حوار لتدارك هذه المشاكل الموجودة»، مؤكدا أن بعض المشاكل يمكن حلها على يد وزير العدل. النقابة الديمقراطية للعدل، التابعة للفيدرالية الديمقراطية للشغل، انتقدت هي الأخرى سياسة التقشف التي ترغب الحكومة في نهجها، مشيرة إلى أنه يجب أن تبدأ بخفض أجور الوزراء والموظفين السامين والامتيازات المالية التي تؤدى من الميزانية العامة عوض «إقبار مطالب كتاب الضبط المشروعة في الحصول على نظام أساسي محفز» يشير أحد بيانات النقابة. ورغم التكلفة المالية للإضراب بقطاع العدل، فإن شلل حركية العدالة لا يمكن مقارنته بأي قطاع آخر لأن قطاع العدل في سلسلة متصلة بجميع القطاعات المجتمعية، وبالتالي فإن تعطيل تحقيق العدالة تتأثر منه جميع هذه القطاعات بدون استثناء. وزير العدل محمد الناصري كشف مؤخرا، خلال مداخلته أمام مجلس المستشارين، بمناسبة مناقشة الميزانية القطاعية لوزارة العدل، بأنه من ضمن المشاريع التي أعدتها وزارته وسلكت مسارها القانوني هناك المشاريع المتعلقة بتأهيل الموارد البشرية، التي تضم إلى جانب النظام الأساسي لموظفي كتابة الضبط، مراجعة الفصل الرابع من النظام الأساسي للوظيفة العمومية، ومراسيم مراجعة الوضعية المادية للقضاة والموظفين. لكن النظام الأساسي لموظفي كتابة الضبط ما يزال مثار تحفظ من طرف النقابيين، الذين يعتبرون بأنه لم يتم إشراكهم فيه، فهم يصرون على التمسك بمطالبهم واعتماد المنهجية التشاروية الإدماجية من أجل بلورة مخطط الإصلاح، تطبيقا لخطاب الملك محمد السادس. وفي هذا الصدد، طالب عبد العظيم أحميد، الكاتب العام للجامعة الوطنية للعدل، التابعة للاتحاد الوطني للشغل، كلا من وزير العدل والوزير الأول بأن «يترجموا أقوالهم على أرض الواقع تفعيلا لاعتماد التشاورية الموسعة كما جاء في خطاب جلالة الملك». وفي الوقت التي تطالب النقابات باعتماد التشاروية، فإن وزير العدل أكد بأن وزارته عقدت 23 جلسة حوار قطاعي مع التمثيليات النقابية خلال 2010، إضافة إلى عقد لجنة العدل والتشريع وحقوق الإنسان اجتماعا بطلب من الفريق الكنفدرالي للشغل لدراسة وضعية كتابة الضبط. سلسلة من «الحوار المتواصل مع مختلف التمثيليات النقابية»، حسب الناصري، تأتي من أجل إيلاء «أهمية كبيرة لوضعية موظفي كتابة الضبط، اعتبارا للمهام الكثيرة والمهمة الموكولة إليهم»، لأن وزير العدل يحرص على أن «تكون هذه الفئة من مساعدي القضاء في أوضاع مريحة، سواء من حيث ظروف العمل أو من حيث الوضعية المادية».