وجه مجموعة من الموظفين العاملين بالمركز الجهوي للاستثمار بفاس رسالة «مجهولة» إلى وزير الداخلية يسردون فيها ما اعتبروه «شوائب تمس سمعة ومصداقية» هذا المركز، ويطالبون من خلالها الوزير بفتح تحقيق في شأن هذه «الشوائب». وتتهم الرسالة، التي توصلت «المساء» بنسخة منها، والتي أرفقت بجدول فيه تفاصيل عن صرف ميزانيات المركز، مع ملاحظات تقدم معطيات حول «اختلالات» في طرق صرف هذه الميزانيات. ويشتكي أصحاب هذه الرسالة «المجهولة» من تهميش أطر المركز، وعدم إطلاعها على مضامين الاجتماعات التي يعقدها والي الجهة مع مدير المؤسسة التي تحولت، في نظرهم، إلى مكتب لاستقبال «السماسرة وأصدقاء المدير وبعض الصحافيين الذين لم يحلموا يوما بالدخول للمركز والتربع على مكتب السيد المدير». وإلى جانب ما سبق، اتهمت الرسالة مدير المركز بمنح رخص لاستغلال الحانات، مضيفة أن أحد الأشخاص منح مبلغ 300 ألف درهم مقابل الحصول على رخصته، التي أصبح يستعملها لاستغلال حانة وليس مطعم. وانتقد أصحاب الرسالة تدبير ملف المنطقة الصناعية «عين الشكاك»، التي تفوت قطعها للمستثمرين في ظروف غامضة، متهمين مدير المركز بالوقوف وراء هذا التدبير. وأشارت الرسالة إلى أن سوء التدبير يشمل كذلك الهاتف وإصلاح السيارات والطريق السيار وأوراق السفر عبر القطاع، مع العلم، يضيف أصحاب الوثيقة، بأن إحدى المكتبات لا تزال تدين للمركز بمبلغ يفوق 200 ألف درهم. وتتحدث الرسالة عن صباغة مقر المركز قبل القيام بالإجراءات القانونية والإدارية. كما أن الجرائد لا تدخل إلى مقر المركز، ومع ذلك تم صرف 50 ألف درهم لهذا الغرض في ميزانيته. ويقول أصحاب الرسالة إن ملحقتي المركز الجهوي في كل من صفرو وبولمان توجدان «في عطلة مستمرة»، ورغم ذلك تصرف عليهما أموال وصفتها الرسالة بالطائلة. ومن جهة أخرى، أورد جدول خاص بصرف بعض أموال المركز تفاصيل عن خدمات يشوبها الغموض. وأشار إلى صفقة بمبلغ 12,516,00 درهما لتزويد المركز بمواد بناء، وأخرى بقيمة 17,520,00 درهما، لكنه ذيلهما بملاحظتين تفيدان بأن الصفقة لا وجود لها على أرض الواقع. كما تطرق الجدول إلى صفقات اعتبر بأن المبالغ المرصودة لها تم تضخيمها، كما هو الشأن بالنسبة لصفقة تزويد بمواد البناء بقيمة 108,966,00، والتي ذيلت بملاحظة تؤكد بأن هذه الصفقة منحت لمقاول مقرب من المدير، مع أن القيمة الحقيقية لها لا يمكن أن تتجاوز مبلغ 20 ألف درهم. ومن الصفقات التي قدمها الجدول على أنها ضخمت، صفقة إشهار بمبلغ 62,520,00 درهما. وأورد الجدول صفقات أديت بشكل مضاعف، ومنها خدمة استقبال أديت لأحد فنادق فاس بمبلغ 129,840,00 درهما من قبل محتضنين مباشرة للمدير، لكن المركز الجهوي للاستثمار عمد، من جهته، على فوترتها. ولم يسلم مجال الطبع من ملاحظات أصحاب هذه الرسالة المجهولة. فقد أوردوا بأن مبلغ 88,599,00 درهما تم احتضانه من قبل شركات كبرى متخصصة في مجال العقار وتم دفعه لشركة متخصصة في الطبع، لكن المطبعة لا زالت تدين للمركز بمبلغ مشابه أو أكثر. ومن أغرب ما تحدثت عنه هذه الرسالة فواتير مبالغ فيها لخرجات خاصة لا علاقة لها بالعمل صرفت فيها حوالي 3500 درهم للشخص في الحلوى. ووصلت الميزانية المرصودة لفائدة شركة خاصة لتصميم موقع المركز إلى 120 ألف درهم، علما، يقول أصحاب الرسالة المجهولة، بأن مضمون الموقع أنجز من قبل موظفي المركز. وصرفت ميزانية 57,900,00 درهم لشركة خاصة مقابل خدمة التوصل بالجرائد، لكن خانة هذه الصفقة ذيلت بملاحظة تشير إلى أن المركز لم يبدأ في التوصل بالجرائد إلا في حدود يونيو الماضي، مع التأكيد على أن عدد الجرائد لا يتجاوز ثلاثا، وما تبقى لم يسبق أن تم التوصل به، تضيف الرسالة المجهولة. ورصد للتكوين مبلغ 120 ألف درهم، لكن الرسالة تسجل بأن موظفي المركز لم يسبق لهم أن استفادوا من هذا التكوين. وبلغت ميزانية مخصصة للبنزين أكثر من 120 ألف درهم، رغم أن أصحاب الرسالة يتحدثون عن أنه يتم تضخيم الفواتير وتوزيع «بونات»، بعضها يعاد بيعه للخواص. وخصص المركز، حسب هذه الرسالة، ميزانية بمبلغ 60 ألف درهم من أجل إصلاح سياراته، لكن الرسالة أوردت بأن هذه الإصلاحات لم تشمل سوى عجلات سيارتين، الأولى من نوع «داسيا» وتعود للمركز ويستغلها المدير، والثانية في ملكيته الشخصية. من جهته، وصف مصدر مقرب من مدير المركز الرسالة ب«الكيدية» و«الصادرة عن جهات ربما كانت لها مصالح في المركز، أو من أطراف تقاوم الطريقة الشفافة التي تسير بها هذه المؤسسة». وقال المصدر إن المركز يشارك في نوعين من الاجتماعات التي تهم مجال الاستثمار بالمدينة، أولها يتعلق باجتماع رسمي للجنة الجهوية للاستثمار ويعقد في مقر الولاية ويترأسه والي الجهة بحضور رؤساء جميع المصالح المعنية، وضمنها مدير المركز. ويختتم هذا الاجتماع بمحضر رسمي يوقع من قبل جميع أعضاء اللجنة وترسل نسخ منه إلى جميع المصالح المشاركة فيه. والنوع الثاني من الاجتماعات يهم اجتماعات تحضيرية لهذه اللجنة، وتعقد في المركز الجهوي للاستثمار وتحضرها جميع المصالح المعنية بملف الاستثمار، ويحضر فيها مدير المركز ومعه موظفون ينتمون إلى نفس المؤسسة، وتنجز محاضر هذه الاجتماعات في حينها، كما تسلم نسخ منها في الحين قصد التوقيع عليها للحاضرين. وهذه المحاضر، طبقا لأقوال المتحدث، موضوعة رهن إشارة كل من يرغب في التأكد من أن ليس هناك أي تسيير انفرادي للمؤسسة، عكس ما تتضمنه «الرسالة المجهولة». وأكد المصدر نفسه بأن موظفي المركز هم من يحضر جل التظاهرات الإشعاعية التي يشارك فيها المركز، سواء بالمدينة أو خارجها، بالتناوب، وحسب طبيعة الملفات، و«يلح مدير المركز على أن تكون هذه المشاركة متبوعة بتقارير». وبخصوص الرخص التي تتحدث عنها الرسالة، خاصة منها المشروبات الكحولية، أورد المصدر بأن دور المركز الجهوي للاستثمار هو جمع اللجنة المكلفة، التي تقوم بالاطلاع على تقارير المصالح التقنية، والتي تعتمدها في منح أو رفض الرخصة. وقال المصدر ذاته إن إقحام الصحافة المحلية، بشكل وصفه بالمجاني، في هذه الرسالة يعتبر سبة للصحافة المحلية، التي «يجب أن نحترمها وأن نضع رهن إشارتها جميع المعطيات التي تطلبها وأن نفتح لها أبواب الإدارة لتقوم بواجبها المهني في إخبار الرأي العام، وتساهم، بطريقة أو بأخرى، في جلب الاستثمار للمنطقة». وذكر بأن إدارة المركز مقتنعة بسياسة الانفتاح على جميع الفعاليات المحلية، وهي لن تتوانى عن فتح أبوابها لجميع الراغبين في الحصول على معطيات أو تقديم ملفات، بعيدا عن أي «بيروقراطية» أو «سياسة التعالي»، وهو ما يتماشى مع مقتضيات المفهوم الجديد للسلطة، حسب المصدر. واعتبر المصدر ذاته بأن كل ما تضمنته الرسالة من كلام حول نفقات المركز لا أساس له من الصحة، مضيفا بأن الإدارة تحرص على إنفاق أقل ما يمكن، «والدليل على ذلك أن نفقات المؤسسة لم تتجاوز 30 في المائة من الميزانية العامة المرصودة للمركز». وتحدث المصدر عن إجراءات وصفها بالإضافية اتخذت من أجل إعادة ترتيب طرق صرف الميزانية طبقا للتقنيات المحاسبية الجديدة، «في إطار جهود تبذل من أجل إضفاء مزيد من الشفافية على ميزانية المركز». ورحب المصدر بأي لجنة أو هيئة لها الاختصاص للنظر في هذه الصفقات التي ذكرت في الرسالة المجهولة، وإعداد تقارير حولها.