يؤكد الصحافي البريطاني روبرت فيسك، في آخر مقالاته، أن كلفة اجتياح الكويت عام 1990 تقدر ب620 مليار دولار. يذكرني الرقم الفلكي بذلك الرعب الذي ارتسم على وجه صديقي الخبير النفطي غداة الغزو الشهير للكويت، إذ قال معلقا على الحدث المصاب: «هذه أكبر كارثة تحل بالعرب في العصر الحديث. فالعرب يعيشون كلهم من النفط وليس المنتجين فقط، والأوبيك هي التي تحمي المصالح العربية وهي، بعد الغزو، ستفقد هامش المناورة ومن ثم سيبذل العرب الجزء الأكبر من ودائعهم على الحرب، وسيكون من الصعب إصلاح العلاقات بينهم، وستكون إسرائيل المستفيد الأكبر من هذه الكارثة». هذا الانطباع نشره صديقي باللغة الأجنبية، حيث كان ينشر حينذاك دون أن يعبأ أحد بكلامه تماما كما لم يعبأ أحد بالتحذيرات الضئيلة التي انطلقت عشية الغزو الذي كان متوقعا وشبه معلن في حينه. أما تفاصيل الكارثة، المقدرة أعلاه ماليا، فهي لم تتم فصولا بعد، فحال العراق المأساوية اليوم هي من تداعيات الغزو وكذلك انعدام الثقة بين الزعماء العرب وضعف التنسيق في ما بينهم، ناهيك عن انتشار النفاق والضغينة والاستجارة بالأجنبي والسخرية من العمل العربي المشترك، إلى غير ذلك من الظواهر السيئة التي انتشرت في الفضاء السياسي العربي الرسمي بعد اجتياح الكويت ومازالت منتشرة حتى اليوم، وقد ترسخت جراء استمرار معظم الزعماء العرب في مناصبهم منذ ذلك الحين. ويهون البعض من هذه الظاهرة عبر ربطها بالرئيس العراقي الراحل صدام حسين والقول بأن غيابه سيمحو أثرها طالما أنه تسبب فيها، عبر إصراره على الغزو وعلى عدم الانسحاب من الكويت ورفضه من بعد تطبيق القرارات الدولية. والواضح أن هذا التفسير لا قيمة له، خصوصا بعد إعدام الرئيس العراقي السابق ومواصلة العلاقات العربية العربية انحدارها العمودي، ناهيك عن الانحدار الذي يسجل في العديد من البلدان العربية، كل على حدة. والسؤال الذي يطرح نفسه بقوة هو: هل من وسيلة لوضع حد لهذه الكارثة؟ هل من وسيلة لعودة أجواء الثقة والتسامح والتعاون المشترك إلى العلاقات العربية العربية؟ والجواب المباشر في الحالتين هو نعم، لأن الكارثة ليست حلا بل هي قاطرة تحمل كل العرب إلى الجحيم. فالتخلص من النظام العراقي السابق قد يبدو مريحا للوهلة الأولى لهذه الدولة أو تلك، بيد أن الوقائع أظهرت أن ما بعد النظام السابق هو أخطر مما قبله على العرب الشاكين والمتذمرين والخائفين. والراجح أن بعض الحكام العرب لن يختار التعاون الدولي ضد النظام العراقي السابق لو عاد التاريخ إلى الوراء. وحتى لا نبالغ في الاستسلام لمشاعر الندم وحتى لا نغالي في الاستناد إلى القوى الأجنبية للحماية من بعضنا البعض ربما علينا اعتماد خارطة طريق عربية عربية تنطوي على مشروع إنقاذي وفق ثلاثة مراحل: المرحلة الأولى تنص على اعتراف شامل وتام من كل المسؤولين العرب بأن اجتياح الكويت كان الأصل في الكارثة التي حلت بالعرب خلال العقدين الفائتين، وبالتالي فإن الاجتياح المذكور لا يحتمل التبرير والتأويل الإيجابي بأية صورة من الصور. وإذ يقر العرب بهذه الحقيقة عبر مؤسساتهم المشتركة، فإنهم يتعهدون بالوقوف صفا واحدا ضد كل نظام عربي أو زعيم عربي يبادر إلى اجتياح دولة عربية مجاورة بالقوة المسلحة تحت أي ذريعة أو حجة سياسية أو تاريخية أو اقتصادية. ويتعهد العرب بأن يقفوا صفا واحدا إلى جانب الطرف المعتدي والدفاع جميعا عن المعتدى عليه، ومن الأفضل أن تتحول هذه النقطة إلى بند دستوري في دستور جامعة الدول العربية. المرحلة الثانية تنص على وقوف كل الدول العربية، دون استثناء، موقفا موحدا لتحصيل الحقوق المشروعة للشعب الفلسطيني، وذلك عبر دعم التيار العربي المقاوم طالما أن العلاقات الدولية أخفقت خلال 17 عاما في تحصيل تلك الحقوق وفي عهود حكومات إسرائيلية وغربية مختلفة، مما يعني أن القضية المركزية التي تشغل العرب وتعيق تقدمهم تحتاج إلى حل، وهذا الحل يستدعي تأييد المقاومة ودعمها لحمل إسرائيل على الانسحاب من الأراضي المحتلة، كما فعلت في غزة وفي جنوب لبنان. المرحلة الثالثة والأخيرة تستدعي تعاون العرب اقتصاديا في ما بينهم من أجل علاج المشكلات التي تمس الأمن العربي من المحيط إلى الخليج، ومن بينها الاتفاق على حل مشاكل الحدود وعلى إعطاء الأولوية للعمالة العربية في أسواق العمل الخليجية، وتعهد الدول العربية الثرية بمساعدة الدول الفقيرة في مجال التنمية المستدامة، ومن بينها محو الأمية وتمويل برامج التأهيل والمشروعات الصغيرة ووضع الحلول الملائمة لمشاكل المياه. ولعل خارطة الحلول العربية العربية مفيدة للعرب الفقراء مثلما هي مفيدة للعرب الأثرياء، فهي تتيح للطرف الأول ضمان مستقبل آمن لثروته وذريته، وتتيح للطرف الثاني الإفادة من الثروة العربية النفطية في امتلاك وسائل العيش الآمن، دون اللجوء الذليل إلى المساعدات والمنح الأجنبية.