الغضب المغربي من الصحافة الإسبانية غير مبرر على الإطلاق، فهذه الصحافة تقوم بما يمليه عليها ضميرها وأخلاقها، وما على المغاربة سوى أن يتأملوا ويفكروا... ثم يضحكوا. وفي الأيام الماضية، نشرت الجريدة الإسبانية الإلكترونية «إيل كونفيدونسيال» تحقيقا حول المغرب وكتبت مقالا عنوانه «كيف تحصل على خدمات جنسية بخمسين درهما». ومن أجل بعض المتعة والتسلية، تعالوا نقرأ بعض ما كتبته الصحافية الإسبانية، صاحبة المقال، التي تزعم أنها زارت طنجة لإنجاز تحقيقها. وللتذكير فقط، فهذا «التحقيق، أو «التخربيق»، كتب يوم الأربعاء الماضي وليس في القرن التاسع عشر. «في طنجة، النساء لا يخرجن حتى من أجل احتساء كوب قهوة في مقهى، وعندما يخرجن فإنهن يكن مرفوقات برجل وعلى وجوههن لثام أو يلبسن البرقع أو التشادور أو النقاب. أما محلات الحلاقة للنساء فهي غير موجودة. ولا يجب الاستغراب حين يشاهد رجل وهو يمشي خلف زوجته ويتتبع حركاتها، بينما هي تحمل أكياس السخرة الثقيلة. في طنجة، لا يوجد تعارف قبل الزواج، بل فقط الزواج المباشر، أما حقوق الزوجات فتنحصر فقط في خدمة الأزواج الذين يحق لهم الزواج بأربع نساء، وكل ما تحصل عليه الزوجة هو حقها في زيارة أهلها بين الفينة والأخرى». وتحكي هذه (الصحافية) الإسبانية، كلاما على لسان متقاعد إسباني يأتي إلى المغرب بين الفينة والأخرى، والذي يقول إنه يستطيع أن يمضي اليوم كله مع فتاة مغربية صغيرة مقابل 50 درهما، وأن الفتيات الصغيرات يتم إعدادهن في سن مبكرة ليصبحن في خدمة السياح الأجانب بثمن بخس. هذا المتقاعد يقول إنه صرف في شهر واحد 2000 أورو على متعه الجنسية، بينما هو نفسه الذي يقول إن 5 أوروهات تكفيه ليفعل ذلك طوال اليوم، لأن 2000 أورو ستكفيه لأربعة عشر شهرا، إذا كان يؤدي 50 درهما في اليوم. وتضيف (الصحافية) الإسبانية على لسان هذا المتقاعد: «عندما أمر في الشارع، تأتي إلي فتيات صغيرات عارضات علي مرافقتي، ومرة رفضت أن ترافقني فتاة في الرابعة عشرة لأنها كانت حاملا». ولأن كل هذا لا يكفي، فإن (الصحافية) الإسبانية تحدثت عن العمدة السابق لطنجة، ربما لأنها أنجزت تحقيقها عندما كان سمير عبد المولى لم يستقل بعد، وقالت إن «هذا المقاول الشاب الذي يشغل منصب عمدة المدينة، متزوج من امرأتين، الأولى سمراء والثانية شقراء». أما مصدر هذه المعلومات «المؤكدة» فهو مرشد سياحي غير قانوني اسمه نبيل. وربما يكون أخونا نبيل معذورا لأنه كان يريد الحصول على تعويض جيد، فقرر أن يزود هذه المرأة بمعلومات مبهرة وخطيرة لعلها ترفع مصروفه قليلا، تماما كما يفعل بعض تجار البازارات الذين يبيعون السياح الأغبياء عصا طارق بن زياد وزربية السندباد البحري وحذاء هرقل. هذا المقال، أو التحقيق، لم يخل طبعا من آراء حقوقيات وباحثات اجتماعيات مغربيات، ومن بين هذه الأسماء الباحثة ليلى الشافعي التي قالت إن الفتيات المغربيات تتم تربيتهن مبكرا على هدف واحد هو خدمة الرجل، واعتبار حياتهن بلا معنى من دونه. وتحدثت نجية أديب، رئيسة جمعية تسمى «ما تقيش ولدي»، وامرأة أخرى تسمى نادية لغريسي، من مركز لحقوق الإنسان، وكلهن تكلمن بحسن نية، ولم يكن يعرفن أنهن يتحدثن إلى واحدة من «أجهل» الصحافيات في تاريخ الكون، وربما لم يتحدثن مطلقا وتم السطو على كلامهن من الأنترنيت. لهذه الأسباب، ولأسباب أخرى كثيرة، ينبغي على المغاربة ألا يأخذوا حماقات الصحافة الإسبانية مأخذ الجد، بل ينبغي الاستمتاع بها والضحك قليلا. وسيكون مفيدا جدا لو أن وزارة الاتصال أو النقابة الوطنية للصحافة المغربية تخصص جائزة سنوية جديدة في مجال الصحافة تسميها «جائزة الحمق الصحفي»، وتخصص للتحقيقات والمقالات والتحليلات المضحكة والغبية، وأكيد أن الصحافة الإسبانية ستحتكر هذه الجائزة إلى الأبد.