تخلص من نظارات «رايبن»، التي تتباهي بها على أشباهك، وحدق في العالم بعينين مغلقتين، وستكتشف أن لا شيء تغير منذ آدم: الشر هو الشر والخير هو الخير، والإنسان أخطر وحش على وجه البسيطة. كائن دموي يأكل لحم أخيه، ويشرب نخب احتيالاته في كل العصور. سواء كان ناطقا أو أخرس، الإنسان حيوان نصاب بطبعه، رغم أنف أفلاطون. أنظر إلى الجثث التي تسقط كل يوم، وتأمل الحروب والمقالب والخناجر الصغيرة والكبيرة، والدماء التي تسفك في كل أنحاء الأرض. بحار من الدم تلوث الكوكب الأزرق، وتضليل وتغرير ولعب بالعقول والغرائز عبر كل الوسائل. النفس البشرية أمارة بالسوء، ولقطة الحجر الكبير وهو يهشم الرأس الصغير، مازالت تتكرر إلى ما لا نهاية. قابيل يقتل هابيل في كل لحظة. وحدها التفاصيل الخارجية تبدلت، لكن العمق عابر للقرون والحقب والأزمنة. الإنسان الذي يبني هو الإنسان الذي يهدم، مَن رفع الأهرام وسور الصين وتمثال الحرية، هو من حرق روما وبغداد وهدم مبنى التجارة العالمية. القشور تزول، واللب لا يتغير. اكتشف النار أو الكهرباء، التلفون أو الإنترنيت، صعد إلى الإيفريست أو إلى القمر، ابن آدم هو ابن آدم، يتألم ويبكي، يفرح ويحزن، يغار ويحسد، يغضب ويشتم، يموت ويولد. آلة من الأحاسيس، تعيد إنتاج نفسها إلى الأبد. وإذا كنا بدأنا بالنط في الأدغال، وانتهينا بالتقافز على «الفيس بوك»، فإن الفضل يعود إلى أشخاص مروا قبلنا ورسموا الطريق بنعالهم وتعبهم وغبار أقدامهم، وجثثهم أحيانا. عمالقة أضاؤوا ليل العصور مثل شموع، رغم أن حكاية «الشمعة التي تحترق لتضيء للآخرين» تبدو سخيفة، فإنها الحقيقة، والحقيقة سخيفة أحيانا، تجعلك صغيرا بشكل لا يصدق. كلما اقتربت من العمالقة تحس أنك قزم. كم نحن صغار قرب الفلاسفة والعلماء والأنبياء. أشخاص مثلنا، أو تقريبا مثلنا، لكنهم أخرجونا من الظلمات إلى النور، من التردد إلى اليقين، أومن اليقين إلى التردد. بفكرة أو كتاب أو اختراع، غيروا العالم. موسى وعيسى ومحمد عليهم السلام، وسقراط وابن رشد وسبينوزا، وأرخميدس والخوارزمي وأينشتاين، عليهم السلام أيضا. كل الذين تعرضوا للنبذ والتنكيل لأنهم تشبثوا بأفكارهم وقناعاتهم يستحقون تماثيل في متحف الحرية. خذوا الحكمة من أفواه الجدات: «كل شاة تعلق من حوافرها». التاريخ يعلمنا أنه من الحكمة ترك كل واحد يعتقد ما يشاء، والإنسان لم يتغير، منذ خلقه الله أو الطبيعة أو البين بونغ أو الصدفة، حسب معتقدات كل واحد. مؤمنون أو ملحدون، بوذيون أو مجوسيون... الأقزام مدينون للعمالقة، لولاهم لما كان العالم هو العالم!