الكثير من رجال الأعمال مرعوبون من فكرة تشكيل لجنة برلمانية لتقصي الحقائق في ملف امتيازات الضحى وفي عملية توزيع 7000 هكتار على شركات خاصة وعامة لإقامة مشاريع سكنية وسياحية وصناعية بأثمان رمزية... لماذا هاجم رئيس كونفدرالية الباطرونا، مولاي الحفيظ العلمي، الدعوة إلى تشكيل لجنة لتقصي الحقائق، واعتبر هذه الدعوة تسييسا «للبزنيس»؟ لأن جزءا كبيرا من رأسمال البرجوازية المغربية كان ولايزال مبنيا على «ريع الدولة» وعلى الهدايا التي تقدم لهذا الرأسمال، سواء في شكل إعفاءات ضريبية، أو سكوت على التملص من دفع الضريبة، أو منح أراض بأثمان رمزية، أو قيادة مسلسل للخوصصة غير شفاف وتطبعه الكثير من الزبونية والعلاقات الرمادية... مولاي حفيظ العلمي، الذي جاء إلى كونفدرالية رجال ونساء الأعمال نتيجة «طبخة سياسية» أنهت مع عهد الشامي، الذي حذر من تدخل محيط الملك في عمل الوزارة الأولى على عهد جطو، فتمت معاقبته بطريقة قاسية، ليعطي «المخزن المالي» عبرة لآخرين.. مولاي حفيظ هذا هو الذي يدعو إلى طرد السياسة من حديقة الاقتصاد وصفقاته اليوم، مع أن السياسة وعلاقاتها، والسلطة وشبكاتها، والمخزن وحساباته، هي التي ترسم مشهد المال والأعمال اليوم أكثر من أي وقت مضى، رغم زيادة الحديث عن «الليبرالية» واقتصاد السوق وعهد الشفافية... بماذا يفسر السيد العلمي، الموظف السابق في «أونا»، نفوذ هذه الشركة في قطاعات استراتيجية وشبه احتكارية؟ بم يفسر السيد العلمي خارطة القروض البنكية التي تعطى لهذه الشركة وتمنع عن شركات أخرى لأسباب سياسية وغير اقتصادية؟ بم يفسر السيد العلمي انتقال عقار الضحى من 500 هكتار قبل سنتين فقط إلى أكثر من 5000 هكتار الآن؟ ما معنى أن تتدخل مؤسسات عمومية لشراء أسهم بعض الشركات في البورصة لمنعها من الانهيار ولضمان حد أدنى من رواجها؟ بماذا تفسر أيها «الليبرالي الكبير» وضع رجال مقربين من مراكز النفوذ في المواقع الحساسة للاقتصاد (الجمارك، الضرائب، المالية والمؤسسات العمومية...)? إن توسيع هامش الحرية في الحقل السياسي لم تتبعه عملية توسيع هامش الشفافية في الحقل الاقتصادي، بل جرى فصل عالم المال والأعمال عن أية رقابة برلمانية أو قضائية أو حكومية أو مؤسساتية، وعهد إلى بعض أقطاب الدولة (الماجدي الآن) بتسيير هذا العالم في الظل وبعيدا عن أعين الشفافية... قصة الضحى اليوم مجرد شجرة تخفي غابات كثيرة من الريع، ومن الإثراء غير المشروع، ومن توظيف الملك العمومي لخدمة المصالح الخاصة... على السيد العلمي أن يعيد قراءة تاريخ ميلاد الديمقراطية التي خرجت من رحم التصويت على ميزانية القصر.. في بريطانيا طبعا وليس في مكان آخر.