يعتبر الإمام مكونا أساسيا من النخبة الدينية في المعرب، فمعرفته ووضعيته الاعتبارية والمادية وأدواره الرمزية مرتبطة ارتباطا صميميا بالاجتماعي في تجلياته الاقتصادية والسياسية والثقافية عامة. وبفعل ذلك، تتأثر عقائده بموقعه من المجتمع وبمستواه المعرفي-الثقافي... فرغم أن التوجه الحالي في المغرب هوقيام الدولة بتعيين الأئمة الدينيين، فإن واقع الأمر يفصح عن كون الأمر يبقى خارج نفوذها في بعض الأحيان، ليرتهن بقناعات المشرفين على المساجد أوالممولين لها، كما يتدخل التشابك المذهبي (السلفي-الصوفي) بشكل كبير في تأطير هذه المهنة. ويعتبر الإمام في المغرب الشخص الذي تتوفر فيه كفاءات معترف بها رسميا والذي يمارس، فعليا، الإمامة في الصلوات الخمس بالمساجد التابعة وغير التابعة للدولة، وهو أيضا جزء من فئة عامة يطلق عليها اسم القيمين الدينيين، وهم كل من يقوم بمهمة في المسجد، الإمامة والخطابة والوعظ والحزابة والأذان.. وعدد الأئمة الإجمالي في المغرب هو 55082 إماما، يمثلون 75 في المائة من مجموع عدد القيمين الدينيين. ومن مبادرات الدولة الرامية إلى العناية بفئة الأئمة، بشكل خاص، والقيمين الدينيين، بشكل عام، الإعلان عن إحداث مؤسسة محمد السادس للنهوض بالأعمال الاجتماعية للقيمين الدينيين في 27 شتنبر 2008، وسبق ذلك، في يوليوز 2007، دخول نظام التغطية الصحية للأئمة حيز التنفيذ والذي يشمل ما مجموعه 166 ألف شخص ما بين الأئمة وزوجاتهم وأبنائهم. لقد كان من أهم محاور خطة «ميثاق العلماء» التي أعلنها الملك في 27 شتنبر 2008 بتطوان: تأهيل أئمة المساجد باعتبارهم «نوابا عن الإمام الأعظم، أمير المؤمنين، في التوجيه والإرشاد الديني». وبمناسبة انطلاق هذا البرنامج، أوضح وزير الأوقاف أن 1500 مؤطر في كل الجماعات القروية والحضرية سيشرفون على هذه العملية «الكبرى غير المسبوقة» التي تتوخى تمكين الأئمة من أداء مهامهم على أكمل وجه، وإيجاد تأطير ديني مناسب لمجتمع حريص على ثوابته ومقوماته وهويته، إلى جانب ملاءمة هذا التأطير مع جمهور «جديد متطلب وأكثر وعيا». كما أبرز الوزير أن هذا البرنامج الشامل والدائم إجباري بالنسبة إلى جميع الأئمة على تفاوتهم، فضلا عن كونه سيشكل، بالأساس، لقاء تواصليا روحيا ربانيا أكثر منه تعليميا «للإحاطة بالإطار المذهبي والمؤسساتي الذي يشتغل فيه الأئمة». وتنكب المجالس العلمية المحلية حاليا، في إطار خطة ميثاق العلماء، على تفعيل برنامج يقوم على تأطير أئمة المساجد وتأهيلهم وتوعية عامة الناس في المدن والبوادي وتوجيههم، بواسطة 1530 عالما من العلماء المؤهلين. كما ستسعى الوزارة إلى إعادة تنظيم مهامهم من أعمال تطوعية إلى أعمال مسؤولة عن تنظيم الخدمة والمساهمة الفعالة في استراتيجية تأهيل المسجد. لكن، رغم كل هذه الإجراءات، لا زال تعويض الإمام لا يبلغ الحد الأدنى للأجور المعمول به في المغرب، حيث لا تصل حصة الإمام الواحد منها سوى إلى 11 ألف درهم للعام الواحد، في حين يتطلب تحقيق تمتيع جميع الأئمة بالحد الأدنى للأجور (2000 درهم) تعبئة غلاف مالي يفوق 400 مليار سنتيم. كما أن هناك حالات عديدة حرمت من الاستفادة في إقليم دون آخر، كما يشتكي الكثيرون من خصم مبالغ هامة بدون وجه حق. وفي مقابل ذلك، فإنه من حسنات منحة الميزانية العامة، التي لم يتوقعها أحد، أنها تشجع على مرابطة العديد من حملة القرآن ببعض المساجد الخربة والمهجورة على أمل إدراجهم ضمن من تشملهم هذه الإعانة، مما كان له الأثر في إحياء العديد من المساجد. لكن وزير الأوقاف وعد في العديد من المرات بأن الوزارة ستعيد تنظيم مهام الأئمة من أعمال تطوعية إلى أعمال مسؤولية عن تنظيم الخدمة والمساهمة الفعالة في استراتيجية تأهيل المسجد. ومن حين إلى آخر، تتسرب إلى الصحافة أخبار عن وجود خروقات في مكافآت ومنح مؤطري محو الأمية والقيمين الدينيين. أكدت الوزارة بعضها وقامت بإعفاء المسؤولين عنها من مناديب وموظفين تابعين لها. وعلى الرغم من هزالة الحصص المالية المخصصة للقيمين الدينيين، فقد سجلت الإجراءات الجديدة تمايزا عن السياسة السابقة لوزارة الأوقاف في عهد الوزير السابق، والذي كان له تصور حول الإمامة مفاده أن الأصل في الوظائف داخل المسجد التطوع، وأن كل ما تدفعه الأوقاف ما هو إلا مكافآت، وهي غير ملزمة بصرف رواتب مقابل أداء الصلاة. لقد كان الوزير متحاملا على الأئمة الدينيين الذين ينتسبون إلى وزارته، يقول أحد الأئمة الذين استجوبناهم. لقد كانت لدى الوزير السابق قناعة مفادها أن الإنفاق على المسجد وطاقمه من فروض الكفايات، فإذا قام به من فيه كفاية سقط الفرض عن الباقين وإذا تعطل حرج الكافة، حتى اعتبر الكثير من الأئمة فترة تولي «المدغري العلوي» بمثابة العهد السيئ للمساجد، كما نعتوا وزارته بإدارة مراقبة الهلال وإصدار حصص الأذان، في دلالة على تبرمها من التزاماتها إزاء الأئمة. وعلى كل حال، فالمؤكد لدينا أن الأئمة الدينيين في أكثر الدول العربية أحسن حالا من نظرائهم في المغرب، من حيث تأهيل معاهد التكوين وتقنين الوظيفة. يتبع... عبد الحكيم أبواللوز