يبدو أن تبعات الأزمة بين مصر والجزائر ما زالت تلقي بثقلها على العلاقات بين البلدين، ولكن ما ينفخ في رماد الأزمة هذه المرة ليس مباراة لكرة القدم على غرار المرة السابقة، بل أخبارا تواردتها وسائل إعلام عربية ومصرية مفادها أن السلطات المصرية أدرجت الجزائر ضمن خمس دول عربية على (القائمة السوداء) بحجة علاقة بعض مواطنيها بتنظيم القاعدة، مما يفترض اتخاذ تدابير أمنية خاصة مع مواطني هذه الدول في المطارات والمنافذ البرية والبحرية. وتناقلت العديد من المصادر الصحفية المصرية أن «القرار الجديد يسمح للمصالح الأمنية المصرية بإخضاع مواطني كل من دول الجزائر والصومال والعراق واليمن وموريتانيا لإجراءات (وقائية) خاصة»، فيما أوردت مصادر إعلامية أخرى «اسم السعودية ضمن القائمة»، وفي المقابل عبرت عدد من الصحف الجزائرية، يوم الاثنين، عن استيائها من القرار. ويشمل القرار المصري -حسب الصحف المصرية، وعلى رأسها مجلة «روز اليوسف»، «تنفيذ إجراءات أمنية على مواطني الدول العربية الخمس، حيث ستتضمن الفحص الشامل لجوازات سفرهم، مع المتابعة والرصد الدقيق لهم أثناء إقامتهم في مصر، بالموازاة مع قيام سلطات مطار القاهرة، يوم الثلاثاء 02 نوفمبر، بتفتيش نحو 29 ألف راكب و182 طردا، بعد حادث إرسال الطردين المفخخين من اليمن». وأفادت مجلة «روز اليوسف» المصرية بأنه «تقرّر إدراج دول اليمن والعراق والصومال والجزائر وموريتانيا» على (القائمة السوداء) لما أسمته، حسب مصادرها، ب«وجود فروع لتنظيم القاعدة داخل هذه الدول»، فيما لم تورد نفس المجلة اسم السعودية. وعن الإجراءات الأمنية التي سيتم تنفيذها، قالت الصحافة المصرية إنه «سيتم فحص جوازات سفر المواطنين المنتمين إلى تلك الدول فحصا شاملا وبمنتهى الدقة، بالإضافة إلى (التعاون الأمني) مع هذه الدول في محاولة للحيلولة دون وصول أي مشتبه به إلى مصر، وسيتم تتبع المشتبه بهم حتى التأكد من عدم وجود أي صلة ب(التنظيم الإرهابي)»! وتأتي هذه التطورات في وقت أودعت فيه وزارة الشؤون الخارجية الجزائرية «شكوى رسمية لدى نظيرتها المصرية، بسبب رفض السفارة المصرية بالجزائر منح وفدين جزائريين التأشيرة لدخول التراب المصري من أجل حضور أشغال الجمعية العامة لاتحاد الطيران العربي، وكذا المعرض الدولي للطيران». وتقول مصادر جزائرية «إن السلطات المصرية تعمدت أن تحرم من دخول مصر الوفدين، المشكلين على التوالي من 3 أعضاء و4 أعضاء، واللذين كانا سينتقلان إلى القاهرة تباعا، كل واحد على حدة، حيث كان مقررا أن يشارك الأول في أشغال الجمعية العامة لاتحاد الطيران العربي، والثاني في معرض (أفيكس) الدولي للطيران في دورته الرابعة». وأكد، وحيد بوعبد الله، الرئيس المدير العام لشركة الخطوط الجوية الجزائرية، في تصريح صحافي، أنه سلم مصالح الشؤون الخارجية شكوى رسمية بخصوص رفض مصالح الشؤون القنصلية بالسفارة المصرية تسليمهم تأشيرة دخول الأراضي المصرية، وقال «إنه لا يستبعد أن يكون القرار نابعا من عدم تقبل السلطات المصرية قيام شركة الخطوط الجوية الجزائرية بضمان الجسر الجوي بين الجزائروالقاهرة لنقل المناصرين الجزائريين». من جانب آخر، نفى سفير الجزائر بمصر وممثلها بالجامعة العربية تلقي سفارته مراسلة من السلطات المصرية بخصوص القائمة المفترضة. وقال مصدر في وزارة الخارجية الجزائرية «لا يمكن الرد بناء على مقال صحافي ما لم يرد أي شيء في الموضوع من مصادر رسمية»، وذلك في إشارة إلى المعلومات التي نشرتها صحيفة «روز اليوسف» المصرية. غير أن الناطق الرسمي باسم «حركة مجتمع السلم الجزائرية»، أحد أقطاب الائتلاف الحكومي، محمد جمعة، قال في تصريح لوكالة «يونايتد برس إنترناشونال»: «إن الحركة لم تتأكد بعد من صحة الخبر، ولكن إذا ثبت وجود مثل هذه القائمة فإن على الجزائر أن تطبق مع مصر مبدأ المعاملة بالمثل». واعتبر جمعة أن مصر ستتجاوز بذلك «الخطوط الحمراء في تعاملها مع الجزائر». وقال: «هذا خط أحمر لن نسمح بتجاوزه ولن نتنازل ولن نقبل بإهانة رعايانا بتفتيشهم (...) نحن لم نقبل مثل هذا الأمر من أمريكا وفرنسا، فكيف نقبله من مصر، وهم يعلمون أن العلاقات الجزائرية - الفرنسية قد بلغت حدود القطيعة بسبب تطاول فرنسا علينا». ورأى جمعة أن القرار لن يكون له مبرر «إلا إذا كانت الخلفيات سياسية مثل مباراة كرة القدم أو معاقبة الجزائر على مواقفها القومية باتجاه القضية الفلسطينية»، مرجحا احتمال محاولة «ابتزاز الجزائر بالنظر إلى المشاكل التي تعانيها بعض المؤسسات الاقتصادية المصرية في الجزائر»، في إشارة إلى وضعية شركة «أوراسكوم تيليكوم» للهاتف المحمول المهتزة بعد قرار الجزائر بشرائها. من جهتها، نقلت وسائل إعلام جزائرية عن الناطق باسم «جبهة التحرير الوطني»، حزب الغالبية البرلمانية، عيسي قاسة، قوله: «ليست هذه المرة الأولى التي تأخذ فيها الدبلوماسية المصرية مواقف من هذا النوع». وأضاف: «عندما نتحدث عن التخوف من الإرهاب، فإن مصر كانت من الدول التي خرج الإرهاب من قواعدها وهي تغذيه فكريا ومذهبيا، وهناك توجد رؤوس من الإرهاب». وقال: «ليس لمصر الحق ولا لأي تنظيم أو جهة في تصنيف الدول أو محاسبتها على ما يحصل بداخلها». وأضاف الناطق باسم حزب «جبهة التحرير الوطني»: «إننا نشك في أن يكون هذا القرار مصريا، بل لقد أملي عليها إذا ما قسنا الأمور بالتحالفات التي دخلت فيها مصر في السنوات الأخيرة».