لا فرق، من الناحية الشكلية، بين التعويضات التي يتقاضاها موظفو السلك الدبلوماسي، وباقي موظفي الدولة، بالنظر إلا أن القانون ينص على صرف منح خاصة للموظفين الذين يتركون مناصبهم في الإدارة المركزية للالتحاق بمصالحها الخارجية، سواء داخل فرنسا أو خارجها. وإذا كانت أجور موظفي وزارة الشؤون الخارجية والأوربية بمختلف فئاتهم معروفة لدى الجميع ومحددة طبقا لقانون الوظيفة العمومية، فإن المنح، بتعددها تصنع الفارق، بين الموظفين المنتمين لنفس الفئة، خصوصا الفئة «أ»، الذين يعتبرون الأعلى أجرا في هذه الوزارة وباقي الموظفين. وقد أثارت هذه المنح، نوعيتها وقيمتها، سجالا حادا في الأوساط الفرنسية السنة الماضية، بعدما أعلنت «الكي دورساي» عزمها اعتماد منحة وحيدة و«منمطة»، تعطى على أساس المهام التي يتكلف بها الموظف ومردودية أعماله، مؤكدة أن هذه المنحة الجديدة ستحل مكان جميع التعويضات التي كان موظفو الوزارة يتقاضونها بداية بالتعويضات “الجزافية” عن المهام الإضافية ومختلف التعويضات المعمول بها في سلك الوظيفة العمومية، فضلا عن منحة المردودية. ورغم أن المنحة الجديدة ستمكن الموظفين من الفئة «أ»، على سبيل المثال، من 11.984 أورو إلى 22.588 أورو في السنة، حسب درجاتهم وسلالمهم المهنية، فإنها ووجهت بانتقاد شديد من لدن بعض التنظيمات النقابية التي حذرت مما قد ينتج عن الطريقة الجديدة لصرف منح موظفي «الكي دورساي» من إقصاء لبعض الموظفين وتشجيع للأصولية والزبونية بسبب عدم وضوح المعايير التي تعتمد في صرفها. غير أن الأمر مختلف بالنسبة لموظفي السلك الدبلوماسي، حيث يمكن لكبار وسامي الموظفين الدبلوماسيين أن يتحولوا إلى أثرياء بفضل تعويضات الإقامة التي تختلف من بلد لآخر حسب الأوضاع الأمنية والسياسية، وكلما كانت أوضاع البلد متدهورة سياسيا وأمنيا، كانت التعويضات كبيرة إلى درجة أنها تصل في بعض الأحيان إلى أرقام فلكية تضاعف بمرات عديدة الراتب الأصلي للسفير أو الموظف الدبلوماسي. في رابع شتنبر 1949، صدر مرسوم وزاري، يجزل العطاء للسفراء بتمكينهم من منحة للإقامة تحدد قيمتها بناء على أهمية المنصب الذي يشغله المعني بالأمر في السلك الدبلوماسي والخصائص الأمنية والسياسية للمنطقة التي يشتغل بها. وبصرف النظر عن قيمة هذه التعويضات، التي تبقى جزافية، رغم أن القانون المنظم لها خضع لعدة تعديلات على مدى خمسة عقود من عمر الجمهورية الفرنسية الخامسة، فإن السؤال الرئيس الذي يطرح بخصوص السلك الدبلوماسي يتمثل في: «كم يتقاضى السفراء؟»، بالنظر إلى أن الدخل السنوي لصغار موظفي السفارات والقنصليات ومتوسطيهم قلما يتجاوز سقفا، يعتبره الفرنسيون معقولا، أيا كان البلد الذي يباشرون فيه مهامهم. يكشف إيفان استيفانوفيتش في كتابه «أخي»، أن سفير فرنسا في تادجكستان كان يتقاضى 22.500 أورو، بالموازاة مع الكشف عن تقارير رسمية تفيد بأن 120 سفيرا فرنسيا يتقاضون على الأقل 18 ألف أورو. وعموما، فإن الأغلبية الساحقة من السفراء الفرنسيين يتقاضون شهريا ما بين 15 ألفا و20 ألف أورو، وقلما تصل هذه الرواتب إلى 25 ألف أورو. ورغم أن المال يبقى اكبر طابوهات وزارة الشؤون الخارجية والأوربية، فإن كثيرا من موظفي السلك الدبلوماسي، خصوصا المصنفين في فئة «ج»، أكدوا أن التعويضات التي يحصلون عليها لم تعد كافية لتلبية حاجياتهم في بعض الدول، من قبيل جنوب إفريقيا مثلا. وهكذا أقدموا، في سنة 2008، على بعث رسالتين، تفصل بين الأولى والثانية بضعة شهور، إلى وزارة كوشنير، يعبرون فيها عن تذمرهم من تراجع قيمة تعويضات الإقامة بنحو 10 في المائة، وكانت رسالة مماثلة وصلت إلى الوزارة في يونيو 2006، عندما سجلت التعويضات سالفة الذكر تراجعا كبيرا ناهزا 32 في المائة في الوقت الذي ارتفع فيه المؤشر الوطني لأسعار الاستهلاك بحوالي 21 في المائة. وجاء في آخر رسالة توصلت بها الخارجية الفرنسية قبل سنتين من أعضاء سلكها الدبلوماسي بجنوب إفريقيا أن «التخفيضات أصابت الجميع بالإحباط»، وقالوا: «لا نفهم حقيقة دواعي التقليص المتتالي لتعويضاتنا. يسود إحباط شديد بسبب هذه الإجراءات «غير المفهومة»، خصوصا وأنها تتناقض مع تأكيدات فرنسا عزمها على حماية مصالحها بجنوب إفريقيا وتقوية علاقاتها مع هذا البلد الإفريقي، ولا أحد يمكنه التكهن بانعكاسات هذا الأمر على قدرتنا الشرائية في ظل التغييرات السريعة التي يعرفها مؤشر الأسعار في هذا البلد. ويبدو أن دبلوماسيي فرنسا في جنوب إفريقيا يواجهون صعوبات أكبر من تلك التي تعترض نظراءهم في باقي الدول، ولهذا السبب، ربما، كانوا سباقين إلى الاحتجاج على الإجراءات المقلصة لتعويضات الإقامة، في وقت أوضحت تقارير، نشرت أواخر سنة 2008، أن أي موظف في سفارات فرنسا وقنصلياتها بجنوب إفريقيا سيعاني، بسبب تقليص تعويضاته، من عجز مالي شهري يصل إلى ألف أورو إذا كان متزوجا وأبا لطفلين على أكثر تقدير. وقد وجدت استغاثة موظفي سفارة باريس وقنصلياتها بجنوب إفريقيا آذانا صاغية من لدن المسؤولين في «الكي دورساي»، وجاء الرد بعد سنة تقريبا من وصول آخر رسالة إلى ديوان برنار كوشنير، حيث صدر في 17 دجنبر 2009 مرسوم وزاري ينص على إقرار زيادة في تعويضات الإقامة الخاصة بموظفي التمثيليات الفرنسية بجنوب إفريقيا، وحدد المرسوم قيمة الزيادة في 1.2 في المائة بالنسبة إلى مدينتي بريتوريا وجوهانسبورغ، 0.10 في المائة فقط لباقي المدن الجنوب إفريقية. ويعتبر متتبعو الشأن الدبلوماسي الفرنسي أن وزارة الخارجية لا تتوفر على كامل الصلاحية للرفع من أجور وتعويضات سفرائها وموظفي سفاراتها وقنصلياتها بالخارج، لأن وزارة المالية هي الوحيدة القادرة على الحسم في قرار من هذا القبيل.