باستثناء ما أثاره ملف «الباقي استخلاصه»، والذي قُدِّر مبلغه بحوالي 80 مليار سنتيم «عجز» المجلس الجماعي لفاس عن استخلاصه من أصحاب الشركات والمحلات وغيرها، فإن أشغال دورة المجلس لشهر أكتوبر، صباح يوم الاثنين الماضي، مرت في أجواء عادية، بخلاف الدورات السابقة التي تحولت فيها القاعات التي احتضنتها إلى «حلبة» للصراع بين حزب الأصالة والمعاصرة، الذي يُصنَّف في خانة المعارضة، وحزب الاستقلال، الذي يُسيِّر بأغلبيته «المريحة» الشأنَ المحلي في المدينة. وقد صادق ما يقرب من 71 مستشارا من كل الفرق الممثَّلة في المجلس على أغلبية النقط التي تضمنها جدول أعمال هذه الدورة العادية، بالإجماع. وبدا العمدة شباط والذي تحول إلى خبير اقتصادي استرعى تركيز جل المستشارين وهو يقدم شروحاته حول الميزانية الجديدة للجماعة منتشيا بهذا المكسب «التاريخي»، وهو ينهي أشغال هذه الدورة، التي تمت المصادقة خلالها على ميزانية 2011، فيما سُجِّل غياب ما يقرب من 20 مستشارا عن حضور أشغال الدورة، برز ضمنهم معارضوه من فريق الأصالة والمعاصرة. وخلت الجلسة من أي اتهامات متبادلة بين أطيافه، باستثناء اتهام أحد مستشاري الفريق الاتحادي للكتابة العامة ب«التزوير» في محضر اجتماع سابق، بعدما وجد اسمه ضمن المصوتين، في وقت كان قد أعلن عن انسحابه من الجلسة، وطلب نشر توضيح في إحدى الجرائد الوطنية وتصحيح «الخطأ»، قبل أن يتدخل مستشارون آخرون لتزكية نفس الملاحظة. ووجدت الكتابة العامة نفسها في وضع حرج. واقترح رئيس المجلس تصحيح الوضع، «متهما» التسرع في صياغة هذه المحاضر بالوقوف وراء هذه الأخطاء. وقد وصف أحد مستشاري فريق العدالة والتنمية مشكل «الباقي استخلاصه» ب«كارثة الجماعات المحلية» ودعا إلى ضرورة التعاون بين المجلس والسلطات الإدارية لجمع هذه المستحقات. في حين دعا مستشار من الأصالة والمعاصرة إلى «تصالح جبائي» بين المجلس والمواطنين، بغرض تمكين المجلس الجماعي من إدخال هذه المستحقات إلى ميزانيته. وبالرغم من أن المجال الحضري لمدينة فاس قد شهد، في الآونة الأخيرة، توسعا عمرانيا كبيرا تميز بتناسل البنايات السكنية والمحلات المهنية وانتعاش «أباطرة» العقار، فإن المجلس الجماعي، في مذكرة عرض حول ميزانيته الجديدة، يتحدث عن عدم تطور المداخيل المحولة والمتعلقة برسم السكنى ورسم الخدمات الجماعية والرسم المهني. وقال إن هذه المداخيل التي تتولى مصالح الخزينة الجهوية استخلاصها تشكل في كل سنة مالية عائقا يحد من تطور الموارد الجماعية ويؤدي إلى ارتفاع مبالغ «الباقي استخلاصه». و«استغل» عمدة فاس إثارة عدم تطور مداخيل استغلال الأسواق الجماعية ومنها سوق الخضر والفواكه وسوق السمك وسوق بيع الجلود والمجزرة الجماعية لتوجيه انتقادات للطرق التي تُدبَّر بها هذه الأسواق من قبل وزارة الداخلية وقال إن هذه الأسواق تعاني من «عجز خطير» وتسير بدون وكلاء ووصف وضع الموظفين الذين تضعهم الجماعة رهن إشارتها بالوضع غير القانوني، مشيرا إلى أن عددا من الجماعات المحلية «تخرق» القانون، من أجل ضمان استمرارية هذه الأسواق، في وقت تستغل ملفات تدبيرها، بين الفينة والأخرى، من أجل تصفية الحسابات مع بعض رؤساء الجماعات. وبالرغم من أن هذه الأسواق التي توزع «المؤونة» على كل الجهات المحيطة بفاس تروج المال الوفير، فإن مداخيل الجماعة منها لم يعرف تطورا منذ عدة سنوات. وعادة ما يتم الحديث عن «تواطؤات» بين بعض المكلفين بتدبيرها وبين «ورثة» عدد من الوكلاء، للتملص من أداء الرسوم القانونية لتسويق المنتوجات. ويقر المجلس الجماعي لفاس بهذا المعطى، مؤكدا، في مذكرة العرض الخاصة بميزانيته الجديدة، بأنه سيتخذ «الإجراءات الضرورية» لمواجهة كل تهاون أو إخلال بالواجب المنوط بالعاملين المكلَّفين بتسيير هذه المرافق. ولم يسبق للمجلس أن فتح أي تحقيقات في الموضوع، مع العلم أنه يتحدث عن أن المشكل قائم منذ سنوات. وإلى جانب هذه «العوامل الداخلية»، فإن انتشار البيع بالجملة خارج الأسواق الجماعية ووجود المستودعات السرية للخضر والفواكه والذبح السري للماشية يساهم في إضعاف المداخيل التي تجنيها الجماعة من هذه الأسواق. وباستثناء «حملات» محسوبة على رؤوس الأصابع يتم تنفيذها على مدار السنة، فإن السلطات الإدارية لا تتدخل ل«التصدي» لهذه الوضعية.