الحلقة الأولى تداول الاتحاد الاشتراكي بمدينة فاس على التدبير الجماعي مع حزب الاستقلال، إذ بعد تجربة 1976-1982 التي قادها الحزب الوردي فسح هذا الأخير المجال للاتحاد الاشتراكي الذي مر من ولايتين: 1982-1992 و1997-2003، كما تشارك الحزبان في ولاية 1992-1997. وهكذا يظهر أن الاتحاد الاشتراكي انفرد بحصة الأسد من حيث المدة الزمنية التي قضاها في بلديات فاس، أو من حيث المشاريع التي فشل في تسييرها. وسوف تقودنا الملفات التي سنعرض لها في هذا التقرير المفصل إلى الخلاصة التالية: إن التناوب الاتحادي-الاستقلالي على حكم فاس قد آل إلى الفشل قبل أن تؤول تجربة التناوب على الصعيد الوطني إلى نفس المآل. ولعل هذه الخلاصة الأولى تقودنا إلى خلاصة أساسية ثانية تتعلق بالبديل السياسي لهذين الحزبين على مستوى مدينة فاس بشكل خاص، أو على مستوى المملكة بشكل عام. لنتمعن إذن في دلالات الملفات والأرقام والخلاصات التالية: أولاً: الاتحاد الاشتراكي والإهدار المالي: النموذج الأول: مركب الحرية بجماعة أكدال فاس وحكاية الملايير التي خرجت ولم تعد حصلت بلدية فاس الاتحادية سنة 1988 تحت إشراف وزارتي الداخلية والمالية على قرض من مؤسسة القرض العقاري والسياحي بقيمة 45 مليون درهماً من أجل بناء مركب سكني-تجاري يعرف باسم الحرية، ويمتد على مساحة تبلغ 5046م مربع، منحت الجماعة المستثمرة 216 شقة ومحلاً تجارياً في موقع استراتيجي هام من وسط المدينةالجديدة. وقد قبلت الجماعة برد القرض بفائدة قدرها 13/0 على أن ترفع إلى 15/0 إن لم تلتزم البلدية باحترام الآجال المحددة في الاتفاقية وهي بداية شهر يونيه 1992. وهو ما حصل فعلاً. هذا وقد أمكن للجماعة أن تستفيد من منتوج بيع المحلات كمصدر تمويل إضافي. في حين تكفلت المؤسسة الجهوية للتجهيز والبناء للمنطقة الوسطى الشمالية (ليراك) وفق تدبير مفوض ببناء المشروع وبيع المنتوج. كما شرع القابض البلدي في استخلاص المبالغ المترتبة عن عمليات البيع. وبعد التقسيم الإداري بقي الحساب الخصوصي المتعلق بمشروع الحرية في ذمة الجماعة الحضرية أكدال. وتبلغ القيمة الإجمالية للمشروع 101.017.740,00 درهماً. ولذلك فالفرق بين القرض والقيمة الإجمالية يشكل ربحاً بمبلغ 56.017.740,00 درهماً. وبذلك كان المنطلق هو أن تخرج الجماعة أربعة ملايير ونصف لتعود إليها عشرة ملايير ومائة مليون سنتيم. لكن هذا لم يحصل إذ دخلت حسابات المجلس البلدي فقط 44.351.119,50 درهماً. وهو رقم يقرب من حجم الدين الأصلي. ولم تستطع الجماعة تحصيل 56.666.620,50 درهماً من ثلة من المستفيدين المحظوظين. كما أن البلدية فضلت أن تؤدي لبعض مقاولات البناء تعويضاتها ولم تفكر في أداء مستحقات البنك الذي يلزمها بأداء فوائد 13/0 منذ تسلم القرض سنة 1988، و15/0 منذ بداية شهر يونيه 1992 إلى يوم الناس هذا. وبذلك تكون جماعة أكدال قد قامت بممارسة غريبة في التدبير المقاولاتي، حيث تحملت خسارة أولى بمبلغ 56 مليون درهم عوض أن تحصل على نفس الرقم كأرباح، هذا بالإضافة إلى فوائد القرض التي ترتفع يوماً بعد يوم منذ حوالي 14 سنة. وخلال سنة 1995 حاول المجلس الاستقلالي أن يجد صيغة لحل المشكل، فاقترح حصر مبالغ القرض والفوائد في 70.000.000,00 درهم على أن تتنازل مؤسسة القرض العقاري والسياحي عن بقية الدين. كما تنازلت الجماعة عن حصتها مكتفية بدرهم رمزي. كذلك قبلت مؤسسة ليراك عدم التعويض عن أشغالها. وبذلك تبخرت 56 مليون درهماً التي أرادت الجماعة أن تحققها كأرباح فصارت درهماً رمزياً واحداً. وقامت ليراك بأشغال دون مقابل، هكذا بشكل يعجز العقل عن فهمه. وتشبت البنك بموقفه اعتباراً لكونه كان قد استلف بدوره المبلغ المقروض من مؤسسة مالية أجنبية بفوائد 8/0. ولذلك استمرت أرباح الدين الأصلي في الارتفاع، مما دفع البنك إلى إرسال إنذار قضائي أولي بتاريخ 15 أكتوبر 1998 حيث ذكر الجماعة بمبلغ القرض وفوائده التي وصلت إلى 118.245.312,81 درهماً إلى غاية 30 شتنبر 1998، ثم ارتفع إلى 145.054.800,00 درهماً سنة 2000. كما أن المجلس الحالي لجماعة أكدال أذن بالإجماع لرئيسه في دورة فبراير 1999 بالترافع في هذه القضية أمام القضاء. وحسب وثيقة رسمية صادرة عن الجماعة المعنية في أكتوبر 1998 فقد "علقت بلدية أكدال آمالاً كبيرة لتحسيس المستفيدين بتسوية أوضاعهم، لكن دون جدوى رغم الاتصالات والاجتماعات العديدة التي تمت على مستوى الولاية أو الجماعة". فملايير الجماعة تذهب سدى تماطلات المستفيدين، والجماعة والولاية تكتفيان بحملة تحسيسية. فأي منطق هذا تعجز فيه الجماعة صاحبة المشروع والولاية كإدارة وصية بما لها من صلاحيات وإمكانيات، في إلزام ثلة من المحظوظين بأداء ما بذمتهم للجماعة، أي للشعب؟. بل إن الرئيس الحالي لجماعة أكدال الذي كان أيضاً رئيس بلدية فاس صاحبة مبادرة مشروع الحرية سنة 1988، يصرح بأن "تفاصيل الملف أريد لها أن تختفي بسبب سلوك بعض المستفيدين ممن تاجروا بمرافقه أو اكتروها بثمن يفوق ما دفعوه كتسبيق". فهل نحن في غابة يعجز فيها صاحب الحق عن استخلاص أمواله، أم أنه مجرد إغماض العين عن حفنة من المستفيدين الانتهازيين؟. ولا تزال الهيئات الحزبية التي سيرت الجماعة المعنية منذ بداية المشروع تتبادل التهم فيما بينها، ومن ذلك الاستجواب الذي نشره نائب الرئيس الحالي للجماعة بجريدة الاتحاد الاشتراكي ليوم 01-12-2001 يتهم فيه المجلس الاستقلالي السابق بعدم السعي لحل المشكل، كما يتهم مؤسسة ليراك التي تكفلت بالجانب التقني بتفويت بعض الشقق لبعض رجال السلطة دون أداء، وهو ما يحتاج إلى فتح تحقيق قضائي. وأيضاً يحتج النائب على زميله وزير المالية الحالي لأنه لم يجد حلاً "سحرياً" لهذا المشكل. لذلك فإن عدة أسئلة محيرة تتناسل من ملف مركب الحرية بجماعة أكدال فاس من بينها: ما هي الأسباب التي أدت إلى فشل المشروع؟. وما هي درجة مسؤولية كل من المجلس الاتحادي 1982-1992 والمجلس الاستقلالي-الاتحادي المركب 1992-1997 وكذا مؤسسة ليراك ؟. وهل بالفعل استفاد بعض رجال السلطة من منازل دون أداء؟. وما هي الوضعية القانونية لبعض القيادات الحزبية التي تسكن بالمركب المذكور؟. وكم تبلغ قيمة القرض وفوائده في نهاية غشت 2002؟. وما هي الإجراءات العملية التي تبذلها الجماعة المعنية لإيقاف هذا النزيف المالي الذي يرهن مستقبل المدينة؟. وما هي المجهودات التي يبذلها البنك المذكور لاسترداد حقوقه؟. وما هي المساعي التي تبذلها كل من وزارتي الداخلية والمالية لحل هذا المشكل؟. ثم ألا يشكل سوء التسيير الذي شهده هذا الملف مادة تعرض على القضاء من وجهة نظر الدعوى العمومية؟. وهل هناك من علاقة بين حل مرتقب لهذا المشكل الذي أوقعت جماعة أكدال نفسها فيه مع المشروع الاستثماري الضخم بملعب الخيل الذي هو في طور المصادقة؟. الخلاصة يعكس مركب الحرية بؤس التسيير الجماعي بمدينة فاس، ويحيل على مجموعة من التواطؤات جعلت المدينة تفقد بأيادي ممثليها في بلدية فاس وجماعة أكدال ملايير عديدة خرجت ولم تعد، حيث تخلت الجماعة عن 5,6 مليار كأرباح حقيقية للمشروع بالإضافة إلى القرض وفوائده الذي بلغ في إحصاء 2000 حوالي 14,5 ملياراً. فهل يتكفل العهد الجديد بإزالة الستار عن هذه المهزلة؟. وهل يعي الرأي العام الفاسي والمغربي خطورة القفز على ملفات بهذا الحجم دون محاسبة أو معاقبة؟. وهل سنؤسس لعهد جديد دون تصفية الحساب مع رموز العهد القديم؟. وهكذا ففي الوقت الذي كثر فيه الحديث عن الفساد الإداري والمالي بمؤسسة القرض العقاري والسياحي، نرى من خلال مثال مركب الحرية أن نفس البنك كان ضحية لممارسات غامضة وغير مسؤولة لبعض الأحزاب الكلاسيكية التي بدأت تعلن عن أزمتها وتهافت ممارستها. 2- النموذج الثاني: ملايير الضرائب غير المستخلصة بلغ الباقي استخلاصه (وهي ضرائب جماعية لم تستخلصها البلدية من أصحابها) عند انعقاد أول دورة للمجلس الحالي لجماعة أكدال في غشت 1997 رقم 65.955.082,33 وتعدى في يونيه 1999 عتبة 100.000.000,00. فهذا يعني أن ثلاثة مليارات ونصف قد تخلى عنها المجلس الاتحادي الحالي لصالح بعض المحظوظين. فكم يبلغ الباقي استخلاصه في دجنبر 2001؟. وهل بالفعل بذل الاتحاديون جهداً في سبيل استخلاص أموال الشعب ونحن رأينا أنهم قد تخلوا عن 35 مليون درهم في ظرف أقل من سنتين؟. وهل لديهم الشجاعة لنشر الرقم الحالي بعد أن اختفى هذا البند من الحساب الإداري لسنة 2000؟. فمن المسؤول إذن عن ترك ضرائب بقيمة خيالية لا تعرف طريقها إلى المجلس البلدي الاتحادي؟. من جهة أخرى بلغ الباقي استخلاصه لصالح جماعة فاسالمدينة الاتحادية أيضاً 62.939.317 درهماً (أي 6.2 مليار سنتيم) إلى حدود 31-06-1999. ويحتمل أن يكون الرقم قد بلغ الآن ما بين 8 و9 مليارات. هذا وإذا علمنا أن مدينة فاس تتوفر على خمس بلديات ومجموعة حضرية واحدة، يسير فيها الاتحاديون 4 مؤسسات، فإن الباقي استخلاصه الإجمالي قد يكون تعدى في نهاية دجنبر 2001 الخمسين مليار سنتيماً. فافرحوا أيها المعطلون، وافرحوا أيها المواطنون، فإن دورة مالية بعشرات الملايير تحرم منها سنوياً مدينة فاس بسبب الفساد الإداري. الخلاصة: إذا علمنا أن ما يزيد عن 50 مليار سنيتماً قد وقع التخلي عن استخلاصها من قبل جماعات فاس التي يسير الاتحاديون أغلبها، وإذا عرفنا أن مبرر ذلك مثلاً هو العنوان المجهول كما حدث مع حانة أحد النوادي الرياضية المشهورة بفاس والتي لا تؤدي ضرائبها منذ 1972، استخلصنا أن إرادة الإصلاح تغيب عند الاتحاد الاشتراكي سيما وأنه هو الذي يسير وزارة المالية، فماذا بقي له من عذر؟. النموذج الثالث: ضياع مشروع استثماري ضخم بقيمة 25 ملياراً بعين النقبي نشرت أسبوعية الأسبوع في عددها ليوم الجمعة 26 أكتوبر 2001 مقالاً عن مشروع أضاع فيه المجلس البلدي لفاسالمدينة ملايير عديدة، ذلك أنه في إطار إنقاذ فاس العتيقة تقرر إحداث مركب سكني بعين النقبي ومرافق أخرى. وبعد سلسلة من المشاورات تم الاتفاق مع المجموعة الإسبانية صالامنكا على أن تتكلف بالمشروع، فتأسست شركة مجهولة الإسم تملك فيها بلدية فاسالمدينة 51/0. ويمتد المشروع الذي أعطيت له تسمية مركب المحطة الطرقية على مساحة 11 هكتار، ويتضمن محطة طرقية و1097 مسكناً و1207 محلاً تجارياً. وهكذا بدأت البلدية في نزع ملكية الأراضي المعنية وبناء عمارتين نموذجيتين. ولقي المشروع إقبالاً حيث بلغت طلبات الشراء رقم 3500. إلا أن المشروع توقف لأسباب حزبية ضيقة، وهو ما يعني خسارة غلاف مالي يناهز 25 ملياراً كانت الشركة الإسبانية ستدفعها، وكذلك ضاعت 600 ألف يوم عمل ومداخيل يومية مفترضة للمجلس البلدي بمفرده ب 5ملايين سنتيماً. وكانت شركة صالامنكا هي التي تكلفت ببناء سلسلة متاجر ماكرو. الخلاصة: هكذا حال المركبات السكنية والتجارية بمدينة فاس، فبمجرد الشروع في بنائها تعمها المشاكل الحزبية لتقضي على الطموحات والاستثمارات. لنتذكر ماذا حل بمركب الحرية بجماعة أكدال. النموذج الرابع: المحطة الطرقية بفاس تبعاً لعقد عرفي مسجل بفاس في 17 ماي 1994 تم تأسيس شركة مختلطة بطريق باب عجيسة بفاس تحمل إسم شركة المحطة الطرقية بفاس، وذلك من أجل ضمان النقل العمومي للمسافرين بين مدينة فاس والمدن الأخرى. وقد حددت واجبات الكراء في مبلغ 1.000.000,00 درهماً تؤديها الشركة إلى المجموعة الحضرية مسبقاً عند بداية كل سنة. إلا أن الشركة لم تؤد قط الواجبات الكرائية المترتبة على ذمتها والتي تعدت 7 ملايين درهماً. ولم تقم المجموعة الحضرية بالإجراءات القانونية والعملية لاستخلاص حقوقها، وكأنها كانت راضية على هذا الوضع مشاركة في تأزيمه. وطيلة السنوات التي فصلتنا عن عام 1994 لم تفلح المجموعة الحضرية سوى في عقد لقاءات عقيمة لم تسفر عن استخلاص أموال الشعب المؤتمنة عليها. وبالنسبة إلى أرباب النقل فإنهم يبررون امتناعهم عن الأداء بضعف الخدمات التي على المجموعة أن تقدمها. الخلاصة: هذه حكاية إحداث مرفق عمومي هام أريد له أن يساهم في تنشيط وتنظيم حركة النقل من فاس إلى المدن المجاورة، وأن يساهم في توفير مداخيل مالية قارة للمجموعة الحضرية. لكن المال لم يصل إلى خزينة المجموعة لسنوات عديدة بسبب إجراءات مسطرية يشترط أن تكون من أبجديات التدبير الجماعي، حيث أصيب مجلس المجموعة بالعقم الإداري والمالي فأصبح يكرر معزوفات في الدورة تلوى الأخرى. فلا المصادقة وإعداد دفتر للتحملات رافقا توقيع عقد الكراء سنة 1994 أو سبقاه، ولا استخلاص المستحقات المالية لسنوات طوال تم، ولا التصفية نفذت في آنها. كل ما استطاعت المجموعة الحضرية الاتحادية القيام به هو قطع الماء، هكذا كأننا بصدد أحد المكترين لمنزله بحي شعبي لم تسعفه الحيل في إخراج جاره المزعج إلا بسحب عداد الماء أو الكهرباء. هذا إذن نموذج لمال من أموال الشعب لم يجد من يحسن الدفاع عنه واستخلاصه بقوة القانون. إعداد: الدكتور سعيد سامي