هو خبير في مجال التوظيفات في السوق المالية، تولى خلال الثلاث سنوات الأخيرة الإشراف على الصندوق الكندي «مانسا موسى» لتمويل مناجم الذهب في إفريقيا، قبل أن يسند إليه مؤخرا تدبير صندوق إسلامي للذهب. وقد نال السعفة الذهبية في السنة الماضية السعفة الذهبية للتحليل التقني بباريس. و في هذا الحوار، مع مصطفى بلخياط، الخبير المغربي في السوق المالية الدولية، نحاول أن نحيط بالأسباب التي أفضت إلى ارتفاع أسعار الذهب و سياسات الدول في هذا المجال، و توقعاته لأداء المعدن النفيس في المستقبل. - دأبتم منذ عدة سنوات، عبر ما تنشرونه من دراسات أو تصرحون به لوسائل الإعلام، على الدعوة إلى الاستثمار في الذهب، وحرصتم أكثر في مناسبات عديدة على توجيه النصيحة ذاتها إلى المؤسسات الخاصة و العامة المغربية. ما الذي يدفعكم إلى الوثوق أكثر في ذلك المعدن النفيس؟ المعدن الأصفر غير «قابل للطبع» كما بالنسبة للورقة الخضراء الأمريكية، فهو مادة أولية محدودة من حيث الكمية. والتاريخ يعلمنا أنه كلما استعمل الذهب كعملة، تحقق الاستقرار و التنمية المستدامة، فالذهب لا يمكن خفض قيمته، لأنه لا يرتهن إلى إرادة دولة أو وعودها. والدولار بالخصوص هو ببساطة ورقة تعد بمردودية ما. والحال أن كل وعد ينطوي جوهريا على احتمال كامن و خطير بأن لا يتم الوفاء به. بالمقابل لا يعد الذهب بأي شيء، فهو يكتفي بما هو عليه، مما يعني أنه مادة أولية قابلة للمس، وستوجد دائما مهما حدث. لهذا السبب، تشكل قاعدة أساسية للتعاملات المالية الإسلامية. - لم تخب توقعاتكم، التي عبرتم عنها في السنوات الأخيرة حول سعر الذهب، فأداء سوق هذا الأخير سار تقريبا في المسار الذي تنبأتم به. ما الاعتبارات التي كانت تدفعكم إلى التشبث بذلك اليقين، رغم أن العديدين كانوا يرون أن ارتفاع سعر الذهب ما هو إلا فقاعة ما تلبث أن تنفجر. ما عزز ثقتي في ارتفاع سعر الذهب في السوق الدولية اعتبارين اثنين مترابطين بشكل قوي. فمن جهة، أدركت الأبناك المركزية، بشكل عام، الأخطاء التي ارتكبتها، بتخصيصها حيزا كبيرا للدولار ضمن احتياطيات الصرف و إغفالها رفع مخزونها من الذهب. و اليوم، ثمة بعض الدول، التي انخرطت في عمليات شراء مكثف للذهب، على غرار العربية السعودية التي ضاعفت مؤخرا مخزونها من الذهب. ومن جهة أخرى، بدأت الثقة في الورقة الخضراء الأمريكية في التراجع في أعين كبار الحائزين للدولار، الممثلين في الصين، اليابان، روسيا والبلدان العربية. فالورقة تحول بهدوء إلى ذهب. وبالنسبة لأولئك الذين سيظلون غير مصدقين ذلك، سوف يذوب رأسمالهم كما الجليد تحت تأثير أشعة الشمس. - أوصيتم بالإقبال على شراء الذهب عندما كان سعر الأوقية 280 دولارا، و اليوم قفز إلى 1370 دولارا. هل تشعرون بأنه لم يتم الإنصات إليكم كفاية؟ ما زال ثمة متسع من الوقت من أجل تدارك ما فات. ورغم أننا وصلنا إلى مستويات غير مسبوقة، ما زلت أوصي بقوة بشراء الذهب، فهو يتجه نحو بلوغ سعر 2000 دولار في نهاية السنة الجارية لتتسارع وتيرة الارتفاع كي تفاجئ الجميع. - كيف يمكن للمغرب أن يستفيد من الارتفاع الذي يميز سعر الذهب؟ يجب أن نشير إلى أن احتياطيات الصرف انتقلت، منذ تولي جلالة الملك محمد السادس أمر البلاد، من 5 مليارات إلى 22 مليار دولار. هذه قفزة مدهشة استرعت اهتمام عالم المال على الصعيد الدولي. و في هذا السياق الملائم جدا، يبدو لي ملائما إعادة النظر في مخزوننا من الذهب، الذي لا يتعدى 22 طنا، و الذي لم يتغير منذ أكثر من ثلاثين عاما. ذاك مخزون لم يتكيف مع وتيرة التنمية في بلدنا أو حقيقة سوق الذهب، فهو لا يمثل سوى 4 في المائة من مجموع احتياطيات الصرف، في الوقت الذي يتعدى المتوسط العالمي 12 في المائة ويصل المتوسط الأوروبي إلى 30 في المائة. أنا لا أتردد في الدعوة إلى شراء الذهب بالسعر الحالي لسبب بسيط هو أن الذهب سوف يرتفع في مقابل جميع العملات الصعبة التي تشكل محفظة احتياطيات الصرف. - في سنة 2005 آل إليكم تدبير الصندوق الكندي المخصص للذهب، الذي حمل اسم «مانسا موسى». ويبدو أنكم عرضتم الصندوق على بعض المؤسسات المغربية، لكنها لم تستجب. ما سبب ذلك؟ يبدو لي أن المغرب يسجل تأخرا كبيرا في مجال الاستثمار في الذهب. - علمنا أنكم أقدمتم على إطلاق صندوق جديد مخصص للذهب، بمعية بنك سويسري كبير. بم يتعلق الأمر؟ حظيت بشرف تلقي دعوة من أميرة من العربية السعودية من الصف الأول كي أتولى إحداث و تدبير صندوق الذهب «الجوهرة»، حيث يودع الذهب لدى إحدى أولى الأبناك في الذهب في العالم. هذا الصندوق، الذي لديه مرجع في كل الشبكة البنكية الدولية، يتيح تحويل الموجودات من الأوراق (سندات، شهادات، أسهم) إلى ذهب مادي و تأمين التسليم في المكان الذي يختاره المكتتب. أنا فخور بتولي تدبير هذا الصندوق الإسلامي المخصص للذهب المادي فقط. و هدف الصندوق أن تصبح السعودية أول سوق عالمية للذهب. - تؤكدون على أن الأمر يتعلق بالذهب المادي or physique. لماذا؟ إذا كنت ألح على ذلك، فلأن 99 في المائة من الذهب، الذي يعتقد أغلبية المستثمرين أنه يغذي حسابهم، ليس سوق ورق. ولا يشك أولئك المستثمرون أنهم عندما سيطلبون تسلم الذهب المادي سوف تصعقهم المفاجأة. فحتى أبناك كبيرة لم تقم بتسليم الذهب المادي. والحقيقة ببساطة لا يمكن تصديقها، فالذهب الورقي هو أكبر عملية نصب في قرننا الحالي. وهذا هو السبب الذي دفع السعوديين إلى مضاعفة مخزونهم من الذهب. وتلك ليست سوى البداية. - في السنة الماضية حصلتم على السعفة الذهبية في التحليل التقني بباريس، و هاته السنة نلتم السعفة الفضية. مساركم قد يكون ملهما بالنسبة للكثير من الشباب. ما هي النصائح التي توجهونها لمن يتابع منهم ما تبادرون إليه؟ يراهن المغرب منذ عقود على قطاعات تقليدية مثل الفوسفاط والنسيج و الفلاحة والصيد البحري والصناعة و السياحة. قطاعات انضاف إليها قطاع الاتصالات مؤخرا. ويبدو أن الخدمات المالية الدولية الموجهة للسوق الدولية غائبة، وأنا أحث الشباب المغربي على الاهتمام بها لأنما قطاع واعد. مشروع المركز المالي بالدار البيضاء فرصة رائعة للشباب المغربي إذا تفادينا استنساخ الفضاءات المالية الأخرى. يجب أن نسلك سبيل التجديد و لا نتردد بأن نكون روادا في مجال غير مسبوق في إفريقيا، أي البحث و تنمية أنظمة الوساطة في الأسواق الدولية و التغطية في الأسواق الآجلة للمواد الأولية و العملات.لا يجب أن يركز المركز المالي بالدار البيضاء على كيفية جلب المؤسسات المالية الدولية، بل على كيفية تجميع وتشجيع وتكوين الشباب المغربي في المجال المالي الدولي في جميع تشعباته. يمكن أن تكون الحكومة عراب هذا المشروع الطموح و الواقعي في الآن ذاته. يجب توحيد جميع الجامعات والمدارس المغربية من أجل خلق نوع من الشغف بدراسة الهندسة ذات الصلة بالبورصة والتخصصات المالية الدولية والبحث والتنمية الدقيقة. فالمغاربة معروفون بأنهم موهوبون في مجال الرياضيات و المعلوميات. وأتصور أن المركز المالي للدار البيضاء سيتوفر على أكبر مكتبة للكتب المتخصصة في المجال المالي، ومركز للبحث والتنمية الذي سيصبح له إشعاع عالمي، و أكاديمية من أجل تعليم آخر التقنيات في مجال الوساطة في أسواق العملات و السندات و المواد الأولية. وعوض دعوة الأجانب كي يستقروا في المغرب، ندعوهم كي ينقلوا إلينا ما راكموه من معرفة. لقد وزعت غولدمان ساكس في السنة الفارطة 20 مليار دولار على مساهميها، وهو ما تأتى بفضل التدخل في الأسواق، مما يعني أن القطاع يتوفر على إمكانيات كبيرة. يجب أن ندرك أن عصب الحرب اليوم ليس هو الصناعة، بل الخبرة في السوق المالية الدولية، ونحن نتوفر على كل شيء من أجل رفع هذا التحدي.