كثر الحديث مؤخرا، وبالضبط منذ بداية الشهر الجاري من تطبيق مدونة السير الجديدة، عن العلاقة الرابطة بينها و بين غلاء أسعار بعض المنتوجات، و بالأخص الخضر والفواكه، الأمر الذي عزاه بعض المهنيين إلى بنود المدونة المرتبطة بالحمولة القانونية المسموح بها في شاحنات نقل البضائع، التي ألزمت سائقيها بعدم تجاوز نصف الحمولة، التي اعتادوا على حملها قبل تطبيق المدونة، وهو ما يعني، حسب المهنيين، زيادة طبيعية في أسعار النقل عن الكيلوغرام الواحد بالمقارنة مع الوضع السابق. موجة ارتفاع الأسعار بشكل صاروخي جاءت هذه المرة متزامنة مع الاحتجاجات على الارتفاع الذي عرفته مواد غذائية أساسية أمس الأحد في العديد من المدن المغربية بمناسبة الاحتفال باليوم العالمي للفقر. ويرفض عضو تنسيقية مكافحة الغلاء وتدهور الخدمات العامة، نوفل المومني، اعتبار ارتفاع أسعار المواد الغذائية نتيجة تطبيق مدونة السير الجديدة، وإنما يرجعه إلى سوء التدبير الذي تعرفه الدولة المغربية في مجال سياساتها الاقتصادية والاجتماعية، التي أقل ما يمكن أن يقال عنها إنها «سياسات لا شعبية». فغلاء المعيشة في المغرب كان موجودا قبل مدونة السير الجديدة، مما شكل ضربا صارخا للقدرة الشرائية للمواطنين و المواطنات، ناهيك عن الهجوم على كافة مكتسبات الشعب المغربي من خدمات عمومية من صحة وتعليم وغيرها. وحسب المومني، فإن مدونة السير الجديدة هي فقط الشماعة التي أرادت الحكومة المغربية تعليق أزمتها الهيكلية عليها، غير أنه لا يمكن إنكار أنه بدخول مدونة السير حيز التطبيق أن تكلفة النقل بالنسبة للبضائع الغذائية أصبحت مرتفعة جدا، وأثرت على أسعار هذه المواد في الأسواق أيضا. ويبقى المواطن المغربي، حسب المومني، ضحية للمحتكرين و المضاربين من جهة، ومن جهة أخرى ضحية سياسات حكومية لا تأخذ بعين الاعتبار مصالح المواطنين وقدرتهم الشرائية. وحول تزامن الاحتجاجات المرتقبة المصادفة لليوم العالمي للقضاء على الفقر، صرح المومني، في اتصال هاتفي مع «المساء»، أنها «أشكال نضالية تتوخى تحسيس المواطنات والمواطنين وتوعيتهم بخطورة سياسات اقتصادية و اجتماعية تنهجها الدولة المغربية. هذه السياسات لا يمكن إلا أن تنتج مزيدا من تفقير الفقراء وإغناء الأغنياء وما خوصصة قطاعات الخدمات العمومية إلا خير دليل على هذا مثل الصحة و التعليم و النقل...». واعتبر المومني عدم تحمل الفاعلين السياسيين والنقابيين مسؤولياتهم في النضال ضد كل أشكال «التفقير» جعل المجتمع المدني يتصدر واجهة هذا النضال، محذرا من «الاستهانة بقدرة الجماهير الشعبية في الدفاع عن نفسها، وخير مثال على ذلك انتفاضات صفرو إيفني، وإيكلي...». وسار محمد غفري، عضو تنسيقية مناهضة ارتفاع الأسعار بمدينة سلا، في نفس الاتجاه حينما أكد ل «المساء» قائلا إن «مشكل المدونة وموجة ارتفاع الأسعار ما هو إلا مشجب، فقد سجل ارتفاع الأسعار قبل فاتح أكتوبر. واللافت أنه مع كل موجة برد قارس أو ارتفاع درجة حرارة الشمس، فإن المضاربين يستغلون الأمر للزيادة في ثمن المواد ثلاث مرات». من جهة أخرى، حمل غفري المسؤولية كاملة للدولة بغضها الطرف عن بعض التجار على اعتبار أن بعض المواد التي يتم تسويقها تباع في السوق السوداء، معتبرا احتجاجات يوم أمس مناسبة لتذكير المسؤولين ب«التحقير والتهميش اللذين يعيشهما مجموعة من المواطنين بسبب غلاء المعيشة بشكل عام في المواد الأساسية، وهي فرصة لعدد من المسؤولين لمراجعة ملفات سياسية اجتماعية متعاقبة».