الفلسطينيون، بإسناد من الجامعة العربية، قالوا «لا»، و«نعم» في نفس الوقت. «لا» لاستمرار المحادثات مع إسرائيل (حتى الآن طحنوا على أي حال الماء فقط) و «نعم» ربما في أعقاب وعود أمريكية معينة لمنح مهلة أخرى للولايات المتحدة كي «تخضع» هذه إسرائيل في موضوع المستوطنات. رئيس الأركان الأسبق الفريق دان شومرون رحمه الله وصف في حينه القيادة الفلسطينية بكونها «عصبة إرهابيين». منذئذ، وبالأخص بعد وفاة ياسر عرفات، وإن كانت القيادات الفلسطينية غيرت أساليبها وطرائقها، ولكنها لم تغير عالم مفاهيمها، وبدلا م«ما لا نحققه بالعنف سنحققه بمزيد من العنف»، فإن الشعار الآن هو «ما لم نحققه بالعنف والإرهاب سنحققه بألعاب الكلمات والدبلوماسية» (وإن كانوا لم يتنازلوا حتى عن خيار «الكفاح»). ومع أنه لم تتوقف للحظة أعمال العنف المختلفة ضد الإسرائيليين (أعمال يسارع أبو مازن إلى «شجبها» بلغة رقيقة)، قررت إسرائيل مع ذلك محاولة الوصول إلى مثل هذه الصيغة أو تلك من الاتفاق الكامل، الجزئي، الإطار. إسرائيل تبذل كل شيء ليس فقط كي تعطي فرصة، مهما كانت هزيلة، بتغيير وضع العداء الذي يعود إلى مائة عام بين العرب واليهود، بل وأيضا، وربما أساسا، كي تتمكن من التركيز على الجهد لمنع التهديدات من الخارج، ولاسيما تلك التي من إيران المتحولة نوويا ومن إرهاب الجهاد العالمي. ولكن الفلسطينيين على حالهم. فقد جعلوا موضوع البناء في يهودا والسامرة وفي القدس ذريعة لوقف المحادثات. الدافع الحقيقي لديهم ليس البناء مكبوح الجماح على أي حال، بل محاولة أن يعيدوا من الباب الخلفي شروطهم المسبقة المتطرفة التي يزعم أنهم تنازلوا عنها بضغط من الولاياتالمتحدة وإسرائيل. وهم يؤمنون بأنه بمعونة هذا التكتيك سيتمكنون أخيرا من تجسيد حلمهم الرطب أن تبادر أمريكا إلى «حل مفروض» سيكون كما هم على قناعة، وليس بلا حق، أكثر راحة لهم منه لإسرائيل. ويعرف الفلسطينيون جيدا أن الحجة التي تقول إن المستوطنات الإسرائيلية في «المناطق» ستمنعهم من إقامة دولتهم هي حجة عابثة. غير أن موقفهم ينبع من دافع آخر تماما: المس بشرعية الوجود اليهودي المستقل في أي جزء كان من «فلسطين». الآن هذا بالنسبة إلى «الضفة الغربية» وبعد في دولة إسرائيل ذاتها. ما يمر كخيط ثانٍ في كل تصريحاتهم هو رفض الاعتراف بإسرائيل كدولة القومية اليهودية. هذه بالطبع ليست نية الولاياتالمتحدة، التي لم تنضم رسميا أبدا للادعاء بشأن عدم شرعية المستوطنات (باستثناء تصريح واحد للرئيس كارتر). ومع ذلك، فإن إدارة أوباما أشارت إليها بأحرف كبيرة ك«عائق في وجه السلام»، وهكذا شجعت الطرف العربي على مواصلة خطه الكفاحي. ناهيك عن عناصر في اليسار الدولي والإسرائيلي ممن يحاولون هم أيضا التشكيك في شرعية إسرائيل. الهدف المرحلي للفلسطينيين هو إجبار إسرائيل على أن توافق، سواء بإرادتها أم تحت الضغط الأمريكي، على كل مطالبهم في موضوع الحدود، القدس، اللاجئين وما شابه. هكذا، دون مفاوضات حقيقية ودون حلول وسط وتنازلات من جهتهم. سلوك الزعماء الفلسطينيين يثبت من جديد صحة قول موشيه ديان: لا توجد إمكانية عملية للوصول إلى اتفاق كامل ورسمي مع الفلسطينيين يمكن للطرفين أن يتعايشا معه. يحتمل، إذن، أنه في هذه المرحلة أو غيرها سيتعين على إسرائيل أن تعيد التفكير في خيار الخطوات أحادية الجانب (ولا يوجد بالضرورة تطابق بين «الخطوات» و»الانسحابات». موضوع الحدود المستقبلية هو، أولا وقبل كل شيء، معامل أمن. كتاب بوش لاريك شارون سار في هذا الاتجاه، وعلى إسرائيل أن تركز على مهمة الحصول من الإدارة الحالية على التزام بمواصلة احترامه. أمن إسرائيل لا بد أنه ليس «متعلقا بإقامة دولة فلسطينية مستقلة» مثلما تحدث مؤخرا الرئيس أوباما. فما بالك بأنه بذات القدر، أو أكثر، يمكن لهذه الدولة «أن تعيش بسلام إلى جانب إسرائيل» كالتعريف الأمريكي الدارج منذ عهد بوش الابن من شأنها بالذات أن تصبح قاعدة إرهابية ورأس جسر للعدوان. السيطرة الفاعلة في غور الأردن هي نموذج بارز وحيوي في هذا السياق. تفاهمات واضحة وملزمة بين إسرائيل والولاياتالمتحدة في المواضيع الأمنية ذات الصلة. ويمكن الافتراض أنه بالفعل تجرى بشأن ذلك اتصالات بين الطرفين يمكنها أن تعيد تحريك المسيرة السياسية العالقة، على الأقل حتى المرة القادمة التي سيضع فيها الفلسطينيون العراقيل. عن «إسرائيل اليوم»