مع ساعات الصباح الأولى ليوم أمس الجمعة، وفي الوقت الذي كان وزير النقل والتجهيز، كريم غلاب، يتناول فطوره مع ثلة من الصحافيين، للدعاية لمشروعه، انتصب أمن المرور في مفترقات الطرق التي تمتد من «القامرة» وحتى وسط العاصمة، على غير العادة، لتنفيذ ما جاءت به مدونة غلاب، التي أسالت مدادا كثيرا، دون أن تحقق الحد الأدنى من التوافق الشعبي حولها... وقد كان التواجد الأمني لافتا، حيث حضر كل رجل أمن رفقة ضابط في مفترقات الطرق، حرصا على الشفافية في تطبيق ما جاءت به المدونة، كما صرحت بذلك مصادر أمنية ل«المساء» مضيفة أن التعليمات نصّت على ضرورة عدم «التشدُّد» في تطبيق قانون كريم غلاب، حتى يتم تكسير الحاجز النفسي الموجود أصلا بين الناس وبين ما جاءت به مدونة السير. ويبدو أن أغلب مستعملي الطريق لا يتذكرون أن فاتح أكتوبر هو تاريخ البدء في تطبيق المدونة، لذلك بقيت سرعة سائقي «الطاكسيات» على حالها، مثلما هي سرعة بعض سائقي السيارات الخاصة الذين يسارعون الزمن للالتزام بتوقيت الحضور إلى مقرات عملهم. وفي المقابل، استمرت حالات الزحام الشديد في ساعة الذروة، ابتداء من المدار القريب من المركز السينمائي المغربي، فمحطة القامرة لنقل المسافرين، وانتهاء بوسط الرباط، الذي يشهد آخر مراحل إتمام خط سير «الطرامواي»، وسط صيحات السائقين والمارة وأصحاب الدراجات النارية والهوائية، في الوقت الذي يجاهد رجال الأمن لتنظيم عملية المرور، تحت أشعة الشمس ووسط الغبار المتطاير من أشغال «الطرامواي»... في جو مثل هذا، يبدو أنْ لا أحد يتذكر أنه قد شُرِع في العمل بمدونة غلاب... وكل هَمِّ سائقي السيارات والناس ورجال الأمن هو أن يذهب كلٌّ منهم إلى حال سبيله، دون متاعب. السيناريو نفسه عاشته مدينة سلا، التي امتلأت شوارعها الرئيسية بالحُفَر والأتربة والحواجز السلكية، جراء استمرار أشغال الطرامواي التي لا يبدو للناس أنها ستنتهي قريبا. وتحدثت مصادر أمنية في المدينة ل«المساء» عن أن حالة المرور في ساعات الصباح الأولى كانت عادية جدا «وأنه ليس هناك ما يدعو إلى القلق». وما لفت أنظارَ مستعملي الطريق هو أن التواجد الأمني «غير العادي» تميَّز، إلى جانب حمل رجال الأمن شارات تكشف أسماءهم، بحمل عناصر الأمن مَحافظَ جلدية تضم أوراق عملهم، وهي المَحافظ التي عَلّق عليها بعض المواطنين قائلين: «يبدو أن جمع الغرامات التي جاء بها قانون غلاب قد بدأ فعلا.. والأمر يحتاج إلى محافظ أكبر حجما من تلك التي كانت تحملها عناصر الشرطة من قبلُ»!... ولا يعرف أغلب من استطلعت آراءَهم «المساء» من مستعملي الطريق من المدونة إلا الجدل التي أثارته بين النقابات والوزارة وقضية «السجن، في حالة ارتكاب حوادث سير مميتة عمدا أو عن غير عمد».. ولا أحد منهم، البتّة، يعرف، مثلا، تفاصيل خصم النقط من رصيد رخصة السياقة أو أنواع الغرامات التصالحية والجزافية أو حتى ما قاله الوزير غلاب عن حق المواطن في منازعة رجال الأمن بشأن أي مخالفة مفترَضة وحقهم في رفع شكاية أمام النيابة العامة بشأن ما قد يلحقهم من أضرار، رغم الملايين التي تم صرفها للدعاية للمدونة... مقابل ذلك، لا أحد من المواطنين اهتم لفطور غلاب مع بعض الإعلاميين ولا لِما تم تداوله من «أهمية مدونة السير لمحاصرة حرب الطرق ودور رجال الإعلام ذلك»، وهو الذي يعيش في مقر وزارته الفخم وسط الشوارع النقية، بعيدا عن زحمة «القامْرة» و«القْبيبات» و«تِلوين» و«باب المْريسة» و«تابريكت» ووسط العاصمة.. بل كل همهم أن يتم إصلاح أحوال الطرق نفسها ووضع حد ل«كابوس» الحُفر، التي تملؤها، وإيجاد حل لحالات الزحام الشديد داخل المدن، إلى جانب إصلاح علامات التشوير الطرقي المصابة ب«الحوَل» في الكثير من الطرق، في انتظار معرفة معالم مستقبل المدونة، بعد مرور أيام، وربما أسابيع، على تطبيقها، لاتخاذ موقف منها...