إذا كنت من الذين تستهويهم الشهرة فقد آن الأوان، ففي هذه الأيام سهل جدا أن تصبح مشهورا. لا داعي لأن تبيت بأبواب القوافي محاولا أن تثْقفها حَوْلا حَرِيدا وَمَرْبَعا، أو أن تنحت من صخر وغيرك يغرف من بحر، ثم لا تؤلف إلا ما يُقرأ لجلب النوم أو للف الزريعة والحمص. يكفي أن تكون مذيعا جريئا لا يجد فرقا بين الزنقة والإذاعة، فلا يتورع عن افتعال فلتات اللسان المعبرة عما يخفي الجنان، ويفسح المجال للشابات والشبان للحديث عن محنهم في عالم الجنس والغرام. والتطرق للمواضيع الفريدة من نوعها، الدالة على التميز مثل «فتيات الليل» و»الدعارة» وما يصاحب ذلك من أغاني «الواوا» والميوعة، ودع عنك المواضيع ثقيلة... الظل التي تصيب المستمعين الأعزاء أو المشاهدات العزيزات بالأرق والسهاد، مثل مآسي الأمة واحتلال الأرض وامتهان كرامة الفرد والفقر والبطالة والأمراض ... ومن الأحسن أن يذاع برنامجك المثير... للاشمئزاز بعد منتصف الليل حتى لا يسمعه أهلك وقبيلتك فيضطرون إلى هدر دمك والتبرؤ منك دنيا وآخرة، خصوصا إذا صدمهم صوتك وهم في مرفق عمومي أو في دكان أو عند بائع السمك، فتراهم يستغشون ثيابهم من الغيظ وأنت تلقي سخافاتك بكل تبجح وكأنك وحيد في دورة المياه وقد أعجبك طنين رأسك!! أما إذا كنت ممن يستطيعون تركيب جمل مفيدة أو غير مفيدة، فلا تنس أن لديك اختيار الكتابة بالعامية، فما عليك إلا بمغازلة العجم بالاستهتار بكل الفضائل والثوابت وافتعال ملفات ساخنة مدارها السخرية من الدين، فهو الحائط القصير الذي يسهل النط من فوقه إلى النجوم. أما الجنس والسياسة فقد أصبحا موضة قديمة يكتب فيها كل من هب ودب. ثم إذا جف منبع الإبداع عندك، فبإمكانك إعادة كتابة التاريخ أو إعادة تصحيح الكتب الصحيحة وفق أحدث المناهج العلمية مادمت مؤرخا لوذعيا وعالما علامة وفقيها فهامة ترى ما لم يره غيرك. فتخدم في سذاجة، أو في غير سذاجة، أعداء أمتك إذا كان لك ولاء فعلا لأمتك. ولا بأس لتكون جريئا أكثر وتحصل على نقط إضافية، مثلا، أن تدافع عن وكّالين رمضان والشواذ ولم لا،»وأنا مالي ياك هما للّي بغاو ياكلو. وبغاو...» فأنا، والحمد لله، لست شاذا ولا وكّالا لسيدنا رمضان. أنا باحث عن الشهرة فقط. فأخبار كهذه تضمن لي النجومية لأني حتما سأجد من يقدم إلي خدمات مجانية، فيستحل دمي ويلعن أجدادي ويطالب بإعدامي و...و... وكلما كثر الهرج والمرج، وصل إلى آذان أصدقائي وجيراني في الشط الآخر. ولا شك أنهم سيلوحون بالبطاقات الصفراء والحمراء. أين هي حرية التعبير المقدسة؟ أين هي الحرية الشخصية؟ أين هي المواثيق الدولية؟... أين المحاجم والجلم؟ أعرف ليس من أجل عيوني، ولكني سأستفيد حتما، وستنفد نسخ مجلتي أو جريدتي من السوق، فالكل يريد أن يعرف هذا البطل الهمام أو هذا المارق أو... أو... وربما سأحصل على جائزة هُبل للآداب أو للسلام أو لأي شيء آخر... ما يدريني.. أما إذا كنت فتاة، فهذا مؤهل خطير لمن تعرف من أين يؤكل الكتف. ولكن يجب أن تكون لك مؤهلات ضخمة، خصوصا في بعض المناطق الحساسة. دعك من الرشيقات اللابسات من غير ملابس الراميات حتى ورقة التوت، فذلك نموذج للمعلقات، لا على جدران الكعبة المشرفة، بل على جدران غرف النوم فقط. فنحن نحب البضاضة و»التحلوين» والرقص... على الحبال. يكفي أن تبعثري بعض الكلمات على الورق الأبيض فتصبحين أشعر من الأعشى والخنساء وحسان. ولا تحتاجين إلى عكاظ ولا نابغة ذبياني. فلا حاجة بك إلى إكمال تعليمك الجامعي أو الدخول إلى معهد للصحافة، فيذبل بريق عينيك ويتجعد شعرك ويتيبس جسدك، فالمنى لا تتحقق بالجد والاجتهاد وحدهما، بل تتحقق أكثر وأسرع بالعيون السود والولائم والجلسات الحميمة، حيث يكون نصف الجسد عاريا والآخر يعد بذلك. أما إذا أردت «الخروج إليها «بالعَلالي» فما عليك إلا دق أبواب القنوات التلفزية العربية أو الوطنية، فسيتابع إنجازاتك الاستراتيجية الملايين... من التافهين. وستظهر مواهبك الواحدة تلو الأخرى... ولكن لا بد من مباركة الوالدين، يا حسرا، وحضور هما الفعلي حتى لا يظن بعض المغرضين أنك يتيمة تم استغلالك أو أنك تستغلين غيابهما «فدَرْتِ ما عْليك». أما إذا اشترى لك والدك أو والدتك كاميرا ما، فلم لا تصبح مخرجا سينمائيا؟ فقد سمعت هذه الأيام أن الأفلام أصبحت لا تحتاج إلى نص أو إلى سيناريو، فقد اقتصدنا أجرة الكاتب. يكفيك أن تعرج على خمارة البلد وتلتقط مشاهد من هنا وهناك، زد عليها الكثير من الكلام السوقي الفاحش، مع بعض المناظر الجنسية الساخنة ذات العمق... الجسدي مع قليل من الرقص الشرقي الذي أصبح هذه الآونة أساسا لحوار الحضارات. وها قد استوى «الطاجين» وأصبح لديك فلم يدغدغ عواطف السائحة البلهاء والسائح الشاذ ويضمن لك المشاركة في المهرجانات العربية والدولية، على حد سواء.