تناوب عدد كبير من قادة وزعماء دول العالم، خلال الأسبوع الماضي، على منصة الأممالمتحدة لإلقاء كلمات رسمية بمناسبة الدورة ال65 للجمعية العامة للأمم المتحدة في نيويورك. سياسيون قصار القامة ببطون متدلية وآخرون طوال القامة بسحنات متشائمة وربطات عنق غامقة، ألقوا كلمات رتيبة بأصوات مُضجرة، تحدثوا فيها، بعدد كبير من اللغات، عن جميع مشاكل العالم وقدموا وصفات «علمية» دقيقة لكيفية معالجة هذا العالم المريض الراقد في قاعة الإنعاش.. لكن لا أحد من هؤلاء السياسيين حظي باهتمام الإعلام الأمريكي كما حظي به الرئيس الإيراني محمود أحمدي نجاد الذي عُلقت صوره في أشهر المواقع السياحية في نيويورك إلى جانب صور عارضات الأزياء النحيفات وصور حقائب «لوي فيتون» باهظة الثمن. الجمعية، التي كانت وراء نشر صور نجاد في أكثر شوارع نيويورك شهرة، تقول إنها تناهض حكومته وتنتقد بشدة اضطهاده للمعارضين وإصراره على تطوير السلاح النووي، ولهذا اشترت مواقع إعلانية متعددة علقت فيها صوره الضخمة مع رسائل مكتوبة أسفل الصورة تطالبه بوقف اضطهاد المعارضة في بلاده، لكن الصور بدت وكأنها دعاية مقصودة للرئيس الإيراني الذي يخطف الأضواء كل سنة عند مشاركته في اجتماعات الجمعية العامة للأمم المتحدة. فمعظم وسائل الإعلام الأمريكية رصدت خطواته، خطوة خطوة، ونقلت خطابه مباشرة على الهواء رغم أن قاعة الأممالمتحدة كانت شبه فارغة تقريبا بسبب انسحاب وفود أمريكا وحلفائها من القاعة عقب اتهام نجاد للإدارة الأمريكية السابقة بالوقوف وراء هجمات 11 سبتمبر بهدف إنقاذ الاقتصاد الأمريكي المتدهور والتحكم في منطقة الشرق الأوسط.. ورغم أن تصريحات الرئيس الإيراني أغضبت نظيره الأمريكي باراك أوباما، الذي وصفها بالسخيفة والرخيصة، فإن وسائل الإعلام الأمريكية تهافتت على مكتب نجاد ووقفت، في صف طويل، من أجل الانفراد بمقابلة له أو حتى تصريح صحفي مقتضب منه. وهكذا ظهر نجاد، بياقة قميصه المفتوحة ودون ربطة عنق كعادته دائما، على أكثر المحطات الإخبارية الأمريكية شهرة، وعلى رأسها ال«سي إن إن» التي استضافته في برنامج «لاري كينغ لايف» الذي يقدمه أشهر وأقدم مذيع حوارات في التلفزيون الأمريكي «لاري كينغ». لم يقل نجاد الشيء الكثير ونفى، كعادته دائما، تضييقه على حرية المعارضين في بلاده، كما نفى وجود مثليين جنسيا في إيران، وقال إن بلاده باتت القوة العظمى الثانية في العالم التي تنافس أمريكا، بل وتتغلب عليها أحيانا في التأثير على الساحة الدولية. كما رد، بهدوء وشبه ابتسامة، على جميع الأسئلة المحرجة التي وجهها إليه الصحفيون الأمريكيون، واكتفى دائما بصد تلك الأسئلة بهجمات خاطفة على السياسة الخارجية لواشنطن ورد الصاع صاعين للصحفيين الجالسين أمامه بذهول! حتى الوفد المرافق لنجاد حظي بتغطية إعلامية مكثفة حتى إن خبر الرائحة النفاذة التي انبعثت من غرفة الطباخ الشخصي لنجاد، في فندق الهيلتون حيث كان يقيم، غطت على أخبار السياسة في صحيفة «نيويورك بوست». كما لبى نحو 30 من أهم الصحفيين السياسيين الأمريكيين دعوة خاصة من نجاد ووفده لحضور وجبة فطور مبكرة، ولم يجد هؤلاء ما يكتبونه عندما غادروا الحفل سوى الإقرار بأن نجاد تلاعب بهم وبذكائهم وأجبرهم على مجاملته وتصديق كلامه عن الديمقراطية الإيرانية المثالية والعالم الفاضل الذي يعيش فيه الإيرانيون حاليا بفضل «حكمة وحكامة» أحمدي نجاد الذي كان، بحق، نجم الدورة ال65 للجمعية العامة للأمم المتحدة في نيويورك!