أصدرت كتابة الدولة المكلَّفة بالتعليم المدرسي مقررا تنظيميا للدخول المدرسي 2010 -2011، وهو عبارة عن وثيقة شاملة تتضمن اثنين وخمسين (25) مادة، تهم الإجراءات التربوية والإدارية والتدبيرية المرافقة للدخول المدرسي الحالي، ناهيك عن رسم خريطة طريق للسنة الدراسية ككل، إنْ على المستوى المحلي الخاص بكل مؤسسة تعليمية أو على المستوييْن الإقليمي والجهوي، وتتضمن تدابير لتنظيم العمل التربوي في مختلف العمليات والمحطات. غير أن القراءة السريعة للمقرَّر تُفضي إلى استنتاجات أساسية تهم اللغة والمضامين، فعلى مستوى اللغة، يُسجَّل طغيان مفردات إملائية، من قبيل: تعريف، إطلاع، تهييء، تحيين، إعداد ووضع... وهي، في اللغة، عبارة عن «مصادر» أصلها «يجب تعريف..» و«يجب تحيين..» و«يجب إعداد..»، إلى غير ذلك من الأوامر والواجبات، ناهيك عن بنية فعلية كلها تصب في النسق اللغوي ذاته، مثل (يتعين وتتم وتسلم وتُعبّأ)، وغيرها من القوالب اللغوية التي تفيد الإلزام.. مع أن الاختيارات الإدارية المعلَن عنها، والقاضية بتعزيز الحكامة واللا تمركز، تقتضي تحديث هذه اللغة... على مستوى المضمون، لا يوجد في المقرَّر ما يفيد بأننا بصدد سنة دراسية هي الثانية ضمن رباعية ما يُعرف بالمخطَّط الاستعجالي، إذ يفترض أن يتضمن المقرر في كل مادة من مواده إشارات واضحة لما تحقق في السنة الماضية، للوعي بها من جهة، وتحفيز الموارد البشرية في أفق التعبئة الحقيقية من أجل استدراك التأخُّرات، فمثلا لم تتمَّ الإشارة إلى «جمعية مدرسة النجاح»، وخصوصا في المادة التي تتناول «مشروع المؤسسة»، إذ يُفترَض أن يشير المقرر إلى مسألة الاعتمادات المالية المخصصة للجمعية وتحفيز أطر المؤسسات التعليمية لتفعيل هذا الإطار. وبالمقابل، تناول المقرر -بوضوح- مجالس التدبير، وهو أمر من شأنه أن يُضفي المزيد من الغموض حول العلاقة بين المكونين (انظر الباب الثاني من المقرر) ناهيك عن الغياب المطلق لأي إجراء يهم محاربة آفات التعليم المغربي، كالهدر المدرسي وهدر الزمن المدرسي والانقطاع وغيرها.. فمدير الأكاديمية أو النائب الإقليمي الذي ينتظر صدور المقرَّر الوزاري لينفذه ويقتفي «تعاليمه» هو مسؤول لم يستوعب بعدُ فلسفة هذه الاختيارات التدبيرية، فالمطلوب اليوم، على جميع مستويات المسؤولية، أشياء كثيرة أكبر بكثير من توزيع مناطق التفتيش و«القيام بالإجراءات اللازمة» على المستوى الجهوي أو عقد اجتماعات مجالس المؤسسات على مستوى كل مؤسسة.. المطلوب، اليوم هو الإشراك، أولا، ثم المحاسبة، ثانيا، وهما قيمتان غائبتان تماما في مشهدنا التربوي ككل، فما يوجد هو محاسبات مناسباتية أقربُ إلى تصفية الحسابات منها إلى المحاسبة النزيهة.. حيث نجد بعض المدرِّسين يمنحون النقط بناء على حجم المقابل المادي الذي يحصلون عليه في الساعات الخصوصية، وليس بناء على الاستحقاق، ولا أحد يحاسبهم، ونجد بعض الإداريين حولوا مؤسساتهم إلى ممتلكات عائلية، فيُحابون هذا المدرس و«ينتقمون» من ذاك و«يفبركون» قوائم التلاميذ، حيث ينتقون لأبنائهم زملاء متفوقين ومدرسين منتقين أيضا.. كل هذا وغيره كثير ولا أحد يحاسبهم، ونجد بعض المفتشين لم يكتبوا في حياتهم المهنية بحثا تربويا واحدا، بل هناك منهم، ولستُ أُعمِّم، من «يستعيرون» بحوث زملائهم لإلقائها في ندوات التكوين المستمر، دون إضافات ولا أحد يحاسبهم!.. ونجد بعض النواب ومديري الأكاديميات حولوا إداراتهم إلى قلاع محصَّنة، على غرار روما القديمة، مكتفين بسياسة «كم حاجة قضيناها بتركها».. ناهيك عن عدم الشفافية في التعاملات المالية مع المقاولين، بدءا من شركات النظافة والحراسة، وصولا إلى صفقات التجهيز والإصلاح.. يضاف إلى هذا سياسة «الترقاع»، فأي شيء غيرَ «الترقاع» نسمي حرصَ نائب للوزارة على فائض يصل إلى عشرات المناصب، فيما تعرف بعض الفصول في نيابته نِسبا مخجلة من الاكتظاظ؟ وأي شيء غير الشطط في استعمال السلطة يعني أن يقتطع نائب من أجرة مدرس يعمل في عالم قروي منسي، لمجرد أنه توجه إلى السوق الأسبوعي الوحيد في المنطقة لاقتناء حاجياته الأساسية؟.. كل هذا وغيره كثير، ولا أحد يحاسبه، فما عليه إلا التفنن في كتابة التقارير، ليحصل على «الرضا» بأن يُرقّى إلى منصب أَهمّ.. عودا على بدء، فإن المقرر يشجع على الكسل ورهن العمل الإداري والتربوي بروتين كتابة التقارير والاكتفاء بذلك، فعندما يكتب المسؤول تقريره للمصالح المركزية حول وتيرة الدخول الدراسي، فإنه بالقياس إلى لغة المقرر الوزاري سينجز تقريرا مثاليا طبعا، لكن إنْ نزلنا إلى أرض الواقع، سنجد حقائق أخرى، من قبيل النِّسب غير المسبوقة للاكتظاظ، والنِّسب المزوَّرة عن محاربة التكرار والهدر المدرسي، ناهيك عن «مهازلَ» تتم باسم «تصريف الفائض» و«التدبير الجيد لاستعمال الزمن»... وعندما تنقضي السنة، تحصل الوزارة على «رُكام» من التقارير، كلُّ همِّ أصحابها هو كتابة هذه التقارير لا أكثر، ثم تنقضي المدة المخصَّصة للمخطط الاستعجالي وما تم تحقيقه فعليا أقل بكثير مما تضمنته تقارير «الإمتاع والمؤانسة» التي يكتبها المسؤولون بكل رتبهم.. وكم هو مؤسف، فعلا، ونحن بصدد الحديث عن التعبئة من أجل الإصلاح، والتي لم يشر إليها المقرر، ولو من وراء حجاب، أن ردود الأفعال المجتمعية تجاه رهان إصلاح منظومة التربية والتكوين غير مسؤولة، لأنها تتحصّن بقراءات معيارية لا تُقرأ لتُفهم، بل تقرأ لتسقط حكما جاهزا على ما تقرأه، حتى إن وجدت ما لا يساير حكمها القبلي، انتقلت إلى مستوى التشكيك في الأرقام وفي المعطيات. وإن ووجهت بدقة الأرقام، انتقلت بشكل أوتوماتيكي إلى التشكيك في النوايا، وهذا الخيط من الاستدلال العدمي تنتظم فيه إرادات عفوية حصل لديها الوعي الشقي بعدم القدرة على مسايرة الإصلاح ومتطلباته، لذلك لا عجب أن أغلب القراءات تتناول المقرَّر بشماتة واضحة، وفي نفس الوقت تبرئة الذات وتحميل كل المسؤولية للدولة.. إنه العود الأبدي!..