بنسعيد: الدعم الاستثنائي لقطاع الصحافة والنشر سينتهي في مارس المقبل بعد تفعيل المرسوم الجديد ذي الصلة    الإعفاءات الجزئية لفائدة المقاولات: فتح استثنائي لقباضات الصندوق الوطني للضمان الاجتماعي يومي السبت والأحد القادمين    مالي.. مقتل ما لا يقل عن ثلاثين إرهابيا في هجوم غرب البلاد (جيش)    قريباً شرطة النظافة بشوارع الدار البيضاء    ترامب ينشر خريطة جديدة للولايات المتحدة تضم كند    إندونيسيا تنضم رسميا إلى مجموعة "بريكس"    المغرب يؤكد تجاوز "مخاطر أندرويد"    "ديديه ديشامب يكشف عن خطط رحيله بعد كأس العالم 2026"    العصبة تتجه لتوقيف البطولة منتصف يناير الجاري لفسح المجال أمام المنتخب للمشاركة في "الشان"    الدولي المغربي حكيم زياش على ردار الفتح السعودي خلال فترة الانتقالات الشتوية الحالية    أوجار متفائل بتصويت المغاربة ل"الأحرار" في انتخابات 2026 ويعد الاتحاد الاشتراكي بدخول الحكومة    توقعات أحوال الطقس ليوم الأربعاء    عشرات الشاحنات المغربية تتعرض لإطلاق نار في مالي    الجمعية النسائية تنتقد كيفية تقديم اقتراحات المشروع الإصلاحي لمدونة الأسرة    أول شاحنة بضائع تعبر من مليلية إلى الناظور بعد أكثر من ست سنوات    بيانات "همم".. تُبارِك جرائم التشهير "الصديقة" وتَبتغي وأد الفضائح الجنسية    قمة متناقضة بين أ. الدشيرة المتصدر وأ. خريبكة المنبعث ولقاء ملغوم لاتحاد يعقوب المنصور أمام "الكاك"    تداولات الإفتتاح ببورصة الدار البيضاء    المغرب يسجل أدنى مستويات المياه السطحية في إفريقيا خلال عام 2024    توظيف مالي لمبلغ 1,6 مليار درهم من فائض الخزينة    حريق كارثي يُهجّر آلاف الأسر والسلطات الأمريكية تستنفر    تطوان: توقيف شخص بحوزته كميات كبيرة من المخدرات والمؤثرات العقلية    عامل إقليم السمارة يشيد بأهمية النسخة الثامنة لمهرجان الكوميديا الحسانية    مولاي إبراهيم الشريف: مهرجان مسرح الطفل بالسمارة يعزز بناء جيل مثقف    بنسعيد: الدعم الاستثنائي للصحافة بلغ 325 مليون درهم خلال سنة 2024    أسعار صرف أهم العملات الأجنبية اليوم الأربعاء    منظة الصحة العالمية توضح بشأن مخاطر انتشار الفيروسات التنفسية    ترامب يطالب حلف "الناتو" بالسخاء    إسرائيل تقتل 51 شخصا في قطاع غزة    تأجيل محاكمة إسماعيل الغزاوي إلى 15 يناير وسط دعوات حقوقية للإفراج عنه    نقابات الصحة تعلن إضرابا شاملا احتجاجا على التجاهل الحكومي وتدعو المواطنين لفهم تداعياته    "همم" تستنكر انتهاكات حرية التعبير وتطالب بتحقيق عاجل في حملات التشهير ضد الصحافيين والنشطاء    انطلاق معالجة أول عملية تصدير من مليلية المحتلة إلى المغرب    ارتفاع أسعار النفط وسط تقلص إمدادات    نجم موسيقى الستينيات "بيتر يارو" يرحل عن 86 عاما    "الصدفة" تكشف عن صنف من الورق العتيق شديد الندرة    باولو غيريرو يعتزل التنافس الدولي    وزير الخارجية الفرنسي: عقوبات الاتحاد الأوروبي على سوريا قد تُرفع سريعاً    منظمة الصحة العالمية: انتشار الفيروسات التنفسية عالميا لا يزال ضمن المعدلات الطبيعية لموسم الشتاء    أوجار يدعو الوزراء إلى النزول للشارع ويتحدث عن نخبة اقتصادية "بورجوازية" ترتكب جريمة في حق الوطن    العلمي وبوريطة يمثلان جلالة الملك في حفل تنصيب رئيس غانا الجديد    كأس الرابطة الانجليزية.. نيوكاسل يقترب من النهائي بتغلبه على مضيفه أرسنال (2-0)    مغرب الحضارة آفة *" _التدخين ": كارثة على الأنفس والأموال ضررها أكثر من نفعها وجب إتخاذ القرار    إصابة داري وعطية الله تُربك الأهلي    ‮ ‬الوطني الذي‮ وافقه التاريخ في‮ أربع ‮!    زلزال شيتسانغ بالصين: تواصل جهود الإنقاذ    الدرك الملكي بخميس متوح يحجز 420 لترا من مسكر ماء الحياة بضواحي أم الربيع    محكمة طنجة تُدين طبيبًا ومساعدًا في قضية اختلاس أدوية وبيعها    مواجهة تفشي بوحمرون يجمع مسؤولي الصحة والتعليم بالحسيمة    فتح فترة التسجيل الإلكتروني لموسم الحج 1447 ه    1,5 مليار درهم قيمة الاستثمارات الأجنبية في السينما بالمغرب    دراسة: الحليب لا يفرز البلغم عند الإصابة بنزلات البرد    بنسعيد يستعرض دواعي مشروع قانون حماية التراث    كلية الآداب بتطوان وجماعة العرائش يوقعان اتفاقية إطار للتعاون    وزارة الأوقاف تعلن موعد فتح تسجيل الحجاج لموسم حج 1447ه    الأوقاف تعلن عن فتح تسجيل الحجاج إلكترونيا لموسم 1447 هجرية    مدوّنة الأسرة… استنبات الإصلاح في حقل ألغام -3-    تفاصيل انتشار فيروس يصيب الأطفال بالصين..    







شكرا على الإبلاغ!
سيتم حجب هذه الصورة تلقائيا عندما يتم الإبلاغ عنها من طرف عدة أشخاص.



محمد بلمو: يوم اقترفت مجزرة في حق غابة الصبّار
قال إنه عبث بمعية صديقه بمكتب مدير مدرستهما الابتدائية لأنه كان يلعب القمار
نشر في المساء يوم 10 - 09 - 2010

هي مقالب مرتَّبة بعناية، غرائب وعجائب، مغامرات قادت أصحابَها إلى مَطبّات.. «شغب» وعبث طفولي بريء، شغبُ مراهقة، مواقف طريفة تتميز بالفرادة والاستثناء والجاذبية وتثير الضحك،
تستعيد الكثير من ذاكرتنا المشترَكة. هذا ما سنتعرف عليه من خلال حكايات كتاب وفنانين، أبَوا إلا أن يشاركوا بعضهم البعض، ومعهم القارئ، طبعا في هذا البوح الحميمي والجميل، الذي افتقدناه في زمن رسائل «البورطابل» القصيرة وسطوة التلفزيون ووسائل الاتصال الحديثة، ونصوص هذه السلسلة الموسومة ب«شغب قديم»، تصلح سيناريوهات لأفلام روائية قصيرة، لتوفرها على جميع التوابل!...
الواقع أن كل ذكريات الطفولة والشباب الأول تتحول في دواخلنا إلى نوستالجيا جميلة وفردوس مفقود كلما تقدم بنا العمر، رغم ما تضمنته من معاناة وأحداث ووقائع حزينة.
عندما كنت في المدرسة الابتدائية، كنت أقضي رفقة أبي معظم وقتي الثالث في العرصة المحادية لقصبة بني عمار، المتربعة على حافة عالية خضراء تطل على مساحة كبيرة من شمال المغرب. في أحد الأيام من موسم الجفاف، أوصاني أبي قبل أن يذهب للسوق بأن أقطع بعض أوراق «أضلف» شجر الصبار المنتشر على المنخفض، لتقطيعها في المساء إلى قطع صغيرة وتقديمها وجبة شهية للبقرات كي توفر بعض الحليب. عندما ذهب أبي، ناديت اثنين من أولاد الدرب، ومنحتهم منجلا لكل واحد، وبدأنا مجزرة الصبار بشغف طفولي، حتى أتينا على مساحة كبيرة أصبحت شجيراتها من الصبار شبه عارية، بينما غطت مخلفات المجزرة من «أضلف» الصبار الأرض تماما.
كانت بالنسبة لنا مجرد لعبة ممتعة، لا أثر فيها لحسن التدبير أو لاعتبارات من هذا القبيل. لكن عندما عاد أبي رحمه الله، وقف مشدوها أمام منظر مجزرة الصبار، وكان علي أن أداري غضبته وأصبر لضربات حزامه الجلدي الخشن. خلال ذلك الموسم كان منتوج الصبار من «الهندية»، ضعيفا بسبب المجزرة، وفي السنة التالية تحسن المنتوج بشكل كبير، فقال لي أبي إن ما قمنا به من لعب مجنون كان له دور إيجابي في ذلك.
في تلك السنة حصلت على الشهادة الابتدائية، وفي السنة الموالية كان علي أن أنتقل إلى مدينة مولاي إدريس لمتابعة دراستي الإعدادية. طلب مني أبي أن أؤجل السفر إلى مولاي إدريس إلى يوم الاثنين من أجل القيام بعملية التسجيل في الإعدادية، لأنه سيذهب إلى سوق السبت، وعلي أن أرعى البقرات خلال ذلك اليوم. ركبت في الصباح حماري الأشهب وسقت البقرات إلى حقلنا الذي يبعد بحوالي ستة كيلومترات عن القرية بمنطقة تسمى «عقيبة الحجر». مر اليوم السبتمبري بشكل طبيعي، لكن في المساء وأنا استعد للعودة إلى البيت من حقلنا البعيد في الجبل، بعدما غافلني النوم إلى حدود الغروب، أفقت مسرعا على صوت الحمار الذي كان ينهق بقوة وهو يرى حمارا غير بعيد عن الحقل يقطع الطريق المحاذية، أفقت مدهوشا وانحنيت متعجلا تحت عنق الحمار لأنزع عنه القيد، فعضني فجأة من كثفي الأيمن، وحين تخلصت منه تعثر فوقي فأصبحت تحته وهو ينهق ويفتح فمه الكبير في وجهي. انتابني الخوف من أن يعضني من رأسي فحاولت ضربه بقبضة يدي، لكني لم أفعل سوى وضع الجزء الأسفل من ساعدي الأيمن بين أضراس فمه الطويل. ضغط بكل قوة على يدي محدثا طقطقات وجرحا عميقا في ساعدي لا زالت آثاره بادية. عندما هدأ قلبته إلى الجهة الأخرى ولففت يدي النازفة في سترتي وابتعدت إلى حدود الحقل.
أرسلت الصغير عبد المغيث الذي كان يرافقني إلى القرية للمناداة على أبي. غير أن حلول الظلام جعلني أترك البقرات والحمار ورائي وأتجه نحو قصبة بني عمار. في منتصف الطريق التقيت بأبي المتعجل والغاضب، تابع كل منا طريقه بعد أن عاين إصابتي. في الصباح الباكر أركبني أبي على نفس الحمار الأشهب الذي عضني. اندهشت عندما رأيت رأسه منتفخا تماما من كثرة الضرب الذي لحقه من أبي حتى أصبح أشبه بكرة ريكبي. عندما وصلنا إلى مركز النزالة ركبنا حافلة متجهة إلى مدينة فاس. لم يكن أمامنا سوى التوجه إلى عيادة إبن خالي الطبيب الدكتور محمد الخضوري الذي تكلف بإسعافي كما كان يفعل دائما في مثل هذه الحالات.
بعد أن قضيت بضعة أيام في نقاهة إجبارية، التحقت بالفصل الدراسي بإعدادية مولاي إدريس ويدي اليمنى ملفوفة ومعلقة. كنت أنذاك لا أحب البقاء بالمدينة الصغيرة ذات الشارع الوحيد حد الرتابة، كنت أصر على العودة إلى القصبة على بعد 12 كيلو متر كل نهاية أسبوع، حتى عندما افتتحت الداخلية أبوابها، كنت أفضل أن أقضي نهاية الأسبوع مع والدي في الأشغال الفلاحية، رفقة الحمير والبقر والكلاب، عوض أن أبقى مسجونا داخل أسوار الداخلية، تحت مراقبة حارس عام قصير القامة لا يتحدث مع التلاميذ القرويين المقيمين إلا بالصفعات.
في القرية، كان الناس يتنذرون بمغامرات مدير المدرسة الابتدائية آنذاك. لم يبتلع أحد فكرة كون المدير يحول مكتبه بالليل وخلال العطل إلى ملعب للقمار، يجتمع به تحت جنح الظلام كل أولائك المبتلين بلعب «العيطة»، ويستمرون في اللعب طوال الليل، تبدأ المهزلة بخمسين درهما للطرح، وتصل إلى الف درهم عندما يلتهب اللعب، فيفرح من يربح ويقرح من تكون الخسارة من نصيبه. كان ذلك مؤشرا مبكرا على تحول المدرسة المغربية إلى مقبرة للعلم والمعرفة والتكوين ومرتعا للفساد والإفساد.
كانت حكايات لعب القمار معروفة في أوساط واسعة من السكان، ونتيجة لذلك تعرضت قيمة التربية والتعليم لنوع من التراجع والهوان والإذلال، كما تراجع مستوى التعليم بشكل كبير. لكن السكان المساكين لم يكن بإمكانهم مواجهة مدير المدرسة الذي كانت تربطه علاقات قوية مع لوبيات السلطة والمال بالمنطقة، بل إن بعض رفاقه على طاولة القمار كانوا من هؤلاء.
استفز استمرار وتكرار تلك الأفعال المشينة بالمدرسة الكثير من الناس، ففكرت أنا وأحد أصدقائي في الانتقام من المدير. تسللنا في أحد الأيام خلسة إلى مكتبه الذي حوله إلى طاولة ليلية للعب «العيطة» مع رفاق السوء من أمثاله. بحثنا بين بمحتوياته، فعثرنا على نوع جيد من ورق القمار مخفيا تحت بعض الملفات. وضعنا خاتمه على ورق القمار كله وأخذنا ذلك معنا وتركنا ورقة واحدة فوق المكتب مؤشرة بخاتمه. انتبهنا إلى الكتب المكدسة في الخزانة، كانت مملوءة عن آخرها بالكتب التي لم يسبق لي أن رأيتها بالمدرسة عبارة عن قصص باللغتين العربية والفرنسية وقواميس وكتب مدرسية كثيرة. الواقع أننا لم نستفد منها كتلاميذ طيلة السنوات التي قضيناها تحت إمرة هذا «المدير» لاعب القمار، لذلك أخذنا بعض القصص والكتب لنقرأها. قلت لصديقي ونحن نخرج من المدرسة: لو كان هذا المدير يهتم بتوزيع الكتب علينا نحن التلاميذ لنستفيد منها، لما كان ليفكر مجرد التفكير في لعب القمار.
اضطر المدير إلى التوقف عن التسلل ليلا إلى مكتبه رفقة رفاقه من «القمّارة» للعب الورق، واستبدلوا المدرسة بمحلات أخرى. مرة في بيت أحدهم أو محله التجاري، ومرة في أحد المقاهي، وحين لا يجدون مكانا لممارسة رياضتهم المحببة، يتحلقون في ركن معزول تحت ضوء القمر إذا كانت الليلة مقمرة، أو على ضوء سياراتهم إذا كان الليل حالكا ويغرقون في أتون هوايتهم؟ لكن المدرسة بقيت تعاني إلى أن تم تغيير هذا المدير الاستثنائي. .
* شاعر


انقر هنا لقراءة الخبر من مصدره.