تجلس على مقعدك والمكتب أمامك، تكتب ما تكتبه الآن فيما تحرس طلبتك، وهم ينكبون على اجتياز المراقبة النهائية. أصبح الإحساس بالامتحان (أو ما صار يسمى المراقبة) ضاغطا. في السابق، كان الأستاذ لا ينظم الامتحان، بل يدعى إلى الحراسة بواسطة استدعاء رسمي مختوم من الإدارة، استدعاء «شديد اللهجة» -تتأمل «شديد اللهجة» هاته- يدعو الأستاذ إلى التقيُّد ببعض الشروط: الحضور في الوقت وممارسة الحراسة، لا غير، والامتناع عن كل ما من شأنه... وعلى الأستاذ الاستجابة للاستدعاء بقيوده، ثم يأتي في الوقت، لاستلام عمله «البوليسي» يساعده حارس آخر -أستاذ آخر- وموظف يسجل الحضور والغياب. وتكون فترة الحراسة، الطويلة، مناسَبة يتعارف فيها الحراس أكثر على بعضهم البعض. الآن، وداعا أيام الشرطة... فالأستاذ ينظم كل شيء، هو المبتدأ والمنتهى. يضع سؤال الامتحان ويستنسخ النُّسَخَ الكافية، ويحمل الأوراق الفارغة وأوراق الوسخ (الوسخ!) من لونين مغايِرَيْن، ويوزع كل هذا على الطلبة ويقوم بحراستهم... ويحمل أوراق الإجابة ويصححها ويمنح النقط ويسلم النتائج لمُنسِّق الوحَدة، الذي يسلمها لمنسق المسلك، الذي يسلمها لكاتبة الشعبة، التي تقوم بإدراج النقط في المحاضر الرسمية، إن كان النظام المعلوماتي «أبوجي» في صحة جيدة... وبعد ذلك، ينتظر الاحتجاجات من طلبة صاروا يختزلونه في النقطة التي يحصلون عليها، وليس في ما قد يقدمه من معرفة.. بل قد يسمى الأستاذُ «أستاذ الصفر» أو «الأربعة» أو «سْبَعْطَاْش» أو «تْسَعْطَاشْ»، وفقا لما يجود أو لا يجود به من نقط.. أحرسُ الآن. هناك أشياء أتسلى بها في انتظار الفرج، أعني انتهاءَ هذه المهمة البليدة... أحسب عدد الطلبة الذكور وأُقارنه بعدد الطلبة الإناث.. أعُدّ الكبار الذين يبدون موظفين، أعدّ من تضع حجابا ومَن رأسهن عار... أقارن وأفكر في الافتراضات والخلاصات، انطلاقا من عَيِّناتي... أركز على أحدهم وأحاول الدخول في تفكيره.. الإحساس بحالته.. أحاول أن أتصور إجابته... إلخ. هذه الحراسة تمنح الوقت (الذي ينساب متمهلا) لممارسة بعض هوايات الغباء... بدأتْ تصل أولى الأوراق.. بدأ بعضهم يكتب خاتمة موضوعه.. اقترب الفرج. دائما هناك مشكل مع أولئك الذين يجعلونك تستعطفهم ليسلموا الورقة في نهاية الامتحان، وهم يردون على استعطافك بأحسن منه، لتترك لهم (عافاكْ) المزيد من الوقت.. وأنت تحاول، عبثا، أن توضح لهم أن الوقت تم تجاوُزه بربع ساعة أو أكثر... استعطاف يستعطف استعطافا... هؤلاء المستعطِفون كنتَ تراقبهم وهم يضيعون الوقت، عوض الانكباب على الورقة... قد يكون هذا جزءا من شخصيتهم أو هواية من هواياتهم أيضا... أحدهم سلم ورقته ووضعها أمامي على المكتب وغادر القاعة... أسترق النظرَ إلى الجملة الأولى، فيما أرمي عيني هناك نحو بعض الموشوشين... الجملة الأولى تتضمن خطأ في إعراب المثنى والصفة بعده: كان عليه أن يرفعهما فنصبهما أو كسرهما بالياء... صاحب هذا الخطأ سيجاز بعد ستة أشهر.. وبما أنه معلم، لأنه طلب مني أن أوقع على وثيقة حضور الامتحان لكي يبرر لمدير مؤسسته غيابه، فإنه سيطالب بحقه في الإدماج في إطار أستاذ السلك الثاني، بناء على شهادة الإجازة التي صار يمتلكها.. سيلتحق، بدون شك، بمجموعة من المجموعات الكثيرة من أنواع المعلمين الذين ينظمون على طول السنة وقفات احتجاجية.. صاحب المثنى المنصوب أو المكسور هذا!... من الصعب أن يسود الهدوء في حصص الامتحان.. فالضغط الذي يحس به الطالب تليه، مباشرةً بعد تسليم الورقة ومغادرة القاعة، حركاتٌ تدل على الخلاص.. وهكذا يكثر اللغط وارتفاع الأصوات.. إحدى الطالبات تُسَلّم الورقة وتقول إنها نقلت من صديقتها كي تكتب أي شيء على الورقة وتتجنب الصفر، فتتمكن من إجراء الامتحان الاستدراكي... تقول إنها تعترف كي لا تجني على صديقتها المنقول منها. والحقيقة أنها تعترف لأنها رأت أنني رمقتُها وهي «تنقل» وكنت أنتظر أن تُسلِّم ورقتها لكي أسجل عليها أنها كانت تغش.. الغشاش يلعب دور النزيه، الغشاش الذي لا يكذب. صديقتها المنقول منها تبتسم ولا تقول شيئا. أستغرب من اعتبارها الغشَّ مسألة عادية، تدعو إلى التبسم. قلت لها إنك ساهمت في الغش، ترد علي بأنها لم تفعل شيئا وأنها لا تستطيع أن تقول لا لصديقتها... أقول لها: ينبغي أن تحددي مفهوم الغش عندك، وقبله مفهوم الصداقة... وعندما أخبرتها بأنها ستعامَل معاملة الغشاش، سالت دموعها... أمسح بنظري القاعة، وقد خَلَتْ من الطلبة، هرَباً من دموعها... أقرأ على أحد جدرانها: «ليسَ العارُ أن تُولَدَ في المغرب، العارُ أن تَعيشَ فيه»!... * كاتب وعضو مجموعة البحث في القصة القصيرة