راكم دفناء هذه المقابر شهرة ترسخت في كتب التاريخ ومكنتهم من أن يجمعوا حولهم مريدين، سواء على الصعيد المحلي أو الوطني أو حتى العالمي، وساهموا بتصوفهم وزهدهم وبساطتهم وتواضعهم وعلمهم الديني الواسع في أن ينسج عنهم مريدوهم العديد من الحكايات الغريبة، التي رفعتهم إلى درجة الولي الصالح، الذي تنفع بركته في علاج عدد من الأمراض المستعصية على الطب الحديث. وإلى جانب هذه «البركات»، أدرجت زيارة الأضرحة والزوايا، في الآونة الأخيرة، ضمن ما يعرف بالسياحة الروحية التي يمكن أن يعول عليها المغرب لجلب المزيد من السياح الأجانب وخلق انتعاشة في السياحة الداخلية. لكن هذه الأضرحة، في المقابل، أصبحت نتيجة الإهمال وانشغال بعض «الأتباع» بجمع «التبرعات» فقط مهددة بالفضائح الأخلاقية التي ترتكب في محيطها... تجمع أغلب الروايات التاريخية المتواترة على أن الولي الصالح سيدي موسى الحمري ينتهي نسبه إلى الجعفريين، فهو سيدي موسى احمد بن موسى بن ابراهيم بن علي الجعفري الذي تنتسب إليه العديد من الأسر السوسية، وقد كان مسقط رأسه بحمر الشمالية الواقعة في أحواز أسفي. تلقى الشيخ تعليمه في العديد من المدارس العلمية بسوس، حيث أخذ علوم اللغة والبلاغة والفرائض، كما برع في فنون الرماية إذ يعتبر أول من أدخل فن الرماية إلى مناطق هوارة، كما كان له الفضل في انتقالها الى باقي مناطق الجنوب عموما، كان رحمه الله تلميذا للشيخ الجليل احمد بنموسى الزروالي دفين مدينة تزنيت وذلك في العقد الأول من القرن الثاني عشر الهجري . وقد ذكر الفقيه الكانوني أن الولي الصالح سيدي موسى الحمري، قام بسياحة علمية استمرت أزيد من ثلاثين سنة، وانتهى به المطاف في بلاد احمر الجنوبية حيث أسس مدرسة علمية تدرس مختلف العلوم الشرعية واللغوية، توفي رحمه الله عن عمر يناهز 90 سنة وقد تتلمذ على يديه عدد من التلاميذ الشيوخ منهم القطب علي بن ناصر الحمري شيخ الرماة بأحواز مراكش. ضريح الولي الصالح ملاذ لمرضى الشلل والراغبات في الزواج يقول احمد بن لحمام، مقدم الضريح ورئيس الجمعية المسيرة للضريح والمقبرة والزاوية، إن الولي الصالح استقر به المقام بالمنطقة قبل أزيد من ثلاثة قرون، ويعد ضريحه من أشهر الأضرحة بسوس، حيث يحج إليه العديد من الناس من الذين يرغبون في قضاء حوائجهم بإذن الله، كما يفد إليه مرضى الشلل فيعالجوا بإذن الله بعد أن يبيتوا داخل ضريح الشيخ والحلم بكراماته في المنام، ويتذكر المقدم أحمد في هذا الصدد، حالة قريبة له من دوار ايت عياد، وقد تم استقدامها وهي مسجاة ببساط من التبن تم وضعه على ظهر حمار، إلى أن وصلت إلى غاية ضريح الشيخ الصالح حيث رقدت فيه الى غاية صباح اليوم الموالي لتخرج منه سليمة معافاة، كأنها لم تكن تعاني من أي شيء بفضل الله، كما يتذكر مرتادوا الولي الصالح حادثة أحد اللصوص الذي حاول سرقة كميات من المواد الغذائية، لكنه عندما حاول الهرب وجد جميع الإتجهات عبارة عن أودية وشعاب ببركة الولي، حيث لم يجد بدا من العودة إلى الموسم ورد الزاد إلى صاحبه وطلب العفو منه. يعرف موسم الولي الصالح سيدي موسى الحمري توافد العديد من الزوار من كافة مناطق هوارة والقبائل المجاورة، كما كانت تحج إليه أشهر فرق الرماية من ممارسي (التبوريدة) حيث يأتي الفرسان من مختلف مناطق المملكة من الغرب والشمال والجنوب، وتستمر أيام الاحتفال بالشيخ طيلة سبعة أيام خلال شهر أكتوبر من كل سنة، غير أنه في السنوات الأخيرة، عرف موسم الولي الصالح بعض التراجع حيث انقطع إحياء الاحتفال به عكس ما كان عليه الحال في السابق، والسبب في ذلك راجع -يقول مقدم الضريح- إلى تهميش المجلس الجماعي السابق له، وعدم المساهمة في دعمه ماديا بإحياء الموسم السنوي وإعطائه العناية اللائقة به كما كان الحال في العقود السابقةّ. غير أنه -يستطرد المصدر- وبعد صعود المجلس الحالي قدمت وعود للجمعية المسيرة للضريح بإعادة افتتاح أيام موسم الولي الصالح في توقيته المعروف عند الناس. العوانس بدورهن لهن حظهن من بركة الولي الصالح، حيث لازلن وفيات لعادة زيارة الضريح طمعا في جلب عريس. يقول محدثنا إن العديد من الأسر تستقدم فتياتها العوانس اللواتي فاتهن قطار الزواج قصد أخذ بركة الولي الصالح، وحسب شهادة المقدم فإنه يتم وضع الفتاة وسط حلقة تتكون من بعض فقراء الزاوية حيث تتم تلاوة بعض الأذكار الدينية وأوراد خاصة، ويتم ضرب الفتاة ضربا خفيفا بواسطة عمامة أحد الفقراء إلى حين نهاية طقوس الحلقة. يقول مقدم الضريح في هذا الإطار إن مجموعة من الفتيات تزوجن مباشرة بعد زيارتهن لزاوية فقراء الولي الصالح بشهادة أولياء أمورهن، الذين يزدادون ثقة ببركة الولي ثم يعاهدون أنفسهم على الوفاء بزيارته باستمرار. الفقيرات الحمريات رباط مستمر داخل ضريح الولي الصالح فقراء الزاوية يجتمعون عادة كل يوم جمعة، ويصل عددهم إلى مابين أربعين وستين فردا غالبيتهم من كبار السن ممن تجاوزوا الستين عاما فما فوق، حيث يجتمعون داخل الزاوية المجاورة للضريح، ثم يشرعون في تلاوة الأوراد والأذكار والأدعية على الطريقتين الشادلية والناصرية، وعادة ما يقصدهم العديد من الناس ممن يعانون من مشكلات عويصة تنفرج بإذن الله بدعائهم على الظالم إن كان الخصم من ذوي النفوذ بقولهم (سير غادي يحكم فيه الله) حيث سرعان ما ينصف المظلوم من ظالمه. وتمنح للفقراء مبالغ مالية وهدايا من لدن الزوار تسمى ب(الفتوح والبياض) عادة ما يستغلها الفقراء في العناية بالضريح وتجديد أفرشته وفي أعمال الترميم والإصلاح. وهنا نستحضر كذلك دور الفقيرات الحمريات بلباسهن المتميز والموحد اللائي آلين على أنفسهن خدمة زوار الضريح من النساء والرجال على السواء، حيث يجتمعن عادة كل يوم أمام بوابة الولي الصالح، ويقمن بتقديم الأدعية الصالحة لمرتادي الولي الصالح وغالبتيهم من الذين يحلون بالضريح بحثا عن حلول لمشاكل متفاقمة في حياتهم، حيث تحل مشاكلهم بإذن الله، يعلق المصدر السابق، كما صرح بذلك أيضا أحد الأشخاص في إفادته ل«المساء» الذي قال إن عائلته اضطرت إلى اللجوء إلى هذا الشيخ لطلب بركته، في نزاعهم مع أحد فلاحي المنطقة الذي استحوذ على أرضهم ظلما وعدوانا، وقد انتهى هذا النزاع باسترجاع الأرض المستولى عليها بعد نزاع عمر قرابة عقد من الزمن في ردهات المحاكم، حيث لم ينس هؤلاء اعتقادهم بفضل الشيخ في نصرتهم وإنصافهم. يقول رئيس الجمعية المسيرة للضريح والمقبرة والزاوية التي تم إنشاؤها خلال شهر فبراير من السنة الجارية، إن فقراء الزاوية تعرضوا في الآونة الأخيرة إلى حملة شرسة ومعارضة شديدة من طرف الجمعية المسيرة للمسجد المركزي الذي يؤمه سكان دواوير الجماعة من أجل تأدية صلاة الجمعة، حيث يعتبر هؤلاء أن كل ما يقوم به فقراء الزاوية من تلاوة للأذكار وغيرها يعد بدعة وضلالة ما أنزل الله به من سلطان، ولا أساس له من الدين الصحيح والفطرة السليمة التي تحارب البدع والشرك، كما هدد هؤلاء بهدم الضريح إذا ما استمر الحال على ما هو عليه، إننا نخشى ذات يوم أن يصبح ضريح الولي الصالح سيدي موسى الحمري في خبر كان بفعل تهديدات هؤلاء، يؤكد متحدثنا.