قرعة منافسات كأس الأمم الأفريقية أقل من 20 سنة (مصر 2025) .. المنتخب الوطني المغربي في المجموعة الثانية    وفاة أستاذة أرفود متأثرة بإصابتها بعد الاعتداء الشنيع من طرف أحد طلابها    تفاصيل جديدة من مندوبية السجون بشأن سجن عمر الراضي    تظاهرة جديدة في المغرب دعما للفلسطينيين    قطاع مكافحة سوء التغذية يحذر من «كارثة»    دمج تطبيقات الذكاء الاصطناعي في منظومة التعليم العالي المغربي    سلطنة عمان تدعم الوحدة الترابية للمملكة وسيادتها على كافة ترابها    أخبار الساحة    الوداد والرجاء يقتسمان نقط الديربي، والمقاطعة تفقده الحماس والإثارة    رشيد المرابطي يحطم الرقم القياسي لماراطون الرمال وعزيزة العمراني تفقد لقبها    في ورقة لمركز الاستشراف الاقتصادي والاجتماعي .. مرسوم دعم المقاولات الصغيرة خطوة تعيقها معضلات التوزيع والبيروقراطية وهذه توصياته    لمحاولتهم اختطاف معارض لنظام تبون وشنقريحة .. فضيحة: فرنسا توجه الاتهام إلى ثلاثة جزائريين من بينهم موظف في قنصلية جزائرية    توقعات أحوال الطقس ليوم غد الاثنين.. نزول أمطار بمنطقة طنجة    في قبضة القصيدة الأولى: ذاكرة النص الأول بعيون متجددة    بينبين مستاء من تغييب وزارة الثقافة له خلال معرض الكتاب بباريس    الصين تدعو الولايات المتحدة الى "إلغاء كامل" للرسوم الجمركية المتبادلة    الدرك الملكي يشن حملة أمنية واسعة عبر التمشيط بالتنقيط الإلكتروني    عبد الوهاب الدكالى يعود بجمهور الرباط إلى الزمن الجميل    غارة اسرائيلية دمرت بشكل شبه كلي المستشفى الأهلى "المعمداني" في غزة    تفكيك شبكة لنقل المهاجرين المغاربة بشكل غير نظامي إلى اسبانيا    مكتب الصرف يحقق في تهريب العملة من طرف منعشين عقاريين    وزارة الصحة تُطلق مسلك الدكتوراه    المغرب.. إطلاق مبادرة إنسانية عاجلة للأطفال مبتوري الأطراف والأطفال الأيتام في غزة    طبيب: السل يقتل 9 أشخاص يوميا بالمغرب والحسيمة من المناطق الأكثر تضررا    اندلاع النيران في سيارة على الطريق الساحلية رقم 16 نواحي سيدي فتوح    درهم واحد قد يغير السوق : المغرب يشدد القيود على واردات الألواح الخشبية    عمر حجيرة يترأس دورة المجلس الإقليمي لحزب الاستقلال بوجدة    'واشنطن بوست': إيران دربت مسلحين من البوليساريو وسوريا تعتقل المئات منهم    ريمونتادا للدفاع الجديدي في 7 مباريات وعمل جيد للطاقم التقني واللاعبين    الجزائر تستعين ب"ميليشيات رقمية" دولية لاستهداف مواقع حكومية مغربية    محاميد الغزلان ترقص على إيقاعات الصحراء في اليوم الثالث من مهرجان الرحل    من خيوط الذاكرة إلى دفاتر اليونسكو .. القفطان المغربي يعيد نسج هويته العالمية    هاكرز جزائريون يشلون موقع وزارة الفلاحة في هجوم جديد    الدورة السابعة للجنة المشتركة المغربية–العمانية تُتوّج بتوقيع مذكرات تفاهم في مجالات متعددة    المغرب وسلطنة عمان يؤكدان عزمهما على تطوير تعاونهما في شتى المجالات    الرباط تنتفض من جديد.. آلاف المغاربة في مسيرة حاشدة نصرة لغزة ورفضاً للتطبيع    دراسة: الجينات تلعب دورا مهما في استمتاع الإنسان بالموسيقى    تيفلت.. توقيف شخصين انتهكا حرمة مسجد في حالة تخدير    كرة القدم.. أكاديمية محمد السادس تفوز بمونديال سان بيير لأقل من 15 سنة بنانت    كأس إفريقيا للأمم لكرة القدم داخل القاعة – سيدات (المغرب 2025)..الناخب الوطني يوجه الدعوة ل 14 لاعبة للمنتخب الوطني المغربي    تحسن ملحوظ في نسب امتلاء سدود المغرب مقارنة بالعام الماضي        المغرب يستقبل 4 ملايين سائح في الربع الأول من 2025    مسرحية ديموغرافية بإخراج جزائري: البوليساريو يخدع الأمم المتحدة    مستقبل الصحافة في ظل التحول الرقمي ضمن فعاليات معرض GITEX Africa Morocco 2025    اجتماع هام بالرباط لدعم وتطوير البنية التحتية الرياضية بوزان    حاجيات الأبناك من السيولة فاقت 131 مليار درهم خلال مارس 2025    الدوزي يمنع من دخول أمريكا بسبب زيارة سابقة له للعراق    أمسية فنية استثنائية للفنان عبد الوهاب الدكالي بمسرح محمد الخامس    التكنولوجيا تفيد في تجنب اختبار الأدوية على الحيوانات    غموض يكتنف انتشار شائعات حول مرض السل بسبب الحليب غير المبستر    عبد الصمد المنصوري يحصل على شهادة الدكتوراه بميزة مشرف جدا    الذئب الرهيب يعود من عالم الانقراض: العلم يوقظ أشباح الماضي    العيد: بين الألم والأمل دعوة للسلام والتسامح    أجواء روحانية في صلاة العيد بالعيون    طواسينُ الخير    تعرف على كيفية أداء صلاة العيد ووقتها الشرعي حسب الهدي النبوي    الكسوف الجزئي يحجب أشعة الشمس بنسبة تقل عن 18% في المغرب    







شكرا على الإبلاغ!
سيتم حجب هذه الصورة تلقائيا عندما يتم الإبلاغ عنها من طرف عدة أشخاص.



العاجزون أشد حنينا إلى أداء مناسك الحج من المترفين
انطلقت من الديار الفرنسية حتى لا أتحول إلى عروس في زفة المغادرين
نشر في المساء يوم 16 - 08 - 2010

يستعرض أحمد المديني في هذه السلسلة مجموعة من مشاهداته في الديار المقدسة عندما قام برحلة لحج بيت الله الحرام، وهناك عاين مجموعة من الظواهر التي أثارت
انتباهه وجعلته مصرا على ترسيخها في عمل أدبي ينتمي إلى الجنس الرحلي الذي رآه قادرا على قبول تنوع مادته واختلاف أشكالها وأنواعها .
أخلاق الزيف والمتاجرة، دمغت غير واحد من كتاب وصحفيي زماننا العربي المنهار. سمعت أحدهم يقول بصيغة الفهيم ونبرة المتذاكي: «ها، السعوديون باتوا يدعون اليساريين، والله مليح!» من غير أن يكمل «واليساريون يستجيبون!». لم أكن متقلبا، متنكرا يقتات من أي مال، لذا كلت له الصاع صاعين: «الحال على ما تعرف، وأنا تحديدا اشتراكي، وفي بلادنا الاشتراكيون ليسوا ملحدين، وهم يرددون الشهادتين بكرة وعشيا، كما أنهم لا يمالئون، وعيشتهم يا صاح راضية!». بين هذا وذاك بقيت أعيش مؤقتا ضربا من الارتجاج النفسي بين أكثر من يقين، بالأحرى شك، غذّاه أن مضيفي اختفى، وتلكّأ وصول بطاقة السفر، مما فتح أمامي طريقا جانبيا للهروب زاده قلق لم أعرف مصدره، حتى إن زوجتي، وقد أثقلتُ عليها بتكرار هواجسي، دعتني أن أصرف النظر عن الموضوع كلية، بطريقة أعهدها منها، تتحرك دائما بين الأبيض والأسود تهون عليها أي ُملمة، فيما أنا مضطرب بين قرارات لا أمسك منها خيطا.
تنقصني النية، أولا، وهي عُدّة كل من يتوجه إلى الحج. تراه يسعى إلى تجسيدها بعد ذلك سعيا حثيثا، أصبح في أيامنا هذه دونها خرط القتاد، أوليس مطلوبا منه أن يفوز بفرصة السفر بالقرعة بين عديد حصة مواطني بلاده. ثم يتوفر على مبلغ مُجزٍ يدفعه لوكالة تتكفل به من نقطة مغادرته إلى عودته، إن لم يقع ضحية نصب. فإن فاز اغرورقت عيناه بالدموع فرحا، وزغردت نسوة الدار والجيران معا، وهناك من يولم للأقربين وحتى الأباعد ابتهاجا بالفوز من دون آلاف لم يسعفهم الحظ، على ما نعلم سنوات، يغرقون خلالها في همّ ما بعده نادبين هذا الحظ العاثر، سائلين العلي القدير أن لا يخيب رجاؤهم في مرة قادمة، هل يصح أن تحل ساعتهم وهم لم يؤدوا الفريضة، سواء بالاستطاعة أو بدونها، العاجزون أشدّ حنينا إلى أدائها من المترفين، وهم مأخوذون بحماسهم كمن أصابه مسّ من جن. هذا الحماس، ثانيا، كنت أفتقده. لم أكن أرغب في الإصابة بالصرع، إنما لا بأس من الوثوق بما أنت مقدم عليه ليس اختبارا لحقيقة مسعاك وحسب، بل لامتلاك سماحة النفس، وخلوص نية، ولو مفترضة، رغم قلقك. إنه الصدق بعبارة أخرى خاطبتَ نفسك تقول، فلا يجوز لك أن تتعامل مع ما يتصل بالديني، ما هو في حكم السماوي، تعاملك التعاقدي أو الاعتباطي مع الدنيوي؛ شتّان!
صبيحة يوم الجمعة 20 نونبر من عامه 2009، صليت الفجر والصبح في بيتي بباريس، أنا الذي لا يصلي إلا بشكل متقطع، ونويت في ركعاتي ما يتوجب عليّ القيام به، وهو شرط في هذا المسار. كانت حقيبتي جاهزة، متوفرة على ثياب الإحرام، وصندل بلاستيكي، وحزام، وثياب تقليدية خفيفة تصلح للتغيير بعد نهاية الإحرام، وكلها اقتنته لي عائلتي من الدار البيضاء، وصلتني على عجل منها وهي فرِحة أشد الفرح بما سأقدم عليه، ربما غير مصدقة ظنا من أهلي أن الحج، بناء على أسلوب حياتي، وطراز فكري آخر ما يمكن أن يحدث في حياتي. وبدل أن أغادر من الدار البيضاء، كما كانت رغبتهم في البداية ها أنذا سأنطلق من الديار الباريسية/الفرنسية، التي سماها المسلمون سابقا «دار الحرب». كدت أجعل مطار محمد الخامس بدل شارل ديغول رواسي محطة المغادرة، لولا خوفي من التحول إلى عروس في زفة المغادرين، فهكذا نحن المغاربة نصحب مشروع الحاج إلى المطار في موكب وأي موكب، في الذهاب، فكيف بالإياب، حتى إن عديد المودعين والمستقبلين يفيض عن الحجاج، لذلك أضحى لهؤلاء مطار مستقل بهم، يتكفل بأمتعتهم التي ُتعدّ بحجم التلال. ركبت المترو، ثم خرجت من محطة “إيتوال” في ساحة قوس النصر الشهيرة، هنا في رأس شارع فوش تنطلق حافلة الركاب المتوجهة إلى مطار رواسي الذي نزلت به الساعة العاشرة والنصف صباحا، أي بساعتين على موعد إقلاع طائرتي القاصدة مدينة جدة، بالأحرى المدينة المنورة فجدة. أغلب المسافرين في قاعة الانتظار يرتدون ملابس عربية تقليدية، أي جلابيب وعباءات مغربية جزائرية ورؤوسهم مغطاة بطاقيات وعمامات، الألبسة كلها بيضاء والوجوه سمحة، والألسنة تلهج بالذكر والتسبيح تستعد لدخول عالم الملكوت. بينما كسوتي عصرية، وبيدي محفظة جلدية شأن من يسافر إلى العربية السعودية في مهمة دبلوماسية أو تجارية. دفعت حقيبتي للتسجيل وأنا وحيدٌ، فيما أغلب المسافرين تتنازعهم الأحضان، وتتجاذبهم تحيات التوديع، هم المهاجرون المغاربيون، نساء ورجالا، يظهرون متشبثين بأداء الفريضة، متزايدين عاما بعد عام، متفاخرين، متبارين مع أندادهم في الأوطان الأم، تعبيرا أبعد عن تشبث أقوى بهويتهم الأصلية، لذلك يقتطعون ما لا طاقة لهم به من ميزانياتهم، مضحين بالعطلة السنوية، موثرين على تلاقي أهلهم عامَهَم هذا لقاء وجه الله، وإني أرى بينهم أعمارا فتية خلافاً لماضٍ كان الحج فيه مقصد المسنين والتائبين وحدهم، فيما رُُفقتي على أبواب عمر مديد وأيّ حياة ! لا أنا مُسِنٌّ، ولا غضٌّ، ووجودي بين القوم، قاصدُ الكعبة والمسافرُ لقضاء حاجته، لا أكاد أفسره أريد أن تتلبسني حالة السفر، خبرتها طويلا حتى كادت الطائرة تصبح إقامة ثالثة لي بين المغرب وباريس، التي هي بحر سباحتي وتنفسي. أريد أن أظهر عاديا ومرتاد مشروع، هل أسميه بسماجة تلبية دعوة كريمة من قوم حماة بيت الله، عرب كرام يصونون أهل الضاد وآل البيت، أم أهمس في خاطري يا هذا امتثل واخشع، وإلى ربك الرُّجعى، فإنك إنما ذاهب تلبي نداءه، قد سفّه نكرانك، وخطّأ عصيانك، وقدرُه فتّت عنادك، ها أنت، بقلقك، وجزعك، وحرصك على دنياك، وافتتانك بأهواء لك، وانشدادك لكلماتك تراها السنا، وأحيانا سماك؛ ها أنت تركب طائرة خدام الحرمين، ربانُها إذ يخترق السحب متموجا بين السماوات، لا يعرف أنه ينقل إنسانا ابتلي عمرا كاملا بالصبوات، متبتلا في محراب عشق تذوب لتهجيه حروف الكلمات، كلما أوْغَلَ في سبيل الدنيا آوَته شغاف صلوات صوفية، وأذكار هامسة تتلوها أطياف مائسة، عن يميني ويساري السحاب، فوقي أعلى عليين لا تطال له قباب، وتحتي ُفتات أرض بين سهل وجبل وبحر ويباب، وهذا جسدي، أراه مني وليس مني، بعد قليل سأنزعه عني لأرتدي مئزر الإحرام، لأطرق مثل ملايين يجيئون من كل فج عميق إلى الله كل باب!


انقر هنا لقراءة الخبر من مصدره.