تم مؤخرا العثور بإحدى القرى الأرجنتينية الواقعة بناحية روزاريو على جثة الفرنسي إيف دوميرغ، الذي اختطفته وصفّته وحدة من الجيش الأرجنتيني عام 1976. ولم يكن إيف دوميرغ عند اختطافه يتجاوز الثانية والعشرين من عمره، فيما كان سن رفيقته العشرين ربيعا. طمرتهما آنذاك، في عز سنوات الرصاص الأرجنتينية، داخل قبر كتبت عليه علامة «بدون هوية»، وحدة من كوماندو تابعة لفرق الموت الأرجنتيني. في الأسبوع الماضي، اغتالت منظمة القاعدة في بلاد المغرب الإسلامي المهندس المتقاعد ميشيل جيرمانو، الذي تم اختطافه بشمال النيجر في 19 من أبريل الماضي قبل نقله إلى مالي. في التاريخ الحديث لفرنسا، شكل ملف الاختطافات والرهائن رهانات سياسية وسيكولوجية بالغة الخطورة على مصير البلد ومعنوياته السياسية. وتكفي الطريقة التي تم بها تحرير إنغريد بيتانكور، التي كانت رهينة لمدة ست سنوات ونصف السنة في أيدي القوات المسلحة الثورية لكولومبيا والتي تحولت بموجبها إلى أسطورة، للوقوف على حساسية الموضوع. وبالقرب منا، لا تزال فرنسا تعيش اختطاف الصحافيين العاملين بقناة فرانس 3، هيرفييه غيكيير وستيفان تابونييه، من طرف حركة طالبان بأفغانستان في الثلاثين من ديسمبر الماضي، لا فحسب كاعتداء على حرية الأفراد بل كإهانة لسمعة البلد. ولو أننا أضفنا إلى القائمة الجنود الفرنسيين ال44 الذين قتلوا على الجبهة الأفغانية، لأخذنا صورة مشخصة عن مدى وآثار الصدمة التي تلازم الاختطاف أو الاختفاء. غير أن الاعتبارات الإنسانية التي تسند الخطابات والمواقف غالبا ما تضمر، بل تطمس الاعتبارات المادية التي تبقى في الأخير رحى المطالبات والمفاوضات. وقد طالبت فصائل القاعدة، سواء في أفغانستان أو في صحراء الشمال الإفريقي، من فرنسا تقديم فدية مالية لتحرير الرهائن، وهو ما رفضته ظاهريا هذه الأخيرة، فيما تفاوضت من تحتها مع «تنظيم القاعدة في بلاد المغرب الإسلامي» لتحرير الرهينة بيار كامات، الذي كان يعمل جاسوسا، مقابل فدية مالية. واليوم، بعد مقتل ميشيل جيرمانو، يعيش قصر الإليزيه حالة استنفار قصوى، عبرت عنها الكلمة التي ألقاها الرئيس ساركوزي حين أشار إلى أن «هذه الجريمة لن تبقى من دون عقاب»، حتى وإن لم يعرض لسبل تنفيذ العقاب، كما ترجمتها أيضا الجولة المكوكية التي قام بها بيرنار كوشنير، وزير الخارجية الفرنسي، غداة تصفية الرهينة، إلى كل من مالي والنيجر وموريطانيا بهدف ضمان حماية وأمن الرعايا الفرنسيين في دول الساحل. اختار قصر الإليزيه التصعيد، سواء في أفغانستان، حيث سيتعزز الحضور العسكري الفرنسي ابتداء من شهر أكتوبر القادم مع دخول الأسطول الحربي الحامل للطائرات، شارل ديغول، عرض المياه الباكستانية، أو في داخل فرنسا، وذلك بتعزيز نظام «فيجيبيرات» لحماية أمن المواطنين، والذي قال عنه بريس هورتفوه، وزير الداخلية الفرنسي، إنه وضع في حالته القصوى. ففي الوقت الذي تستعد فيه فرنسا إلى الرد على تنظيم القاعدة، كما جاء في تصريح فرانسوا فيون، الوزير الأول، تعمل بالموازاة على حماية أمن وتحركات الرعايا الفرنسيين، سواء في الأماكن الساخنة أو في مناطق قد توفر ظاهريا كل الشروط الأمنية، لكنها قد لا تلبث أن تتحول إلى فخاخ تنغلق من حول السياح، رجال الأعمال أو الجنود المتطوعين على جبهات أفغانستان. يبقى السؤال: هل يتوفر الإليزيه، بعد فشله في تحرير ميشيل جيرمانو، على الإمكانيات اللوجستيكية والبشرية للرد على منظمة سرابية وشبحية تهيم كالسديم في ربوع الصحراء أم إن الأمر لا يعدو كونه مجرد عاصفة في فنجان؟ منذ حرب لبنان، لا زالت عقدة الرهائن تؤرق، وإلى حد الهوس، السلطات الفرنسية، لأنه خلف هذه الدراما ثمة أشخاص يوجدون حقا تحت رحمة كابوس الموت، بل توجد أيضا تحت رحمته عائلات تتفكك، على مهل، عراها السيكولوجية والمعنوية، وهي تعيش على إيقاع الرهينة التي قد تأتي وقد لا تأتي.